آخر الأخبار

ندوة بالرباط: قرار مجلس الأمن انتصارٌ مغربي وتحولٌ جوهري في مسار النزاع

شارك

احتضنت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط دبلوماسيين وفاعلين سياسيين وأساتذة جامعيين وخبراء، اليوم الخميس، ضمن ندوة وطنية نظّمها فريق البحث في الأداء السياسي والدستوري، لمناقشة موضوع “قرار مجلس الأمن 2797” حول قضية الصحراء المغربية، مختارينَ نهج “قراءات متقاطعة”.

وأجمع مُجمل المتدخلين من خلال جلسات مطولة، حسب ما تابعته هسبريس، على “قوة الانتصار المغربي” يوم الـ31 أكتوبر 2025، قبل أن يتعزز بالفشل الجزائري الذريع في “تحريف صياغة القرار الرسمي” من طرف أمانة مجلس الأمن الدولي والأجهزة التقريرية الأممية، مكرّسا دور الجزائر ضمن تركيبة “الأطراف” المعنية بتبعاتِ القرار وتداعياته في الشق التفاوضي على أساس الحل الوحيد: الحكم الذاتي لأقاليم الصحراء تحت السيادة المغربية.

“لغة القرار”.. تحوّل جوهري

استهل حسن عبد الخالق، السفير السابق للمغرب لدى الجزائر، عرضه بتقديم قراءة كرونولوجية لتطورات قضية الوحدة الترابية، من القرار الأممي 690 عام 1991 وصولاً إلى القرار 2797 الصادر في أكتوبر 2025، وأوضح أن “مسار التسوية شهد منعطفات عدة، بدأت بإقرار الأمم المتحدة بصعوبة تطبيق خيار الاستفتاء الذي نص عليه مخطط 1991، نظراً لتعقيدات عملية تحديد الهوية، ما دفع المنتظم الدولي إلى الدعوة إلى حل سياسي بديل”.

مصدر الصورة

وتابع الدبلوماسي السابق بالجارة الشرقية بأنه “رغم تعاطي المغرب الإيجابي والمبدئي مع مخطط الاتفاق الإطار عام 2001 إلا أن رفض الطرف الآخر، وفشل خطة 2003 لاحقاً، مهدا الطريق لضرورة اعتماد مقاربة تفاوضية جديدة أكثر واقعية”.

وحسب عبد الخالق فعام 2007 يعد “نقطة تحول حاسمة بتقديم المغرب مبادرة الحكم الذاتي، التي حظيَت بدعم دولي كاسح شمل 125 دولة، وتُوجت بالقرار التاريخي لمجلس الأمن الصادر في 31 أكتوبر المنصرم”، مشددا على أن “هذا القرار حسَم الجدل بتأكيده الصريح في صياغته الرسمية – عبر ذكِر ‘الحكم الذاتي’ ست مرات- أنه لا حل لهذا النزاع المفتعل إلا في إطار السيادة المغربية ومشروع الحكم الذاتي.

كما لفت السفير الانتباه إلى “تحول جوهري في لغة القرار”، إذ أشار إلى “الأطراف” خمس مرات، ما يكرس المسؤولية المباشرة للنظام الجزائري في العملية السياسية وينهي محاولاته المستمرة للتملص من صفته كطرف أساسي ومعني بالبحث عن الحل.

مصدر الصورة

الدبلوماسي المغربي لم يخفِ “التطلع إلى استجابة الأشقاء في الجزائر لمنطق الشرعية الدولية المتكاملة، التي تشمل قرارات الجمعية العامة التاريخية ومبدأ تقرير المصير بمفهومه الديمقراطي والواقعي”، مستحضرا في السياق ذاته مضامين الخطاب الملكي الأخير، الذي جدد سياسة “اليد الممدودة”، الداعية إلى طي صفحات الماضي وبدء مرحلة جديدة قوامها الأخوة وحسن الجوار، بما يخدم المصير المشترك ويؤسس لبناء فضاء مغاربي سليم وصلب يجمع البلدين الشقيقيْن.

تكريس عُرف “حامل القلم”

من جهته استعرض عبد العالي بنلياس، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية الحقوق السويسي، عرضه بتفكيك الآليات القانونية والسياسية المتحكمة في صناعة القرار داخل مجلس الأمن، منطلقاً من المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة التي ترهن القضايا الجوهرية بتوفر نصاب تسعة أعضاء شريطة عدم استخدام “الفيتو” من الأعضاء الدائمين، كما استعرضَ “التطور التاريخي لآليات صياغة الحلول منذ تسعينيات القرن الماضي، إذ انتقل الثقل من ‘مجموعة أصدقاء الصحراء’ (التي ضمت روسيا، أمريكا، فرنسا، بريطانيا، وإسبانيا) إلى تكريس عُرف ‘حامل القلم’ الذي ظهر جلياً منذ عام 2011”.

وأضاف بنلياس أن “هذا النظام القائم على الصياغة تهيمن عليه حالياً الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، وفرنسا، حيث تنفرد واشنطن بـ’حمل القلم’ في ملف الصحراء المغربية، ما يعكس تغليب منطق المصالح الدائمة للدول على الصداقات العابرة”.

مصدر الصورة

وفي تحليله مسار القرار الأخير أكد المتحدث ذاته أن الولايات المتحدة خاضت مفاوضات “شاقة وعسيرة” ومكثفة قادها الدبلوماسيون الأمريكيون مع كافة الأطراف، بما فيها الدول التي امتنعت لاحقاً عن التصويت، لضمان صياغة قرار متوازن يدمج مختلف المصالح، وشدد على أن النتيجة النهائية للقرار مع تأكيده الصريح على مبادرة الحكم الذاتي تعد بمثابة “اعتراف غير مباشر” ومثبَتٍ أمميًا بالسيادة المغربية، معتبرا أن هذا التحول ينقل الملف إلى مرحلة جديدة تتمثل في “المعركة الكبرى” حول كيفية التفاوض على أدوات وآليات تنزيل الحكم الذاتي ومفهوم تقرير المصير، حصراً تحت مظلة السيادة المغربية.

ووصف الجامعي ذاته تواجد الجزائر كعضو غير دائم في مجلس الأمن سنة صدور القرار 2797 بأنه من “مكر صدف التاريخ”، وأشار إلى أن الجزائر سعت بكل الوسائل إلى الضغط على حليفتها روسيا لاستخدام حق النقض، “لكنها فشلت أمام لغة المصالح الدولية”، وختم بأن “محاولات الجزائر اللاحقة لتقديم قراءات إعلامية مضللة للقرار لا تخفي حقيقة الصدمة التي تلقتها، ولا تغطي على الواقع الجيو-إستراتيجي الذي يجعل الصحراء رهاناً إستراتيجياً للنظام الجزائري، قبل سقوطه أمام قوة مبادرة الحكم الذاتي والواقعية السياسية الدولية”.

دور الجامعة و”الدبلوماسية الموازية”

لم تخلُ منصة الندوة للحديث عن الموضوع من متدخلين فاعلين ينحدرون من الأقاليم الجنوبية للمملكة، كان منهم المستشار خليهن الكرش، عن “مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” بمجلس المستشارين، الذي لفت إلى “واقع الدبلوماسية الموازية، سواء الحزبية أو النقابية أو البرلمانية، بوصفها تجربة حية تتطور وتُراكم الخبرات رغم ما قد يعتريها من تذبذب ظرفي”.

مصدر الصورة

وانتقل الكرش للحديث عن “البعد التنموي كركيزة أساسية لترسيخ السيادة”، مبرزاً المجهودات المبذولة لإنفاذ “الحق في التنمية” في الأقاليم الجنوبية، وذلك في إطار التأطير الإستراتيجي الذي يوفره النموذج التنموي الجديد؛ كما أوضح أن “هذا النموذج يستند إلى رؤية أطلسية منفتحة ومقاربة ‘رابح-رابح’، ما يجعل من التنمية مدخلاً حقيقياً للاستقرار والازدهار الإقليمي”.

كما استدل المتدخل بمؤشرات رقمية دالة تعكس الطفرة التنموية التي تشهدها أقاليم الصحراء، حيث سجلت نسبة التمدن 74%؛ مع “تفوّق مؤشرات الصحة والتعليم في الأقاليم الجنوبية على المعدل الوطني العام”، واستحضر أن “هذه الدينامية تدعمها بنية تحتية إستراتيجية، يتصدرها الطريق السريع تزنيت-الداخلة الذي يتجاوز دوره المحلي ليكون بوابة ربط محورية بين أوروبا وإفريقيا.

وفي هذا السياق شدد المتحدث ذاته على الدور المحوري للجامعة التي تواكب هذه التحولات، معتبراً إياها “إطاراً ضرورياً للتفكير والمواكبة العلمية لهذه النهضة الشاملة”.

وفي استشرافه لآفاق المرحلة المقبلة دعا الكرش “الجامعةَ المغربية–بكل مكوناتها- إلى الانخراط الجدي في صياغة تصور علمي وواقعي لمخطط الحكم الذاتي عبر استشارات موسعة، بما يغني هذا الخيار الإستراتيجي”، راهناً “نجاح هذه الخطوات بضرورة تمتين الجبهة الداخلية من خلال تعزيز الممارسة الديمقراطية وضمان حضور وازن للشباب والمرأة في تدبير الشأن العام”، وختم بأن “القرار الأممي ليس نهاية المسار، بل إن الطي النهائي لهذا الملف المفتعل يشكل نقطة الانطلاق الحقيقية والشرط الأساسي لإعادة إحياء وبناء الاتحاد المغاربي على أسس صلبة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا