اعتبرت فرق المعارضة على أن ضمان نزاهة وشفافية الاستحقاقات الانتخابية المقبلة رهين بمحاربة استعمال المال مع مراجعة التقطيع الانتخابي، داعية لتحصين العملية الديمقراطية من خلال ضمان تمتع جميع المتنافسين في العمليات الانتخابية بنفس الحقوق والالتزام بنفس الواجبات.
وأكدت مكونات المعارضة، في مداخلاتها خلال مناقشة القوانين الانتخابية بلجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة والشؤون الإدارية، أمس الأربعاء، أهمية عملية التأطير القانوني للانتخابات والعمل على الشروط السياسية المؤطرة لها وأدوار مختلف الفاعلين في أفق الوصول إلى انتخابات نزيهة وشفافة وأكثر تنافسية.
محاربة استعمال المال وإعادة التقطيع الانتخابي
شدد الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية على أن “نقاش هذه القوانين، ليس عملية تقنية قانونية روتينية زائدة، تمليها ضرورة دورية الانتخابات، بل إنه عملية ضرورية لتثبيت وتكريس الديمقراطية”، ملفتا أن “العمليات الانتخابية، دعامة رئيسية للديموقراطية ووسيلة فعلية لضمان التداول على المشاركة في تدبير الشأن العام”.
وأبرز الفريق الاشتراكي أن “أهمية المشاريع الثلاثة لا تتجسد أهميتها فقط في تأطير عملية انتخاب مجلس النواب المقبل، بل تتجسد وبشكل كبير في قدرتها على تقوية النموذج الديموقراطي الوطني، وقدرتها على تدعيم مستويات الاستقرار السياسي ببلدنا، كما باتت تتطلبها وتفرضها أدبيات التنمية الديمقراطية والسياسية اليوم، و تتجسد أهميتها في قدرتها على المساهمة في ربح رهان التنمية والتطور”.
وشدد على ضرورة وأهمية عملية التأطير القانوني للانتخابات وعلى الشروط السياسية المؤطرة لها وأدوار مختلف الفاعلين في أفق الوصول إلى انتخابات نزيهة وشفافة وأكثر تنافسية في إطار احترام جميع الضوابط القانونية التي من شأنها تطوير المشاركة السياسية وتعزيز الثقة في الفاعلين السياسيين وفي المؤسسات المنتخبة.
واعتبر أن “ربح رهان تقوية مؤسسات الدولة، وإدراك الحكومة القوية،البرلمان القوي بأغلبيته ومعارضته، القضاء النزيه، المؤسسات الناجعة للحكامة المؤسسات الترابية الفاعلة، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة”.
ولفت أن “الرهان المطروح علينا اليوم، هو التفكير في آليات تعزز من مسير تحول الإطار القانوني للعمليات الانتخابية ببلادنا، وتكرس طبيعته كإطار ليس فقط لتقنينها بل لتنظيمها تنظيما ديموقراطيا، وهو الرهان الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بتكريس نزاهة الانتخابات، وفق تعبيره، من خلال ضمان تمتع جميع المتنافسين في العمليات الانتخابية بنفس الحقوق والالتزام بنفس الواجبات، وهو ما يتطلب إعمال مجموعة من الشروط والمعايير والقواعد المتعارف عليها”.
بالمقابل، اعتبر الفريق الاشتراكي أن “هذا الرهان يصطدم بالعديد من التحديات، أبرزها شيوع استعمال المال بغاية استمالة الناخبين والتأثير في سلوكهم، وهو ما يمنع تكريس شرط أساسي لقيام الانتخابات النزيهة، وهو شرط تكافؤ فرص المتنافسين في العمليات الانتخابية”.
ونبه الفريق لما اعتبره “معطى خطير وإلى خطاب سياسي مغلوط مرتبط بضمان نزاهة الانتخابات في المغرب، وهو الخطاب الذي يرفض استعمال المال الحرام في العمليات الانتخابية، وكأن المال الحلال لا يفسدها”، على حد تعبيره، مؤكدا أن “كل مال يستعمل في الانتخابات من خارج ما يسمح به القانون هو مال يفسد العمليات الانتخابية، سواء تم استعماله على صورة رشاوي نقدية مباشرة، أو عينية غير مباشرة، بمعنى الأعمال الإحسانية، وبالتالي فإن ضمان نزاهة الانتخابات المقبلة، رهين بالتشديد على طرق وكيفيات صرف المال فيها”.
وأشار إلى أن “نزاهة الانتخابات، لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تم توفير جميع الضمانات اللازمة لتكريس الشفافية والنزاهة، وفي مقدمتها تحديد الدوائر الانتخابية، ذلك أن عملية التحديد هذه ليست مجرد عملية تقنية، بل إنها عنصر أساسي في هندسة المنظومة الانتخابية، فالتقطيع الانتخابي يمكن أن يساهم في تدعيم الديموقراطية، كما يمكن أن يساهم في تقويضها من خلال تشويه الإرادة الحرة للمواطنين”، على حد قوله.
واعتبر فريق “الوردة” أن “التقطيع الانتخابي المعمول به حاليا، لا يستند إلى أي منطق واضح، أو إلى أي اعتبارات موحدة، سكانية كانت أم ترابية، داعيا لضرورة مراجعة التقطيع الانتخابي الحالي، من خلال تصحيح اختلالات التقسيم الانتخابي الحالي، بما يضمن المساواة التمثيلية والنجاعة الضرورية مع انتخاب أعضاء مجلس النواب في إطار الاقتراع باللائحة، باعتماد دوائر محلية ودوائر مخصصة للنساء، ودائرة مغاربة العالم ومراعاة البعد المجالي كلما تعلق الأمر بدوائر انتخابية شاسعة المساحة؛
كما شدد على ضرورة أن يندرج التقسيم الانتخابي ضمن المعايير الدولية المقبولة على أساس التوازن الديمغرافي والمساواة التمثيلية بين الدوائر الانتخابية، ملفتا أن أهم مطلب لتحقيق العدالة الانتخابية هوتكريس مبدأ إحداث الدوائر الانتخابية المحلية في كل عمالة أو إقليم أو عمالة مقاطعات، مع إضافة إمكانية الدمج بينها ما يؤدي إلى حذف الاستثناء المتعلق بجواز إحداث في بعض العمالات أو الأقاليم أكثر من دائرة انتخابية واحدة، تأكيدا لنمط الاقتراع باللائحة.
وتابع: “من غير المنطقي اعتماد الإقليم قاعدة لدائرة موحدة، وتقسيم مجموعة من الأقاليم إلى دائرتين، إن هذا المنطق يكرس التغول لتمكين الأغلبية من مقعدين في الإقليم بدل مقعد واحد، وحرمان المعارضة من حقها في التمثيلية الانتخابية”.
وجدد الفريق التأكيد أن “الغاية من تجويد المنظومة الانتخابية، يتمثل بالأساس في تدعيم أسس الدولة الديموقراطية ببلادنا، هذه الدولة التي لا تعني غير دولة المؤسسات، وبالتالي فهي لا تعني غير الدولة التي يسود فيها القانون، ويكرس فيها مبدأ فصل السلط، وهو ما تم تكريسه في نظامنا الدستوري بمقتضى دستور 2011″، وفق تعبيره.
تحصين العملية الديمقراطية
أكد الفريق الحركي أن “هذه المنظومة التشريعية، التي تتألف من مشاريع قوانين تنظيمية وقانون عادي، تستند إلى ثلاثة مرتكزات أساسية تستجيب لتطلعات الرأي العام الوطني من خلال تخليق الحياة السياسية وتعزيز تمثيلية النساء والشباب وتجويد مسار العمليات الانتخابية.
ولفت الفريق أن ملاحظاته “تهدف بالأساس إلى تحصين العملية الديمقراطية ،التي تعتبر الانتخابات مدخلا لها ،وأيضا المساهمة في حلول جماعية لعدد من الاشكاليات التي تشوب الانتخابات كمحاربة العزوف الانتخابي وترسيخ الثقة في العملية السياسية والمؤسسات التمثيلية، ومحاربة الفساد الانتخابي، وتوسيع تمثيلية مختلف الفئات المجتمعية وجعل البرلمان صوتا لكل المغاربة في الداخل والخارج، من خلال حضور كفاءات تترجم نبض وهموم وانتظارات الوطن والمجتمع.
وبالنسبة لتشديد قواعد الترشح والعزل، أشار الفريق الحركي إلى أن “هذا الإجراء سيعزز النزاهة والاستقامة في تدبير الشأن العام الترابي والبرلماني”، مضيفا أن مشروع القانون نص على منع الترشح لكل من صدر في حقه حكم نهائي بالعزل من مسؤولية انتدابية، أو حكم بالإدانة في جرائم تمس النزاهة أو الشرف أو المال العام، أو لمن ثبت تورطه في مخالفات انتخابية خطيرة.
وعبر الفريق الحركي عن “ترحيبه بهذه الإجراءات التي تعزز الثقة في المؤسسات المنتخبة، مدام هناك مبدأ قرينة البراءة، وإعطاء المعنيين فرص الطعن قبل فقدان أهلية الترشح”، مع دعمه لتجريد النائب الذي يوجد رهن الاعتقال لمدة تعادل أو تفوق ستة أشهر من صفته النيابية، لما في ذلك من صيانة لسمعة المؤسسة التشريعية.
وبخصوص التمويل الحزبي، أكد “السنبلة” أن السماح للأحزاب بتأسيس شركات مملوكة لها بالكامل في مجالات الإعلام والنشر والأنشطة الرقمية يمثل فرصة لتعزيز استقلالها المالي، لكنه لابد من إعفاء الأحزاب من الضريبة على القيمة المضافة من مقتنياتها ومعاملاتها المالية، مادامت ماليتها خاضعة لمراقبة دورية من المجلس الأعلى للحسابات، بحيث يتم تقديم تقارير مالية مفصلة تشمل المداخيل والنفقات، بما يضمن الشفافية.
وبخصوص مكافحة الجرائم الانتخابية وتوظيف التكنولوجيا، عبر الفريق عن تقديره إلى التنصيص على تجريم استخدام وسائل تكنولوجيا الإعلام والتواصل الحديثة وأدوات الذكاء الاصطناعي لنشر الأخبار الزائفة والتشهير بالمترشحين بقصد التشكيك في صدقية ونزاهة الانتخابات، غير أنه أكد أن “إقرار عقوبات حبسية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات (2-5 سنوات) على الأفعال المرتبطة بنشر الإشاعات والأخبار الزائفة يستدعي مناقشة عميقة وتوضيحا أكبر”.
وشدد على ضرورة الحرص التام على وضع ضوابط قانونية واضحة ومحددة بدقة لا تدع مجالا للتأويل أو التفسير، تضمن عدم المساس بحرية التعبير والنقد السياسي المشروع، وحماية الحق في الإعلام، لا يتعلق الأمر إطلاقا بالتضييق على الحريات، بل بمواجهة الوقائع غير الثابتة التي تهدف لضرب سلامة الاقتراع.
وفيما يتعلق بتعزيز تمثيلية الشباب والنساء، اعتبر الفريق أن “توفير الأرضية الملائمة لتعزيز تمثيلية هاتين الفئتين هو رهان أساسي للارتقاء ببلادنا، وهو ما يجسده هذا المشروع”، مرحبا بتخصيص الدوائر الانتخابية الجهوية حصريا لترشيحات النساء، كآلية واضحة لتحصين المقاعد النسوية داخل مجلس النواب.
وبالنسبة لتحفيز الشباب أقل من 35 سنة، ثمن الفريق مبادرة التحفيز المالي المهم للوائح الترشيح التي يتقدم بها الشباب (ذكورا وإناثاً) والتي تتضمن مترشحين مرتبين بالتناوب بين الجنسين، سواء كانوا بتزكية حزبية أو بدونها، ملفت أن هذا الدعم المالي الذي يبلغ سقف 75% من إجمالي المصاريف المنجزة، سيساعد على تجاوز عائق الإمكانيات المادية الذي يقف أمام انخراطهم، مؤكد ضرورة أن يكون هذا الدعم محاطا بضوابط صارمة، وألا يكون “شكلا من أشكال الربع المجاني”. كما ندعو أن يشمل هذا الدعم المالي النساء و الجالية لتشجيعها على المشاركة السياسية والانتدابية.
كما عبر الفريق عن دعمه للمقتضى المتعلق بعدم إمكانية التراجع عن التزكية الحزبية أو سحبها بعد إيداع التصريح بالترشيح عبر المنصة الإلكترونية، مما يضفي الجدية اللازمة على العمل السياسي ويمنع الانسحابات اللحظية غير المبررة، ولكن بالمقابل يجب التنصيص على عدم إلغاء اللائحة المترشحة في حالة انسحاب احد أعضائها لأنه في بعض الحالات يكون الانسحاب مجرد ابتزاز لوكيل اللائحة أو للحزب المترشح باسمه.
المصدر:
العمق