في ستة مجلدات، صدر تحقيق لأحد أثرى موسوعات المذهب المالكي “ترتيب المدارك وتقريب المسالك” للفقيه والمؤرخ القاضي عياض، أحد أبرز الشخصيات العلمية المغربية عبر تاريخ الإسلام، وليد سبتة قبل احتلالها ودفين مراكش.
نهض بهذا التحقيق الأستاذ الباحث محمد بوطربوش، الرئيس السابق للمجلس العلمي بسلا، وصدر حديثا عن دار البر بالإمارات العربية المتحدة، وهو من أبرز جديد الإسهامات المغربية بمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته 44.
يقول المحقق إن مرجع صاحب كتاب “الشفا” هذا يشكّل “رصيدا ثريا للمذهب المالكي”، وكان “المعوَّل عليه في طبقات المالكية، وصار مَعينا لمن جاء بعده من المصنفين الذين أكثروا النقول والاقتباس منه واعتمدوه، وساروا سيره في التعريف بالأعيان الذين جاؤوا بعد القاضي عياض”، علما أن أهمية “كتُب التراجم والطبقات” تكمن في تسجيلها “بصدق أحوال المجتمعات” وتقريبها “الدارس من الأحداث، والوقائع، وسير الأعلام الذين أفنوا أعمارهم في خدمة كتاب الله العظيم، وسنة نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم، وصرفوا جهدهم في الدفاع عن الدين، ونفوا عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”.
ويتابع محمد بوطربوش كاتبا: “لعلّ من له فضل السبق في الاعتناء بأعلام مالك، القاضي عياض الذي طار ذكره في الشرق والغرب، وبلغ في الآفاق صيته، حتى تواتر قول الناس: ‘لولا عياضٌ ما عرف المغرب’؛ وذلك لكثرة تواليفه المفيدة، وتصانيفه الجليلة التي سارت بذكرها الركبان، وأهمها كتابه (ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعيان مذهب مالك)”، المحقّق والصادر حديثا.
ويواصل المحقّق مبينا أن هذا الكتاب “أجود ما أبدعه القاضي عياض، وأضخم موسوعة على الإطلاق في طبقات علماء المالكية، صدّره بترجمة الإمام مالك ومذهبه، وذكر تلاميذه في مختلف الأمصار الإسلامية، ورواة كتابه الحافل ‘الموطأ’، ومن بعدهم إلى طبقة شيوخه، بداية بأعلام المدينة المنورة، ثم العراق، والمشرق عموما، مرورا بمصر، فإفريقية، والأندلس، والمغرب الأقصى”.
وحول مقصد التحقيق، كتب بوطربوش أن ‘ترتيب المدارك’ كان في حاجة إلى حلّة جديدة، لذا “استنفد فيها الجهد، في تتبع النسخ الخطية والمقابلة بينها، والتعليق والتصحيح، والجمع والتوثيق”، مع تعريجه على “طبعات الكتاب، وما فيها من عوار تمثل في كثرة السقط لعشرات التراجم، وتحريف لأغلب أسماء الأعلام والأماكن والبلدان، وتصحيف للألفاظ والجمل والفقرات”.
وفضلا عن التحقيق الصادر في ستة أجزاء، يضم الكتاب سيرة القاضي عياض، وشيوخه، وبعض تلامذته، وما قاله العلماء فيه، وتنقلاته بالمغرب والأندلس، وعصره فكريا وسياسيا، ومواقفه، كما يقدّم مخطوطات “ترتيب المدارك”، وحضور نصّه عند الدارسين المعاصرين، وطبعات الكتاب، وما كتب حوله، مع وقوف عند منهج قاضي سبتة وغرناطة في الكتابة وما أورده في موسوعته الأبرز في طبقات أعيان “المذهب المالكي”، الصادرة قبل ما يناهز 900 سنة.
المصدر:
هسبريس