في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أكد عبد الخالق البومصلوحي، عضو المجلس الوطني للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أن الخطوة التي أعلن عنها الملك محمد السادس بإطلاق جيل جديد من برامج التنمية تمثل منعطفا حاسما في مسار معالجة الفوارق المجالية، معتبرا أن خطاب الملك حول “مغرب يسير بسرعتين” كان رسالة واضحة بأن الوضع لم يعد مقبولا.
واعتبر البومصلوحي خلال مروره في برنامج “إيمي ن إغرم” على جريدة “العمق”، أن المغرب لا يمكن أن يستمر بمنطق مناطق تنعم ببنيات تحتية متقدمة من طرق سيارة وقطارات فائقة السرعة ومصانع وملاعب، في مقابل مناطق أخرى ما تزال تعيش على إيقاع الهشاشة والخصاص.
وشدد على أن المغرب يشهد تطوراً ملحوظاً في قطاعات اقتصادية وسياحية ومجالية، غير أن جزءاً كبيراً من الساكنة لا يستفيد منه، خاصة في مناطق الوسط الشرقي والجنوب الشرقي والحوز والدريوش وخنيفرة وبني ملال وتارودانت، التي وصفها بأنها “من أكثر المناطق تعرضا للتهميش رغم الإمكانيات التي تزخر بها”.
وبخصوص اللقاءات التشاورية التي أطلقتها وزارة الداخلية لإعداد برامج التنمية المندمجة، اعتبر البومصلوحي أنها خطوة “تستهلك الوقت أكثر مما تنتج الحلول”، موضحا أن حاجيات الساكنة واضحة ومعروفة منذ سنوات، وأن الدولة سبق أن استمعت إليهم في إطار إعداد النموذج التنموي الجديد، وفي برامج التنمية التي تصوغها الجماعات الترابية، وفي الحملات الانتخابية التي تعد خلالها الأحزاب ببرامج مشابهة. وأضاف أن الأولوية الآن ليست في جمع طلباتهم مجددا، بل في التنفيذ السريع لما يحتاجونه بالفعل، وهو أمر لم يعد يستحمل التأجيل.
وأكد المتحدث أن الحاجيات الأساسية لسكان المناطق الهشة واضحة وبسيطة، وتتمثل أساسا في طرق معبدة تربط القرى بالمراكز الحضرية، ومؤسسات صحية مجهزة بطاقم طبي وتمريضي حقيقي، وليس مجرد بنايات فارغة يستفيد منها المقاول أكثر مما يستفيد منها المواطن، مشددا على ضرورة توفير مؤسسات تعليمية جيدة، ونقل مدرسي آمن، وفرص شغل للشباب داخل مناطقهم حتى لا يُضطروا للهجرة إلى المدن بحثاً عن مصدر رزق.
وأشار البومصلوحي إلى أن إحدى أكبر الإشكاليات التي تعاني منها المناطق المهمشة هي غياب المشاريع الاقتصادية المحلية، ما يحرم الشباب المتعلم من فرص حقيقية للعمل داخل محيطه، ويجعل مساهمته في تنمية منطقته منعدمة. ورغم أنه قد يرسل المال إلى أسرته من المدينة، إلا أن غياب البنيات الأساسية يجعل المنطقة نفسها غير قادرة على الاستفادة من كفاءاته.
وتوقف عضو المنظمة المغربية لحقوق الإنسان عند معاناة عدد من القرى التي ما تزال تعتمد على الدواب للوصول إلى أقرب طريق، أو تنقطع عن العالم خلال تساقط الأمطار بسبب غياب القناطر والمسالك المعبدة. كما توجد مناطق فلاحية غنية لا يستطيع فلاحوها تسويق منتجاتهم في الوقت المناسب لغياب الطرق، ومناطق سياحية صاعدة لا تجد أي دعم من وزارة السياحة التي تركز اهتمامها – وفق تعبيره – على الوحدات الفندقية الكبرى، في حين يظل أصحاب المشاريع الصغيرة خارج أي برامج دعم أو ترويج.
وأكد على أن احتياجات المواطنين في هذه المناطق تدخل في صميم حقوقهم الأساسية، وأن الجيل الجديد من البرامج التنموية يجب أن يسرع في معالجة هذه الاختلالات، لأن الوقت لم يعد يسمح بالمزيد من الانتظار، ولأن العدالة المجالية هي شرط أساسي لتحقيق التنمية الشاملة التي يطمح إليها المغاربة جميعا.
وبخصوص الماء والكهرباء، أوضح أن بعض مناطق الجنوب الشرقي عرفت تحسناً نسبياً، غير أن مناطق أخرى ما تزال تعاني من ندرة الماء، خاصة زاكورة وأكدز، ما يجعل توفير هذه المادة الحيوية ضمن أولى الأولويات، خصوصاً في فترات الحرارة المفرطة التي يعرفها الإقليم.
واعتبر كاتب فرع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، أن الاعتراف بالمشكل خطوة أولى في اتجاه الحل، قائلا: “لا يمكن أن نعتبر الأمور بخير بينما جزء من المغاربة لا يستفيد من التنمية”. داعياً إلى تقييم فعلي بعد أربع أو خمس سنوات لقياس مدى تقليص الفوارق المجالية.
كما لفت الانتباه إلى محدودية إمكانات عدد كبير من الجماعات الترابية في الجنوب الشرقي وعموم مناطق الهامش، التي بالكاد تغطي نفقات التسيير، مما يجعلها عاجزة عن إطلاق مشاريع تنموية، مقابل جماعات أخرى تتمتع بموارد مالية مهمة بحكم موقعها الجغرافي. وهذا التفاوت، وفق رأيه، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في الجيل الجديد من البرامج التنموية.
ودعا الفاعل الحقوقي إلى جعل التنمية شاملة ومتوازنة بين كل الجهات، مؤكداً أن المغرب لا يمكن أن يحقق قفزة تنموية حقيقية دون معالجة جذور التفاوتات المجالية التي تُثقل حياة ملايين المواطنين.
المصدر:
العمق