في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
على بُعد حوالي أربعين كيلومتراً من مدينة مراكش، وبالضبط في جماعة سيدي بدهاز التابعة لإقليم الحوز، تمتدّ مزرعة الزيتون كجوهرة خضراء، شاهدة على روح العمل والعناية التي أضفتها مبادرة “المثمر”.
وبين صفوف الأشجار الممتدة على مدّ البصر، يسير الفلاحون بخطوات هادئة، يلمسون الأوراق ويفحصون الثمار، فيما يشرح لهم التقنيون خطوات العناية بالأشجار بدقة وعناية.
تحاليل التربة كانت البداية، واختيار الأسمدة تم بعناية علمية متناهية، وكل مرحلة من التقليم والتسميد والجني ترافقها نصائح عملية وتوجيه مباشر. الورشات التدريبية لم تكن مجرد دروس نظرية، بل فرص للفلاحين لتطبيق الطرق العلمية عملياً، ومتابعة النتائج بأنفسهم، مما جعل التعلم تجربة حقيقية يعيشونها على الأرض، خطوة بخطوة، موسم بعد موسم بفضل برنامج “المثمر”.
عبد المنعم، أحد الفلاحين في الضيعة، يصف التحول الذي عاشه منذ انخراطه في البرنامج: “قبل برنامج ‘المثمر’ كنا نعمل بلا خطة واضحة، كنا نزرع بطريقة عشوائية وننتظر النتائج. اليوم، كل خطوة محسوبة، ونعرف كيف نعتني بالأشجار بطريقة علمية ترفع جودة الإنتاج”، يقول وهو يلتقط إحدى الثمار بين أصابعه، ويتفقد نضجها بعينين لامعتين بالفخر.
ويضيف ياسين الشرقاوي، مسير الضيعة، موضحاً أثر الممارسات الجديدة على الإنتاج: “كل خطوة من عملية الإنتاج، من التقليم إلى الجني، كانت مدروسة بعناية. المردودية سابقاً كانت لا تتجاوز 12 طن للقنطار، أما اليوم فقد ارتفعت لتصل إلى 15 طن للقنطار، ما يعني الحصول على زيت بكمية أكبر ونوعية أفضل”، ويطمح للمزيد.
في ظل شجرة زيتون، يشرح المنسق عمر الجنياني لنا سر نجاح البرنامج: “الفلاح لا يقتنع بالكلام وحده، بل يحتاج إلى متابعة عملية تمكنه من التطبيق المستمر والحصول على نتائج ملموسة ومستدامة. كل مرحلة من مراحل الإنتاج ترافقها المتابعة والتوجيه، ليتمكن الفلاح من رؤية الفرق بنفسه بين الأساليب التقليدية والممارسات العلمية”.
وسط الحقل، ينهك الفلاحون في جني المحصول بأيدٍ مفعمة بالحيوية والخبرة، تلتقط الزيتون الناضج برفق، وتعلو ضحكاتهم الممزوجة بحماس العمل وفرحة الحصاد. من بعيد، يقف عبد المنعم يراقب ثمار جهوده، يتأكد من مدى نضج الزيتون، ويطمئن إلى جودة الإنتاج، مؤكداً أن برنامج “المثمر” لم يكن مجرد مشروع زراعي، بل نقطة تحول جمعت المزارعين تحت راية التطور والابتكار.
قرب صناديق ممتلئة بحبات الزيتون المثمرة، تحدث المهندس الزراعي أيمن الزيواني، ممثل مبادرة “المثمر” بإقليم الحوز، مؤكداً ارتفاع إنتاجية الزيتون بالمنصات التطبيقية التابعة للمبادرة بنسبة 20% مقارنة بالطرق التقليدية.
وأضاف: “نهدف إلى نشر ممارسات زراعية سليمة وعقلانية تعتمد على البحث العلمي، مع إنشاء منصات تطبيقية لتعليم الفلاحين الفرق بين الطرق التقليدية والممارسات العلمية، من التقليم والتسميد إلى مكافحة الحشرات والأمراض بأساليب صديقة للبيئة”.
ونحن نتجول بين صفوف الزيتون، تلاحظ الفلاحين وهم يعملون جنباً إلى جنب، يتبادلون الخبرات والنصائح بحماس. النقاشات بينهم لم تعد مجرد كلام عابر، بل تحوّلت إلى حوارات غنية بالتقنيات الزراعية الدقيقة والممارسات العلمية، من التقليم والتسميد إلى الري ومكافحة الآفات.
كل فلاح يشارك ما تعلمه وما لاحظه من نتائج عملية، مما يجعل كل نقاش فرصة للتعلم المشترك وتطوير أساليب العمل، ويعكس كيف غيّر برنامج “المثمر” طريقة تفكيرهم وأساليبهم في الإنتاج.
برنامج “المثمر” ركز أيضاً على الجانب البيئي، مشجعاً الفلاحين على ترشيد استعمال المياه والأسمدة، واعتماد تقنيات تحافظ على خصوبة التربة وتقلل التأثير على المحيط الطبيعي.
الفلاحون أصبحوا أكثر وعياً بأهمية العمل المنظم والممارسات العلمية، حيث صاروا يتعاملون مع الأرض بمعرفة دقيقة بكل مرحلة من مراحل الإنتاج، من التحليل إلى الجني، ما خلق لديهم روح التحدي والرغبة في التطور، وعدم الاكتفاء بالنتائج الآنية، بل السعي لإنتاج مستدام يضمن مستقبلاً أفضل لأراضيهم.
النجاح الذي شهده فلاحو سيدي بدهاز يعكس قدرة البرامج العلمية المنهجية على تحويل الممارسات التقليدية إلى إنتاجية عالية، مع الحفاظ على التوازن البيئي وتعزيز وعي الفلاحين بأهمية استدامة الموارد الطبيعية.
وبينما تشرق الشمس على صفوف الزيتون الممتدة، يبدو المستقبل واعداً، ليس فقط بالزيتون والثمار، بل بالمعرفة والخبرة التي سيحملها الفلاحون معهم، جيل بعد جيل.
وتجدر الإشارة إلى أن مبادرة “المثمر” ليست تجربة جديدة؛ فقد أطلقتها مجموعة OCP سنة 2018 كمشروع وطني يرافق الفلاحين في مناطق مختلفة من المملكة، من بينها أقاليم العرائش، سيدي قاسم، وزان، شفشاون، وطنجة أصيلة.
وتشمل المبادرة أيضاً محاصيل أخرى مثل التفاح والخضر، حيث توفر للمنتجين إرشادات عملية مبنية على أسس علمية، مع منصات تطبيقية تمكنهم من متابعة كل خطوة من مراحل الإنتاج وتحسين جودة المحصول واستدامته.
برنامج “المثمر” أكد أيضا، كيف يمكن للمواكبة العلمية والعمل المنظم أن يُحدث فرقاً كبيراً في الإنتاجية والجودة، ويحوّل الممارسات العشوائية إلى أساليب مدروسة ومستدامة. التجربة تؤكد أن مثل هذه البرامج يجب أن تتكرر في مختلف المجالات الإنتاجية، خصوصاً وأن الفلاحة تعتبر قطاعاً أساسياً في المغرب.
المصدر:
العمق