في اليوم الدولي لمنع ومكافحة جميع أشكال الجريمة المنظمة عبر الوطنية، الذي يصادف 15 نونبر من كل سنة، يبرز المغرب، وفق مهتمين، كفاعل إقليمي ودولي راكم خبرة أمنية واستخباراتية جعلته في طليعة الدول التي تقود معركة التصدي للتهديدات العابرة للحدود بمختلف أشكالها، من خلال مقاربة متكاملة ومتعددة الأبعاد مكّنته من تحويل حدوده إلى خطوط دفاع متينة ضد التدفقات الإجرامية بكل مستوياتها، من الإرهاب وتمويله إلى الاتجار بالبشر والمخدرات، مرورا بشبكات الجريمة السيبرانية التي أصبحت تهدد استقرار الدول والمجتمعات.
هذا الأداء الأمني المغربي الفعّال بشهادات دولية تحوّل إلى رافعة للتعاون الدولي من خلال شراكات استخباراتية عميقة وموثوقة مع مختلف المؤسسات الأمنية في إفريقيا وأوروبا، ومع منظمات دولية رائدة مثل منظمة “الإنتربول” التي تستعد مدينة مراكش لاحتضان الدورة الثالثة والتسعين لجمعيتها العامة أواخر الشهر الجاري. وقد أسهم هذا التعاون في تفكيك شبكات إجرامية عابرة للقارات وحماية الفضاء المتوسطي والساحل الإفريقي من التهديدات المتنامية، وبالتالي ترسيخ مكانة الرباط كقوة استباقية في محاربة الجرائم المنظمة ومساهم فعال في بناء منظومة الأمن الجماعي.
البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، قال إن “المغرب يضطلع بدور محوري ونشط ومركزي في التصدي للجريمة المنظمة العابرة للحدود على المستويين الإقليمي والدولي، مؤكدا بذلك مكانته كشريك أمني موثوق به”، مضيفا أن “هذا الدور لا يقتصر على تأمين الحدود الوطنية فحسب، بل يمتد ليشمل المساهمة الفعالة في مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة، حيث يُعد المغرب رائدا إقليميا باستراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد تدمج الجوانب الأمنية والاجتماعية والدينية”.
وأضاف البراق، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الالتزام يتجسد في الجهود الكبيرة المبذولة لمكافحة الاتجار بالمخدرات عبر تأمين الحدود وتكثيف المراقبة الساحلية والبرية، والدور الحيوي في المشاركة، من منطلقات سيادية، في تأمين الفضاء المتوسطي المشترك لمنع تدفقات الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وتفكيك شبكاتهما؛ إذ يرتكز هذا الإطار العملياتي على قاعدة قانونية صلبة متمثلة في الالتزام بالمعايير الدولية والمصادقة على الاتفاقيات الأممية، أبرزها اتفاقية باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية”.
وشدد المتحدث على أن “هذا الأداء الأمني الاستثنائي والفاعل يأتي تجسيدا للرؤية الملكية المتبصرة التي تضع الأمن القومي والإقليمي في صلب الأولويات، وقد كان للمديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني دور استراتيجي وحاسم في تنزيل وترجمة هذه الرؤية إلى مقاربة أمنية شاملة ومتعددة الأبعاد على أرض الواقع”.
وأوضح أن “التعاون الدولي يُعتبر حجر الزاوية في الاستراتيجية الأمنية لكل من المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمكتب المركزي للأبحاث القضائية وجهاز الدرك الملكي؛ إذ يتميز المغرب بكونه شريكا استخباراتيا موثوقا به ومساهما فعالا في الجهود العالمية من خلال التعاون العميق مع منظمات مثل الإنتربول، والشراكات الأمنية المغربية القوية والمستمرة مع دول الاتحاد الأوروبي، ولا سيما إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا”.
وخلص البراق إلى أن “الدبلوماسية الأمنية تعد أيضا عنصرا مكملا ورئيسيا في المقاربة الأمنية المغربية، حيث تم تحويل الكفاءة الأمنية المغربية والخبرة الاستخباراتية المتراكمة إلى أداة فاعلة في السياسة الخارجية للمملكة؛ إذ يصدّر المغرب نموذجه الأمني في مكافحة الإرهاب وتدبير ملفات الهجرة، وتوفير التكوين والدعم التقني للدول الشقيقة والصديقة، خاصة في إفريقيا ومنطقة الساحل”، مؤكدا أن “هذه المقاربة الأمنية تمتد لتشمل معالجة الأسباب الجذرية للجريمة والإرهاب ومكافحة التمويل غير المشروع، في إطار من التكامل مع جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الحدودية والمناطق المعرضة للخطر، لقطع الطريق أمام الشبكات الإجرامية التي تستغل الفقر والهشاشة للتجنيد والتمويل”.
قال سعيد بركنان، محلل سياسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “المغرب منخرط في حركية العالم للقضاء على نشاط الجريمة المنظمة لاعتبارات خاصة، منها أولا انخراط المملكة في التكتل الدولي لمحاربة الإرهاب المرتبط بالجماعات والتنظيمات الإسلامية التي ترتبط تمويلاتها بعائدات الاتجار بالأسلحة وكذلك بالمخدرات الطبيعية والمصنّعة”.
وأضاف المحلل السياسي ذاته أن “هناك أيضا اعتبارا يتعلق بالموقع الجغرافي للمغرب الذي جعل منه موقع انطلاق لتجارة المخدرات الطبيعية وموقع عبور لجريمة الاتجار بالبشر وبعض المخدرات الصلبة القادمة من إفريقيا وأمريكا اللاتينية في اتجاه باقي مناطق العالم، خاصة أوروبا، وكذلك موقع مرور إلى منطقة الساحل وجنوب الصحراء التي تنشط فيها جماعات مسلحة وإرهابية وتنشط فيها تجارة الأسلحة والاتجار بالبشر وغسل الأموال”.
وتابع بأن “هذا الانخراط المغربي تبرره أيضا الأحداث المنفلتة في المنطقة الإقليمية لشمال إفريقيا ودول الساحل وجنوب الصحراء؛ كونها منطقة تنزيل واقعي لتقاطع صراعات إقليمية ودولية وتحولات جيو-سياسية وجيو-اقتصادية للدول المتصارعة على قمة الهرم الاقتصادي في العالم، الشيء الذي يجعل المغرب في مواجهة بيئة مولّدة وحاضنة للإرهاب والجماعات الانفصالية أولا، ثم لكل أنواع الجريمة العابرة للحدود المرتبطة بتمويلات هذه الجماعات الإرهابية”.
وأكد بركنان “انخراط المغرب منذ بداية الألفية الثالثة في محاربة الإرهاب الدولي، ومساهمته بشكل جدي في تجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية، ودوره الفعال في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي الذي ترأسه ثلاث مرات منذ رجوعه للاشتغال من داخل الاتحاد؛ إذ بلورت المملكة مقاربة ترتبط بإرساء الاستقرار من خلال التنمية باعتبارها السبيل الأمثل للقضاء على الجماعات الإرهابية التي تعد المحرك الأساسي للجريمة العابرة للحدود، خاصة في المنطقة الإقليمية، إيمانا منها بأن التنمية هي القادرة على محاربة الهشاشة المجتمعية التي تحفز السكان على الانخراط في شبكات الجريمة المنظمة”.
وبيّن بركنان أن “المغرب طوّر عمليات حصار الجريمة العابرة للحدود في اتفاقياته الأمنية الثنائية أو التكتلية من خلال المزاوجة بين المقاربة الأمنية والمقاربة التنموية، خاصة وأن الجريمة تتجاوز التعريفات التقليدية وتتطور في العالم إلى الجريمة السيبرانية على سبيل المثال، وترتبط كذلك بالتطورات الرقمية والتكنولوجية التي تدمجها الرباط في استراتيجيتها لمحاربة كل أشكال الجريمة المنظمة”.
المصدر:
هسبريس