آخر الأخبار

دراسة: "السيادة الإفريقية الحديثة" تعتمد على الكفاءة في الربط والتنسيق

شارك

كشفت دراسة إستراتيجية جديدة أعدها الخبير في الدراسات الجيو-إستراتيجية والأمنية الشرقاوي الروداني، تحت عنوان “StraitBelt: إعادة تشكيل السيادة من أجل أفريقيا الصاعدة”، ونُشرت على منصة “Geopolitical Monitor”، عن رؤية إفريقية طموحة تهدف إلى إعادة تعريف القوة في القارة من خلال السيطرة على مسارات التجارة والطاقة العالمية، بدلاً من التركيز على الحدود التقليدية. وتطرح العقيدة الجديدة، التي تستفيد من الموقع المحوري لدول شمال وغرب إفريقيا، مفهوماً جديداً للسيادة يقوم على الكفاءة في الربط بدلاً من القدرة على الحظر.

تنطلق عقيدة “StraitBelt” من تحليل مفاده أن القوة في القرن الحادي والعشرين لم تعد تقتصر على الجغرافيا أو الفرق العسكرية، بل تنتقل عبر الممرات الحيوية وسلاسل القيمة المترابطة التي تحمل الغالبية العظمى من التجارة العالمية.

وشرح الروداني ضمن تصريح لهسبريس معنى “StraitBelt” قائلا إن الأمر يتعلق بـ”تعبير جيوسياسي جديد ينضاف إلى الإطار المفاهيمي الجيوسياسي والدولي، يتيح للمغرب أن يبرز من خلال هندسة فكرية حديثة تربط بين الرؤية الملكية والإستراتيجية الوطنية”.

وقال الخبير ذاته إن هذا المفهوم لا يقتصر على إضافة مصطلح جديد، بل يؤسس لمدرسة تفكير مغربية تستلهم من إرث كبار المنظرين، مثل ماهان في مركزية البحار، وماكندر في محورية اليابسة وقلب العالم، وسبيكمان في أهمية الحزام الساحلي (Rimland)، لتقدم قراءة حديثة تنبع من الواقع المغربي وتتكيف مع تحولات إفريقيا والأطلسي”.

وأضاف المتحدث ذاته: “من خلال الاستفادة من هذه النظريات الكبرى دون الوقوع في أسرها يقدم المفهوم منظورًا مغربيًا أصيلاً يعيد تعريف موقع المغرب في الفضاءات الأطلسية، المتوسطية، والساحلية والصحراء، ويحوّل الرؤية الملكية لدول الساحل الإفريقي أو الدول الأفرو-أطلسية إلى إطار إستراتيجي قادر على إنتاج فهم جديد للاتصال، والسيادة، وإعادة توازن القوى في الجنوب العالمي”.

ويؤكد الباحث المغربي أنه “بهذا المعنى يصبح المفهوم رافعة جيوسياسية تعزز قدرة المغرب على بناء شراكات جنوب- جنوب أقوى، وتوسيع حضوره في الأطلسي الجنوبي، وترسيخ دوره كفاعل هندسي يعيد صياغة خرائط الممرات البحرية والبرية وموازين القوة الإقليمية”.

وتؤكد الدراسة أنه بهذا المشهد المُعاد تشكيله لم تعد إفريقيا مجرد هامش بعيد، بل “قارة إستراتيجية صاعدة” ستحدد الترابط العالمي لعقود قادمة؛ ويعود هذا التحول إلى أصولها الهيكلية القوية.

ومن بين الأصول التي ذكرتها الوثيقة: الوزن الديموغرافي، متوقعة أن يصل عدد سكان القارة إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050، وأن يُقيم ثلث شباب العالم في القارة. ثم تأتي الموارد الحرجة، إذ تمتلك القارة أكثر من ثلث الاحتياطيات المعدنية العالمية الضرورية للتحول الأخضر، فالموقع البحري، إذ تطل سواحلها على الممرات الرئيسية التي تتدفق عبرها التجارة والطاقة العالميان.

وتشير الدراسة إلى أن المنطق القديم الذي تعامل مع إفريقيا كمُصدر للمواد الخام ومُستورد للقواعد “قد وصل إلى حدوده”، مبرزة أن القوة الحاسمة تكمن الآن في شبكة الموانئ والكابلات وخطوط الأنابيب التي تتحرك من خلالها المصالح.

وحسب الورقة البحثية ذاتها تهدف عقيدة “StraitBelt” إلى الخروج كلياً عن مفاهيم الجغرافيا السياسية الكلاسيكية (ماهان وماكيندر)، إذ تقترح أن القوة لم تعد تُعرّف بالقدرة على الإغلاق أو الحصار، بل بكفاءة الربط والتنسيق؛ وتتحدث عن مفهوم السيادة الجديد، موردة أن السيادة تُمارس ليس عبر الانعزال، بل عبر التنسيق المشترك والمرونة وكفاءة الامتصاص للصدمات، كما تتحدث عن كسر التبعية، إذ تدمج الدول غير الساحلية في شبكات لوجستية ساحلية كشريك بدلاً من تابع، وتُحوّل الجغرافيا إلى أصل إستراتيجي.

وتوضح الدراسة أن الانفصال يفاقم انعدام الأمن، فالمناطق التي تنهار فيها السلاسل اللوجستية، مثل الساحل والبحيرات العظمى، تتحول إلى أوعية لتغذية شبكات التطرف والاتجار؛ ولذلك فإن تأمين هذه الممرات هو “عمل استقرار إستراتيجي”.

تعتمد عقيدة “StraitBelt” على ثلاثة محاور مترابطة تمنح القارة الإفريقية الترابط والسيادة، أولها المحور الساحلي الصحراوي الذي يركز على تحويل قيود الدول غير الساحلية إلى ممرات قارية للفرص؛ فعبر تنسيق الدوريات وأنظمة التخزين المشتركة يتحول الساحل من “حاجز” إلى “جسر” يربط القارة. ثم يأتي المحور الأطلسي، إذ يُسقِط نفوذ إفريقيا عبر المحيط، بدءاً من شمال إفريقيا (حيث يقع المغرب) مروراً بغربها وحتى الأمريكيتين؛ وهذا يخلق قوساً مستمراً للتبادل، ويحوّل جنوب المحيط الأطلسي إلى فضاء للاستقرار والحوار الاقتصادي. والمحور الثالث هو المحور الأورو-متوسطي الذي يمنح إفريقيا واجهة منظمة لأحواض رأس المال والتكنولوجيا (الشمال)؛ وبذلك تصبح القارة “عاملاً مُستقراً” ضمن سلاسل القيمة العالمية وتساهم في أمن طرق العبور المتوسطية وإعادة تصنيع جنوب أوروبا.

وتوضح الوثيقة أن جوهر هذا التحول يكمن في الانتقال من تصدير المواد الخام إلى تصدير النظم، وهذا يعني إنتاج سلع مُصنّعة ومعادن مُعالجة وطاقة خضراء وأطر تنظيمية تُصمم على التراب الإفريقي.

وختاماً تضع الدراسة معايير إستراتيجية واضحة للسنوات 2030-2035، مثل تقليل التكاليف اللوجستية في الساحل ومضاعفة تدفقات الحاويات بين الدول الإفريقية، وتؤكد أن “StraitBelt” هي مساهمة إفريقيا الخاصة في تحقيق التوازن العالمي، وتجعل القارة “مهندساً” قادراً على تشكيل القواعد والممرات الإستراتيجية التي ستحدد المرحلة التالية من الترابط العالمي.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا