آخر الأخبار

هل تعني "العدالة اللغوية" المساواة في وظائف العربية والأمازيغية بالمغرب؟

شارك

تهتم دراسة جديدة لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بحالة السياسات اللغوية بالمغرب، وتقف عند السياسة اللغوية قبل الاستعمار، ثم السياسة اللغوية الاستعمارية وتراتبيتها، وسياسة التعريب وبناء الدولة الوطنية، وصولا إلى دستور سنة 2011 وترسيم التعدد اللغوي، مع توفير بيانات القرارات اللغوية مصنفة حسب السنوات والنوعية والمجال والجهة المقررة.

الدراسة التي أعدها فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالمغرب، تذكر أن التجربة المغربية منذ نشأة الدولة الوطنية عرفت العديد من السياسات اللغوية المعلنة والمضمرة، في مرحلة ما بعد الاستقلال السياسي، وكان السؤال اللغوي جزءا لا يتجزأ من النقاش الاجتماعي والسياسي، مردفة: “في مرحلة ما قبل الاستعمار كان حضور مكونين لغويين متعايشين، هما الأمازيغية والعربية، مع حضور محتشم للغات الدول الغازية سابقا، التي لم تستطع فرض وجودها في المجال التداولي المغاربي. لكن منذ دخول الاستعمار، خاصة الفرنسي، إلى الفضاء المغربي، انشغل بإثبات التمايزات الهوياتية داخل النسيج المجتمعي المحلي”.

وتضيف الدراسة: “عملت الفرنسية، باعتبارها لغة القوة والهيمنة، على تقزيم دور العربية والتغلغل إلى المجالات العامة بالمغرب، لكن بعد حصول المغرب على استقلاله السياسي، ورحيل القوات الفرنسية سنة 1956، بدأ التفكير في السياسة اللغوية باعتبارها عنصرا محوريا في تأسيس الدولة الوطنية الجديدة، واستلهمت الأفكار والمبادئ من أدبيات الحركة الوطنية التي وضعت أثناء مقاومتها المستعمر الفرنسي أطرا مرجعية للدولة الوطنية (…) لكن الواقع أن النص الدستوري الذي نص على رسمية اللغة العربية منذ الاستقلال لم يتح لها شروط اللغة الرسمية، كما تجلى في عدم الأجرأة القانونية والتشريعية لرسميتها”.

“ثم جاء نص الدستور الجديد لسنة 2011 ليستعيد ميسم التعددية الواقعية التي طبعت الحالة المغربية منذ بداية التاريخ، والتراجع عن مسار التعريب (…) نقل التعددية من التداول العملي إلى التقنين الدستوري. وإن كان الدستور فتح المجال لصدور العديد من النصوص المنظمة للتعددية اللغوية واللهجية فقد كان تتويجا لمسار من التراجع التدريجي عن الأحادية اللغوية القانونية، وعن سياسة التعريب التي شكلت جوهر دولة الاستقلال”، يورد المصدر المذكور.

وميزت الدراسة في القرارات الرسمية خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين بين “مرحلة الأحادية اللغوية، حين كانت العربية تتمتع بوضع اللغة الرسمية الوحيدة، واستمرت من 1908 إلى 2011، ومرحلة التعددية”، حيث شاركتها في وضعها الرسمي اللغة الأمازيغية واللهجة الحسانية واللهجات والتعبيرات الثقافية الأخرى، وزادت: “إن دستور 2011 شكل محطة مفصلية في استيعاب الحاجة إلى سياسة لغوية بثلاثة أبعاد: بعد دستوري تمنح فيه اللغات الموجودة وضعها القانوني، وبعد مؤسسي حيث تؤطر اللغات المرسمة بنصوص قانونية وموارد ملائمة، وبُعد إجرائي من خلال القيام بمجموعة من التدابير الملموسة على مستوى التخطيط قصد تثمين اللغات المشروعة (…) فالتعدد كان على الدوام واقعا معيشا، والآن غدا واقعا قانونيا”.

لكن، تذكر الدراسة أن “بناء أنموذج لغوي خاص لا ينبغي أن يقف عند حدود الترسيم، بل يفترض استحضار العديد من المبادئ التي ينبغي أن تشرط واقعنا اللغوي، من قبيل: ضمان الوحدة الهوياتية، والاعتراف بالتنوع داخلها، ودور اللغة في التنمية الاقتصادية والمعرفية، والأبعاد الإستراتيجية للاختيار اللغوي في علاقات الدولة بمحيطها وعمقها القومي والثقافي؛ وهي مبادئ تجعل السياسة اللغوية جزءا لا يتجزأ من السياسة العامة للدولة”.

وتتابع الدراسة في ختامها: “إن الربط بين الاختيار السياسي والواقع ينبغي أن يتم عبر تخطيط لغوي واضح وقابل للتنفيذ والأجرأة (…) فإذا كان الاعتراف الدستوري بالتعدد اللغوي في الحالة المغربية مكن من تحقيق نوع من العدالة اللغوية، والمصالحة مع الذات والتاريخ والأرض، فإن مضمون العدالة اللغوية، الذي ظهر حديثا في أدبيات السياسة اللغوية (…) لا ينبغي أن يغيب أن الاعتراف بالحق في الوجود لا يعني المساواة في الوظائف والاستعمال (…) لذا فاعتراف النص الدستوري بالأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية قد حقق نوعا من العدالة اللغوية التي تحمي لغات الهوية، لكن اللغة العربية بما تحمله من تاريخ وأدوار اجتماعية وسياسية واقتصادية ينبغي أن تمكن في مختلف الفضاءات من خلال قرارات حمائية وتداولية”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا