قال فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف المغربي من أجل اللغة العربية، إن “المعجم قضية سياسية”، وغايته الأساسية هي “الغاية التعليمية، ولو تعددت الأهداف”؛ فـ”صناعة المعاجم جزء رئيس من مسار التخطيط اللغوي، وسماه أحد اللسانيين الفرنسيين تواطؤَ المعاجم مع سلطة الدولة، كما في حالة توحيد اللغة الفرنسية بأكاديميات أنشأتها الدولة وحمتها، وكان المعجم وسيلة رئيسة لتوحيد اللغة الفرنسية، واستعمالها حصرا في القانون”.
جاء هذا في نقاش، الجمعة، ضمن فعاليات الصالون الثقافي لمكتب تنسيق التعريب بالرباط، بعنوان “الصناعة المعجمية وأثرها في التخطيط اللغوي”، ذكر فيه بوعلي أن دافع العرب من المعجم “كان دائما هو الحفاظ على اللغة العربية من الضياع وحماية النص الديني، ووضع العرب للمعاجم والصناعة المعجمية كان من أجل محاربة اللحن والحفاظ على فصاحة العربية”.
وتابع: “المعجم وسيلة من وسائل تعلم اللغة العربية تعلما سليما، وسبيل من سبل حماية الفصحى، وخاصة في الأطوار الأولى من التعلم والتعليم، لامتلاك الرصيد اللغوي الوظيفي الذي يسمح بالتنمية الإنتاجية اللغوية، والإلمام بالمصطلحات العلمية التي تتيحها المعاجم، وخاصة المتخصصة، بما يحقق التنمية البشرية، وتطوير المعرفة؛ فالتنمية الحقيقية تنمية لغوية، والأمم المتطورة تعتز بلغتها أيما اعتزاز ولا تعصب ولا جمود في هذا، بل حفاظ على اللغة بسن القوانين، وضبط المجال المصطلحي واللفظي والعبارات التي ينبغي استعمالها بتنقيتها من الشوائب والاقتراض”.
وذكر بوعلي أن الاختيار اللغوي داخل المجتمعات ليس اختيارا عرضيا، لتنازع اللهجات داخل الفضاء المجتمعي، بل هو جزء أساسي من سياسة لغوية يختارها الإنسان، والكلام في حد ذاته سلطة، والاختيارات الرسمية للدولة من الألفبائية إلى التعليم والإعلام، ونقل المفردات وتداولها، جزء من الرؤية الاستراتيجية للسؤال اللغوي، قبل أن يردف: “الصناعة المعجمية قضية سياسية تدبيرية، ولا يمكن بلوغ غايات التخطيط اللغوي من دون صناعة معجمية”، في إطار “تخطيط لغوي”، هو “التداول الإجرائي للسياسة اللغوية، وهو عمل منهجي ينظم الجهود من أجل إحداث تغيير في الوضع اللغوي”، لكنه لا ينبغي أن يتوقف عند إعلان النوايا، بل يتم عبر “إقرار ترسانة مرتبطة بالفعل الملموس”.
الأكاديمية فاطمة حسيني ذكرت من جهتها أن “الصناعة المعجمية” لا تنفصل عن “التخطيط اللغوي”، لأسباب أهمها أن الصناعة المعجمية قضية سياسية تدبيرية ترتبط بالمجال السياسي، وبالتخطيط اللغوي في هذا المجال؛ لأن “التخطيط اللغوي لا يمكن أن يستقيم بدون سياسة لغوية عملية ومنهجية ومنظمة بتصور واضح للتدبير اللغوي في أي بلد من البلدان، وهذا الجانب يجعلنا نقف عند تعقيد السياسة اللغوية، فليست مجرد علاقة بين طرفين أو أطراف متعددة، بل هي معقدة ومتداخلة بين ما هو سياسي وما هو لغوي في تدبير المجالات اللغوية في دولة من الدول”.
وارتبطت الصناعة المعجمية بالعربية، وفق المتدخلة، بـ”دافع لغوي أساسي هو الحفاظ على العربية والارتقاء بها وصيانة النص الديني وحفظ التراث، وغيرها من الأسس”، مع وجود “تطور دخول التقنيات والرقمنة في هذه الصناعة، دون أن يؤثر هذا على التصور الناظم لهذه الصناعة المعجمية العربية باعتبار الأهداف والمنطلقات”.
هذه المنطلقات، تضيف حسيني، هي “الحفاظ على الفصاحة اللغوية، أمام اللحن الذي عرفته البلاد العربية، ويمس عبر الافتراس اللغوي الذي يقتحم مجالها التداولي من طرف اللغات الأجنبية ومن طرف اللهجات، مما عرقل مسار تطورها”.
هنا تبرز “وظيفة الصناعة المعجمية في المجال التعليمي”، في ظل “الصعوبات والعراقيل التي تحول دون الوصول إلى مستوى نجده عند دول متقدمة” في الصناعة المعجمية، وأثرها في التعليم؛ لأن “الاهتمام بالصناعة المعجمية دليل على الاهتمام بالمعجم، والحاجة إليه لخدمة اللغة العربية من جهة، وتطويرها من جهة ثانية، وتدبير مجال استعمال اللغة”.
وشدّدت المتدخلة على أن “ربط الصناعة المعجمية بالتعليم والتعلّم مسألة أساسية؛ لأننا نكوّن من خلال المعجم الموجه حسب احتياجات المتعلم، أو الطالب أو الباحث، لخدمة هذا التدبير اللغوي بمجالات مختلفة، فتكون الصناعة المعجمية أساس بناء الكفايات المعجمية لدى التلميذ والطالب”، وبالتالي فـ”وجود المعجم والرصيد لا يعني نهاية الأمر، وتعليم الطالب مفردات وكلمات غير كاف، بل ينبغي الانتقال إلى شق أهم هو كيفية توظيف المعجم والانتقال من المرادفات وشرح الكلمات، إلى وظيفيّتها في الحياة والأغراض المختلفة”.
وتشبثت حسيني بالحاجة إلى “تصور موحد ناظم للسياسة اللغوية؛ لتكون له نتائج مهمة في توحيد المصطلحات وتوجيهها في خدمة المعرفة والتنمية اللغوية، المرتبطة ارتباطا وثيقا بدعم البحث اللغوي العلمي الأكاديمي الذي يقف عند إشكالات تطور الصناعة المعجمية وعدم ارتباطها بالتداول اللغوي”.
المصدر:
هسبريس