آخر الأخبار

هيئة النزاهة: الفساد في المقاولات يكلّف الاقتصاد خسائر بمليارات ويضعف جاذبية الاستثمار

شارك

أكد محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن “الفساد في القطاع الخاص يقوض الثقة الاقتصادية ويضعف تنافسية المقاولات وجاذبية الاستثمار ويشوه آليات السوق، ويقوض روح المبادرة.

وكشف بنعليلو، في كلمة له خلال مؤتمر الأنتربول العالمي لمكافحة الفساد واسترداد الأصول المنعقد بمدينة أبوظبي أيام 11 و12 و13 نونبر، عن رؤية شمولية جديدة لمعالجة الفساد في القطاع الخاص، باعتباره أحد أبرز التحديات التي تُقوّض الثقة الاقتصادية وتضعف تنافسية المقاولات وجاذبية الاستثمار.وتشوه آليات السوق، وتقوض روح المبادرة، وذلك في إطار التزام الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بتعزيز النزاهة في مجال الأعمال.

وأكد المتحدث ذاته أن الحديث في موضوع الفساد في القطاع الخاص، يتطلب كثيرا من الجرأة والقدرة على مقاربته بموضوعية،بعيدا عن كثير من التمثلات والطروحات النظرية وذلك بسبب دقة وطبيعة التحديات التي يطرحها، وما يتسبب فيه من تأثير على إنتاجية المقاولات، وعلى حجم الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو ما يشكل، في المحصلة، خسائر تمثل نسبا مهمة من الناتج الداخلي الإجمالي للدول، وفق تعبيره.

واعتبر أن النزاهة في القطاع الخاص ليست قيمة أخلاقية فقط، بل عنصرا من عناصر”التنافسية الوطنية”، معتبرا في المقابل أن الفساد في القطاع الخاص هو”عطب مؤسسي في هندسة السوق”، لا يمكن علاجه إلا بإعادة ضبط منظومتي الردع والتحفيز معا، وجعل الامتثال لقواعد النزاهة قيمة مضافة، لا مجرد عبء تنظيمي على المقاولة.

وأبرز أن مفتاح الإقلاع الاقتصادي الحقيقي يكمن في تحرير الاقتصاد من ثقافة الامتيازات والعلاقات والتبعية، ومما يعتبره بعض الفاعلين الاقتصاديين “شرا لا بد منه”، أو ما يعتقدونه من أن الرشوة وسيلة “فعالة” لتسريع المعاملات.

وأشار إلى أن الفساد في القطاع الخاص إشكال بنيوي يمس منظومة القيم والمعاملات الاقتصادية ككل، ويتجاوز منطق “الـرشوة التي تقدم لموظف عمومي”، إلى شبكة من الممارسات غير الأخلاقية التي تمتد إلى تضارب المصالح، وإلى استغلال مواقع النفوذ الاقتصادي والامتيازات، والتسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وإلى وضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية.

أكد رئيس الهيئة أن “النزاهة في القطاع الخاص هي “بنية اقتصادية جديدة” يجب هندستها في صميم أنشطة المقاولة، فالمطلوب ليس فقط معاقبة الفساد بعد وقوعه، بل منع الشروط التي تسمح بحدوثه”، على حد قوله.

وقدم بنعليلو خمس ركائز مترابطة اعتبرها أساسا لهذه الهندسة، بداية بـ”بناء إطار معياري وطني للامتثال المقاولاتي ضد الفساد في القطاع الخاص، مستوحى من المعايير الدولية ويراعي الخصوصيات الاقتصادية الوطنية ويضمن التناسب بين حجم المقاولة وكلفة الامتثال، وجعله أداة تشغيلية توفر للمقاولات دلائل عملية لإدارة مخاطر الفساد،وآليات آمنة للتبليغ،مع الحرص على جعل الامتثال ممارسة بنيوية في القطاع الخاص، لا مجرد استجابة ظرفية للضغوط التنظيمية أو التمويلية”.

كما دعا لجعل النزاهة ميزة تنافسية في السوق باعتبار أن التحفيز الإيجابي أكثر استدامة من الردع وحده. واقترح، في هذا السياق، التفكير في تجربة منح شهادة “المقاولة النزيهة” للمؤسسات الملتزمة بأنظمة الامتثال، وإعطائها”نقط أفضلية” في التعاقد العمومي أوفي التمويلات البنكية أو العمومية، أوفي الولوج إلى الصفقات العمومية …إلخ، معتبرا أن من شأن ذلك أن يحول النزاهة من شعار أخلاقي إلى “رأسمال لا مادي”يساهم في الرفع من قيمة المقاولة في السوق.

وأكد أهمية تفعيل الحكامة الوقائية والتقاطع المؤسساتي: من خلال التنسيق بين الهيئات الرقابية والمالية والضريبية للكشف المبكر عن أنماط الفساد في القطاع الخاص، عبر أنظمة لتبادل المعلومات بينهيئات مكافحة الفسادوبين مجالس المنافسة والمجالس العليا للرقابة المالية والسلطات الجبائية، لرصد مؤشرات مخاطر الفساد في سلاسل المعاملات، وضمان إحالة فورية وفعالة للحالات المشبوهة.

وطالب بنعليلو بمأسسة الحوار بين القطاعين العام والخاص في موضوع النزاهة: عبرمنصة وطنية دائمة للحوار بين القطاعين حول النزاهة في الأعمال، وفق ميثاق واضح يحدد الالتزامات المتبادلة، لتحويل مكافحة الفساد من مقاربة رقابية إلى “شراكة اقتصادية في الإصلاح”، تسهم فيها مؤسسات الدولة بالمواكبة، والمقاولات بالالتزام، والمجتمع بالمساءلة.

وشدد على ضرورة ربط النزاهة الاقتصادية بالشفافية المالية واسترداد الأموال المهربة: من خلال تعزيز التنسيق المؤسساتي مع الجهات المعنيةلضمان التتبع المالي للممارسات المشبوهة، وتطوير آليات العناية الواجبة في العلاقات التجارية، وسلاسل التوريد، والكلبهدفتحويل القطاع الخاص، من مصدر محتمل للمخاطر، إلى شريك في منع تهريب الأموال المنهوبة، ورصد التدفقات المشبوهة، والمساهمة في ترسيخ نظام مالي نزيه يدعم الاقتصاد المنتج.

واعتبر أن “الرهان الذي يواجهه المؤتمرون اليوم ليس فقط في كيفية تخفيض مؤشرات الفساد، بل في إحداث تحول في الفلسفة التي يدار بها الاقتصاد، من خلال ما أسماه “فلسفة النزاهة الاقتصادية”، مشيرا إلى “أنه “إذا كانت بعض الدول قد حققت إقلاعا اقتصاديا بفضل مواردها، فإن الدول التي حققت استدامة نجاحها هي تلك التي استثمرت في الرأسمال المؤسسي للنزاهة، لأن الاقتصاد الذي يقوم على الثقة لا يعرف الهشاشة، وأن المقاولة التي تستثمر في الامتثال تضمن لنفسها مستقبلا أطول وعائدا ربحيا أعلى”.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا