شدد رئيس مجلس المنافسة أحمد رحو على أن الرقمنة لم تعد خيارا رفاهيا، بل واقعا يفرض نفسه ويعيد تشكيل قواعد السوق، مبرزا أن الفاعلين الجدد في الاقتصاد الرقمي يمتلكون طبيعة هجينة تجعلهم ينافسون المقاولات الكلاسيكية بوسائل جديدة، ويستحوذون على حصص مهمة من السوق والموارد، ما يثير مخاوف حقيقية بشأن احترام مبادئ المنافسة الشريفة خصوصا عندما يتعلق الأمر بمنصات أجنبية تستثمر في السوق المحلية.
وأكد رحو في افتتاح الندوة الدولية حول موضوع “المنصات الرقمية: تطور المهن والتحديات التنافسية”، التي ينظمها المجلس اليوم الأربعاء 5 نونبر 2025 بمراكش، المنصات الرقمية تطرح تحديات كبيرة للاقتصاد الوطني، لاسيما مع دخول فاعلين دوليين يشتغلون بأساليب رقمية معقدة تجذب الزبائن وتتحكم في المسارات التجارية بخوارزميات لا تُرى.
وأشار إلى أن الإطار القانوني الحالي ما يزال محدودا مقارنة بسرعة تطور الأنشطة، وأن “الآليات الكلاسيكية لم تعد كافية”، بما يستدعي مراجعة المنظومة القانونية وتطوير أدوات تدخل أكثر قدرة على الاستباق.
وسجل المتحدث وجود نماذج مختلفة عبر العالم، حيث اتجهت دول نحو تنظيم صارم للمنافسة الرقمية، في حين اعتمدت الولايات المتحدة على نهج السوق الحرة دون تدخل كبير. وسجل أن هذا التنوع يفرض على المغرب تبني مقاربة مرنة ومتوازنة، تتجنب تعطيل الابتكار وفي الوقت نفسه تحمي حقوق جميع الفاعلين.
وشدد رئيس مجلس المنافسة على أهمية ضبط توقيت التدخل وتنظيم السوق دون خنق المبادرات الاستثمارية، مبرزا أن مجلس المنافسة يتوفر على آليات ذات بعد ردعي، لكنها لا تهدف إلى القضاء على الفاعلين الاقتصاديين، بل إلى ضمان بيئة تضمن استدامة المقاولات وتكافؤ الفرص.
وأكد أن المغرب، كاقتصاد صاعد، بحاجة إلى رقمنة واسعة للأنشطة الاقتصادية، مع ضرورة يقظة مؤسساتية لمنع تضارب المصالح ومنع توظيف الخوارزميات لضرب المنافسة أو التلاعب بالسوق، معتبرا أن الحفاظ على حرية المبادرة يظل أساسيا، لكنه مشروط بضمان عدم تحول الفاعلين الرقميين إلى قوة مهيمنة تطغى على السوق وتضر المقاولات الوطنية.
وختم بالقول إن التحدي اليوم هو تحقيق توازن صعب: تشجيع الابتكار وفتح المجال أمام المبادرات الواعدة، دون السماح لـ”خوارزميات بلا ضمير” بالتحكم في الاقتصاد وتقويض قواعد المنافسة التي تُعد شرطا لأي اقتصاد عادل ومستدام.
ويذكر أن الندوة الدولية عرفت مشاركة ممثلين عن هيئات الحكامة، لمؤسسات والمنظمات الوطنية والدولية والإقليمية، بالإضافة إلى الجهات الاجتماعية والاقتصادية المعنية بالقضايا التي يثيرها النهوض بالمنصات الرقمية، بالإضافة إلى خبراء ومتخصصين في القضايا ذات الصلة.
وحسب بلاغ سابق لمجلس المنافسة، فإن اختيار الموضوع يأتي في وقت تلعب فيه المنصات الرقمية دورا أساسيا في تحديد أساليب الإنتاج، والتوزيع والوساطة، والاستهلاك، ووسائل الأداء. كما تثير إشكاليات غير مسبوقة على مستوى تنظيم المنافسة وتحويل المهن وما يصاحبها من آثار اجتماعية.
وستسلط الندوة المستمرة طوال اليوم الأربعاء، الضوء على التقدم المحرز والتحديات المطروحة في هذا المجال الاستراتيجي وذلك من خلال مختلف المحاور المطروحة للنقاش. وسيكون هذا الحدث أيضاً فرصة لتقاسم الممارسات الفضلى، بما يساهم في بلورة حكامة اقتصادية منسجمة مع مصالح المواطنين، والمقاولات، والدول
أوضح رئيس المجلس أن هذا اللقاء يهدف إلى خلق محتوى موجه للسوقين الإفريقية والعربية، وتبادل التجارب والتشخيصات حول ما يجري في هذه المنطقة من العالم، حيث أصبح تنظيم المنافسة الرقمية مسألة راهنية عالمية لا يمكن التهرب منها.
المصدر:
العمق