قبل تكريمها في الدورة الثانية والعشرين من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، جلست الممثلة المغربية راوية، أو فاطمة هرنادي كما تحب أن ينادى عليها داخل بيتها، إلى مائدة مستديرة مع الإعلام المغربي جمعت فيها ثقة السنين وصدق التجربة.
بكلمات هادئة تحمل مزيج الحكمة والامتنان، قالت راوية إن لكل أجل كتاب وإن هذا التكريم جاء في وقته تماما، معتبرة أن التكريم المولوي الذي ستحظى به يوم غد لا يشبه أي تكريم سابق في مسارها؛ لما يحمله من وقع استثنائي ومعنى عميق.
وتوقفت راوية عند لحظة خالدة عاشتها خلال العشاء الملكي حين التقت الأميرة لالة أم كلثوم، زوجة الأمير مولاي رشيد، موردة وملامح التأثر لا تفارق صوتها أنها شعرت أمام الأميرة بأناقة ممزوجة بالثقافة وجمال هادئ وسمو لا يصدر إلا من روح آسرة.
وأضافت أن الأميرة عانقتها وقالت لها بالحرف “كنحماق عليك”، وهي عبارة عندما سمعتها جعلتني أرتجف من شدة التأثر ولن أنساها ما حييت”.
وتحدثت الممثلة المغربية عن اختيارها لاسمها الفني “راوية”، شارحة أنه لم يكن اعتباطيا، بل رغبة في أن تكون مثل النجوم الكبار الذين يستخدمون أسماء مستعارة، ولأنها فعلا تروي ما يجود به خيال المخرجين والكتاب. أما داخل البيت، فتعود ببساطة إلى اسم فاطمة هرنادي الذي تعتبره الأقرب إليها.
وكشفت أنها عفوية في عملها؛ فهي تحرص على حفظ الحوار كاملا وتواجه الكاميرا بصدق، وأحيانا ينفلت منها انفعال صادق، دمعة أو ابتسامة، وقد تصدر منها تعليقات عفوية من دون إعداد مسبق.
ووصفت منهجيتها في التمثيل بكونها “عملية ومنضبطة”؛ إذ تتقمص الشخصية عند بداية اللقطة وتغادرها عند نهايتها، وقد تغنّي أحيانا كي تتخلص من ثقل الدور، مشددة على أن الأدوار الشريرة لا يؤديها إلا طيب القلب، وأن الشر تخرجه في الأعمال بينما تعيش الحب في الواقع.
وفي حديثها عن علاقتها بالمخرجين، قالت راوية إنها تعمل على الدور مدة طويلة، وإذا أثقل عليها أحدهم بالكلام في البداية تنسحب.
واستحضرت في حديثها موقفا مع المخرج نور الدين الخماري حين طلب منها قبل تصوير فيلم “كازا نيگرا” مرافقته إلى الحانات بالدار البيضاء قصد دراسة أجوائها قبل التصوير، لكنها رفضت، مؤكدة أن الممثل يجسد ما هو مكتوب، وليس مطالبا بتقليد الواقع.
وتطرقت إلى الأعمال التي ناقشت قضايا المرأة، منها التي تناولت قصص نساء في السجون، وفيلم “الحاجات” الذي سلط الضوء على معاناة أربع نساء، معتبرة أن نماذج أخرى ما زالت تنتظر من يرويها لأنها جزء من الواقع المغربي الحي.
وتحدثت خلال الجلسة نفسها عن علاقتها باللباس التقليدي، قائلة إنها تشعر بانتماء عميق عند ارتداء القفطان، وإنها حين تكرم خارج الوطن تحرص على الظهور به لأنه “الجمال والسترة”.
وعادت راوية إلى فترة توقفها عن الفن سنة 1980، موضحة أن الأمر لم يكن اكتئابا، بل كان اختبارا ملأته بالدراسة في المعهد الموسيقي وتعلم العزف على العود وآلات أخرى قبل أن يعيدها إحساس داخلي إلى المسرح بعد عشر سنوات.
وقالت إن “الحياة تعرف صعودا وهبوطا، وعلى الإنسان أن يحمد الله في السراء والضراء، ومن لا يفعل يدخل في الاكتئاب”، معتبرة أن هذا الأخير بالنسبة إليها “شرك بالله”، وأن “ذكر الله والصلاة علاج نفسي يعيد للإنسان توازنه”.
وأكدت أنها تتمنى تقديم فيلم عن سيرتها الذاتية لكنها لا تجد الوقت للكتابة بسبب انشغالها ببناتها وبتوفير المدخول المادي باعتبارها ربة الأسرة، خاتمة حواراها بأنها إنسانة بسيطة في لباسها وطريقتها في العيش، تفضل الابتعاد عمن لا تعرفهم من “المتباهين”، مكتفية بحمد الله على ما أعطاها وما سيأتي.
وتستعد راوية لاعتلاء منصة التكريم في مراكش يوم غد الثلاثاء بقصر المؤتمرات، حاملة معها مسارا طويلا تحكمه البساطة ويكلله الاعتراف وتملؤه حكايات فنانة روت ومازالت تروي قصصا إنسانية بتجسيدها الاستثنائي.
المصدر:
هسبريس