متوخيا هذه السنة “سدّ الفجوة التمويلية” عبر رفع شعار “تعبئة رأس المال الخاص لإطلاق العنان لإمكانات إفريقيا الكاملة”، افتتَحت نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، نسخة 2025 من “منتدى إفريقيا للاستثمار” (Africa Investment Forum)، المنعقد تحت الرعاية الملكية للعام الثالث على التوالي بالمغرب، بحضور سيدي ولد التاه، رئيس مجموعة البنك الإفريقي للتنمية، ووزراء مغاربة وأفارقة، إضافة إلى ممثلي هيئات استثمارية وبنوك وفاعلين خواص.
فتاح لم يفتها خلال الجلسة الافتتاحية الرسمية للمنتدى، اليوم الأربعاء، أن تعرب “نيابة عن الحكومة، عن خالص الامتنان لمجموعة البنك الإفريقي للتنمية على الثقة المتجددة التي وضعتها في بلادنا باختيارها المغرب للسنة الثالثة على التوالي لاستضافة هذا التجمع القاري الهام”، مؤكدة أن “هذا الخيار ليس مبعث فخر فحسب، بل هو اعتراف بموثوقية المملكة واستقرارها وقدرتها على قيادة مبادرات تحويلية تركز على العمل والنتائج”.
كما هنّأت الوزيرة، بالمناسبة، رئيس مجموعة “AfDB”، الموريتاني سيدي ولد التاه، على زيارته الرسمية الأولى للمغرب بصفته رئيسا لمجموعة البنك الإفريقي للتنمية، متمنية له “التوفيق في المهمة الحيوية التي يضطلع بها خدمة لتنمية قارّتنا”.
وركزت المسؤولة الحكومية على العلاقة التبادلية بين ظروف داخلية لكل دولة وسياقات الظرفية الخارجية، موردة: “نحن نبني ظروفنا الداخلية لجذب التمويل الخارجي بشكل أفضل، ونقوم بتعبئة ذلك التمويل لتسريع إصلاحاتنا الداخلية. إنها هذه الحلقة التي ستسمح لإفريقيا بتحقيق إمكاناتها بالكامل”.
وبحسب وزيرة الاقتصاد والمالية، فإن “التحدي هائل. وفقا للتحليلات الدولية، سيحتاج العالم إلى تعبئة 4 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2030 لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وبالنسبة لإفريقيا وحدها، تُقدر الحاجة السنوية بحوالي 1.3 تريليون دولار”، خالصة إلى أنه “أمام هذه الحاجة الضخمة، لم يعد التمويل العمومي ــ الضروري ولكن المحدود ــ كافيا”. وزادت مشددة:
“لقد أصبح من المحتَّم توسيع قاعدة المستثمرين، وجذب رأس المال الخاص، والابتكار في آليات تعبئة التمويل”.
“القطاع الخاص يتعين أن يحتل دورا محوريا؛ فقدرته على الاستثمار، والابتكار، والتصنيع، وخلق القيمة، وتخفيف المخاطر تعد ضرورية لدعم التحولات الكبرى في إفريقيا”، تورد فتاح، قبل تأكيدها “تماشي الضرورات مع أحدث الديناميات الدولية، ولا سيما ‘التزام إشبيلية’، الذي يدعو صراحة إلى زيادة تعبئة القطاع الخاص في تمويل التنمية المستدامة. وبالمثل، فإن البنك الإفريقي للتنمية ــ الذي أنوّه بشدة باستراتيجيته الطموحة للفترة 2024-2033 ــ يضع في صلب أولوياته التحول الهيكلي للقارة، والولوج إلى التمويل، ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، والشراكات بين القطاعين العام والخاص”.
أمام حضور قاري ودولي، أضاءت كلمة الوزيرة فتاح تجربة المغرب في “تطوير القطاع الخاص إحدى الركائز الاستراتيجية لنموذجه التنموي”، مسجلة أن “العديد من الإصلاحات الهيكلية تعكس هذا التوجه: ميثاق الاستثمار الجديد، الذي يهدف إلى تعظيم أثر الاستثمار الخاص من خلال تعزيز التشغيل، والعدالة المجالية، والقطاعات الرئيسية، والتنمية المستدامة، وآليات دعم غير مسبوقة للمقاولات الصغرى جدا والصغيرة والمتوسطة، بما في ذلك الحوافز المستهدِفة، والمساعدة التقنية المعززة، وتبسيط رحلة المستثمر”.
كما استحضرت “خارطة طريق لتحويل مناخ الأعمال، التي مكنت من إحراز تقدم كبير في الرقمنة، والتبسيط، وإنشاء المقاولات”، مع رصدها “تزايد اللجوء إلى الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP)، كمحرك رئيسي لتسريع المشاريع الهيكلية الكبرى”.
في السياق ذاته، برزت التجربة المغرب في تحريك الرأسمال الخاص بـ”تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار كحافز حقيقي للتمويل الخاص، من خلال الصناديق القطاعية، والآليات المخصصة للشركات الناشئة، والمنتجات المبتكرة، والمساهمة الاستراتيجية في رأس المال”، وفق فتاح، التي جددت التأكيد على أن “للمغرب هدفا واضحا: رفع حصة الاستثمار الخاص إلى ثلثي إجمالي الاستثمار الوطني بحلول عام 2035، مقارنة بالثلث حاليا. ويعكس هذا الطموح قناعة عميقة بأن الاستثمار الخاص هو مفتاح التشغيل والابتكار والتنافسية”.
وقالت: “إن منتدى إفريقيا للاستثمار، الذي يفتخر المغرب باستضافته مرة أخرى، يجسد هذه الدينامية بشكل مثالي. وموضوعه لعام 2025: سدّ الفجوة: تعبئة رأس المال الخاص لإطلاق العنان لإمكانات إفريقيا الكاملة، يلخص تحديا جماعيا: تعبئة الموارد ورعاية جيل من المشاريع الطموحة والمستدامة”.
و”على مدى ربع قرن، تمسك العاهل المغربي الملك محمد السادس بقناعة راسخة: إن الحلول للارتقاء بإفريقيا إلى المستوى الذي تستحقه تكمن أولا وقبل كل شيء في دواخلنا. إنها تكمن في مواهبنا، ومواردنا، وقدراتنا على الابتكار والتنظيم والتعاون”، تستحضر وزيرة المالية.
وبحسب المسؤولة المالية المغربية، “ستغطي جلسات هذه النسخة قطاعات رئيسية: الطاقة، والفلاحة، والبنية التحتية، والتحول الرقمي، والتكامل الإقليمي”، آملة أن “تثمر هذه الأيام الثلاثة شراكات ملموسة، وصفقات تحويلية، ومبادرات قادرة على تحسين الظروف المعيشية للشعوب الإفريقية بشكل مستدام”.
في سياق متصل، أكدت فتاح أمام القادة الأفارقة أن “العطاء يقتضي منا تعبئة مواردنا الذاتية”، داعية إلى “الاستثمار في بنيتنا التحتية لخفض التكاليف اللوجستية وفك العزلة عن أقاليمنا”.
وأكدت أن هذه التعبئة الذاتية للموارد المالية تستدعي “تسريع التصنيع لاغتنام المزيد من القيمة المضافة وتجاوز الارتهان للمواد الخام”، داعية أيضا إلى “دعم رواد الأعمال، والشركات الناشئة، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، التي تعد المحركات الأساسية للابتكار الاجتماعي والتكنولوجي”.
كما لفتت إلى أهمية أن “تتشكَّلَ إدارةٌ تعمل على التسهيل لا العرقلة، وعلى الدعم لا التعقيد”، و”تعزيز ثقافة التميّز والمعايير العالية، حيث يصبح القطاع الخاص الإفريقي محركا استراتيجيا قادرا على التصدير والابتكار والمخاطرة وبلورة رؤية بعيدة المدى”.
وأخيرا، من معاني العطاء، وفق ما بسطته المسؤولة الحكومية المغربية، “الانخراطُ بحزم في التحولات الكبرى لعصرنا: الطاقية، والرقمية، والبيئية، والفلاحية، واللوجستية”، مما يعني “إدراك أن تحول إفريقيا لن يأتي من الاستبدال أو الاستنساخ، بل من الخلق: خلق سلاسل قيمة جديدة، وتجمعات تكنولوجية، ومنظومات صناعية، وأقطاب إقليمية. وبعبارة أخرى: العطاء يعني القيام بدورنا”.
أما “الأخذ”، وهو “الجانب الآخر من هذه الدائرة، فليس سلبيا أبدا”، تقول فتاح، مفصلة أنه “يعني الترحيب بالشراكات، وتعبئة رؤوس الأموال، ودمج الابتكارات، وجذب المستثمرين، وخلق الظروف لتمويل مستدام، وقابل للتوقع، وموجَّه نحو الأثر”، قبل أن تختم بأن “الأخذ والعطاء ليسا حركتين منفصلتين، بل هما مترابطان جوهريا”.
المصدر:
هسبريس