كشف وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن تفاصيل دبلوماسية حاسمة وغير مسبوقة، مؤكدا أن التدخل الشخصي والمباشر للملك محمد السادس كان العامل الحاسم في ضمان أغلبية مريحة لصالح القرار الأممي الأخير حول الصحراء المغربية.
وفي حوار خاص على القناة الثانية، مساء السبت فاتح نونبر 2025، أزاح بوريطة الستار عن كواليس المعركة الدبلوماسية الشرسة التي سبقت جلسة التصويت في مجلس الأمن، والتي تُوجت بنجاح مغربي بارز، قائلا إن اعتماد مجلس الأمن الدولي للقرار 2797 الداعم لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية تم بفضل تدخل شخصي ومباشر من الملك محمد السادس في اللحظات الحاسمة من عملية التصويت.
وأوضح بوريطة، أن حشد الأصوات داخل مجلس الأمن لم يكن مهمة سهلة بسبب التركيبة الصعبة للمجلس، التي تضم طرفا في النزاع، في إشارة إلى الجزائر، مشيرا إلى أن عدد الأصوات المؤيدة في مرحلة متأخرة من المفاوضات لم يتجاوز ستة أصوات، في حين يتطلب تمرير القرار تسعة أصوات على الأقل.
وكشف الوزير أن الملك تدخل شخصيا وتواصل بشكل مباشر مع قادة عدد من الدول الأعضاء لضمان دعمهم، ما أسفر عن رفع عدد الأصوات المؤيدة إلى أحد عشر صوتا، دون أي صوت معارض، وهو ما وصفه بالانتصار الدبلوماسي الواضح للمغرب.
وأكد بوريطة أن القرار 2797 يمثل ثمرة مسار طويل من العمل قاده الملك محمد السادس على مدى ستة وعشرين عاما، منذ دعوته سنة 1999 إلى تبني مقاربة جديدة في معالجة قضية الصحراء، مبرزا أن القرار يشكل قطيعة مع القرارات السابقة لأنه يجعل مبادرة الحكم الذاتي المرجع والنتيجة المتوقعة لأي مفاوضات مستقبلية، ويؤكد أن الحل الوحيد هو حكم ذاتي حقيقي تحت السيادة المغربية.
وشدد الوزير على أن المغرب لا يعتبر القرار انتصارا على طرف آخر، بل اعترافا بحق مشروع في إطار الشرعية الدولية، مشيرا إلى أن الملك جدد دعوته إلى حوار صريح ومسؤول مع الجزائر من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي يحفظ ماء وجه الجميع ويفتح آفاقا جديدة للتعاون والاندماج المغاربي.
مجلس الأمن يتخلى عن لغة “الصواب”
وأبرز ناصر بوريطة، أن القرار 2797 الصادر عن مجلس الأمن الدولي حول الصحراء المغربية تميز بتحول نوعي في لغته ومضامينه، إذ انتقل من عبارات المجاملة إلى لغة توجيهية حازمة تعكس قناعة المجتمع الدولي بمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد ونهائي للنزاع.
وأوضح أن هذا القرار يمثل قطيعة مع “لغة الصواب” التي كانت تطغى على قرارات المجلس السابقة، حيث كانت تعتمد عبارات من قبيل “نأخذ علما” أو “نحيي جهود المغرب”، بينما أصبحت اليوم تستعمل ألفاظا تعبر عن الإقرار والإلزام مثل “يؤكد” و”يسلم” و”يهيب”، وهو ما يعكس تغييرا جوهريا في منهجية التعامل الأممي مع الملف.
وأشار الوزير إلى أن هذا التحول في الصياغة ليس مجرد تعديل لغوي، بل يعكس اقتناعا راسخا لدى القوى الكبرى بجدية المقاربة المغربية، موضحا أن استعمال مصطلحات مثل “يؤكد أن الحكم الذاتي هو الحل” أو “يسلم بأن الحكم الذاتي الحقيقي يمكن أن يكون الحل”، يعني أن مجلس الأمن لم يعد يتعامل مع المبادرة المغربية كاقتراح من بين مقترحات، بل كمرجعية أساسية للمفاوضات المقبلة.
وأضاف بوريطة أن القرار الجديد وجه الأطراف بوضوح نحو مسار سياسي قائم على الحكم الذاتي، بعدما دعاها المجلس إلى الانخراط في مفاوضات “على أساس المقترح المغربي”، معتبرا أن هذه اللغة الملزمة شكلت نقلة دبلوماسية تعزز الموقف المغربي وتحد من محاولات الالتفاف على المبادرة.
وأوضح الوزير أن هذا التطور انعكس أيضا على تحديد المرجعيات الكبرى، حيث أصبح الحكم الذاتي هو منطلق التفاوض ونقطة الوصول في آن واحد، كما تم تقليص دور بعثة المينورسو ليقتصر على الدعم اللوجستي للمبعوث الشخصي للأمين العام، في إشارة واضحة إلى تجاوز خيار الاستفتاء بشكل نهائي.
الحكم الذاتي لا يتناقض مع تقرير المصير
إلى ذلك، نفى بوريطة وجود أي تناقض بين اعتراف مجلس الأمن الدولي بمبادرة الحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء، وبين استعماله لمصطلح تقرير المصير في القرار الأخير رقم 2797، موضحا أن ما يصفه البعض بالتناقض هو في الحقيقة نتيجة لعدم فهم دقيق لمفهوم تقرير المصير في القانون الدولي الحديث، مبرزا أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يمثل الشكل الأرقى والأكثر تطورا لممارسة هذا المبدأ.
وأكد الوزير أن تقرير المصير لم يعد يعني بالضرورة إجراء استفتاء يؤدي إلى الانفصال، مشيرا إلى أن المغرب لا يعاني أي عقدة تجاه هذا المبدأ، بل كان من الدول التي دافعت عنه لصالح شعوب عديدة في الماضي، لكنه شدد في المقابل على ضرورة عدم استعماله كذريعة لعرقلة الحل السياسي بعد مرور نصف قرن على النزاع.
وأشار بوريطة إلى أن مجلس الأمن هو المرجعية الأساسية والوحيدة في هذا الملف، وأن قراراته تمثل التعبير الأسمى عن الشرعية الدولية، موضحا أن المجلس لم يعتبر يوما أن تقرير المصير يعني الاستفتاء، بل أكد أن الحكم الذاتي هو الحل الواقعي والدائم الذي يحظى بدعم المجتمع الدولي.
وشدد الوزير على أن هذا الوضوح يضع حدا لأي تأويلات مغلوطة أو محاولات لاستخدام المفاهيم القانونية لتأخير الحل، مؤكدا أن المغرب ماض بثقة في تنفيذ الرؤية الملكية التي تجعل من مبادرة الحكم الذاتي الإطار الوحيد للتسوية النهائية للنزاع.
كواليس الامتناع الروسي والصيني
في سياق متصل، كشف ناصر بوريطة عن خلفيات امتناع روسيا والصين عن التصويت على القرار 2797 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي جدد دعمه لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، مبرزا أن هذا الامتناع لا يعكس اعتراضا على مضمون القرار أو على المقاربة المغربية، بل يرتبط بخلافات بين موسكو وبكين من جهة، والدولة التي قدمت مشروع القرار من جهة أخرى، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال الوزير إن الموقف الروسي جاء نتيجة تحفظات على ما يسمى داخل مجلس الأمن بـ”حامل القلم”، موضحا أن روسيا، رغم امتناعها، اتخذت قرارها مع مراعاة مكانة الملك محمد السادس والعلاقات الاستراتيجية القائمة بين البلدين منذ زيارة الملك إلى موسكو سنة 2016، مضيفا أن موسكو قدّرت الموقف المغربي المتوازن من عدد من القضايا الدولية، وهو ما جعلها تنأى عن التصويت ضد القرار.
أما بالنسبة للصين، فأشار بوريطة إلى أن امتناعها يندرج في سياق التجاذبات القائمة بين القوى الكبرى داخل مجلس الأمن، ولا يعبر عن رفض لموقف المغرب أو لمضمون القرار، مؤكدا أن الموقف الصيني يبقى منسجما مع مقاربتها العامة في الملفات ذات الطابع الجيوسياسي، مشددا على أن الأهم في القرار 2797 هو حصوله على تأييد أحد عشر صوتا كاملا دون أي صوت معارض، معتبرا أن ذلك يمثل انتصارا دبلوماسيا واضحا للمغرب، مؤكدا أن الامتناع عن التصويت لا يساوي الرفض، بل هو موقف محايد يختلف جذريا عن المعارضة الصريحة.
وأشار الوزير أيضا إلى أن امتناع باكستان جاء لأسباب مرتبطة بخلفيتها الخاصة في قضية كشمير، مبرزا أن كل دولة تنظر إلى القرارات الدولية من زاوية مصالحها الإقليمية، مشددا على أن هذا القرار التاريخي يكرس مرة أخرى مصداقية الطرح المغربي ويعزز مكانة المغرب كفاعل مسؤول وشريك موثوق داخل المنتظم الدولي.
الورقة الاقتصادية التي أقنعت واشنطن
في سياق آخر، أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن القرار 2797 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والداعم لمبادرة الحكم الذاتي لم يكن ليتحقق لولا النموذج التنموي المتقدم الذي يقوده الملك محمد السادس في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وأوضح بوريطة أن القرار الأممي جاء نتيجة لتراكم واقعي على الأرض، حيث شكلت الدينامية الاقتصادية والاجتماعية في الصحراء حجة ملموسة أقنعت القوى الكبرى بجدية ونجاعة المقاربة المغربية، مضيفا أن التنمية هي اليوم التعبير الأوضح عن الشرعية الواقعية التي عززت الموقف المغربي في المنتظم الدولي.
وأشار الوزير إلى أن مصداقية مبادرة الحكم الذاتي ارتبطت بتفعيل مشاريع تنموية كبرى تشرف عليها الساكنة المحلية وتستفيد منها بشكل مباشر، وهو ما يعكس جوهر مفهوم الحكم الذاتي كما يراه المغرب، معتبرا أن الترابط بين التنمية والاعتراف السياسي أصبح واضحا من خلال مواقف دولية متزايدة تدعم الرؤية المغربية.
واستشهد بوريطة بعدة مؤشرات حديثة، منها دعم الولايات المتحدة الأمريكية للاستثمار في الصحراء خلال زيارة نائب كاتب الدولة الأمريكي في سبتمبر الماضي، وتوقيع الاتحاد الأوروبي اتفاق الفلاحة في الرابع من أكتوبر الذي يقر بإدماج منتجات الأقاليم الجنوبية في السوق الأوروبية، إضافة إلى توقيع اتفاق الصيد البحري مع روسيا في السابع عشر من أكتوبر، وتنظيم المنتدى الاقتصادي الفرنسي المغربي في الداخلة يوم التاسع من الشهر نفسه.
وأكد الوزير أن الدول التي فتحت قنصلياتها في العيون والداخلة أو وقعت اتفاقيات اقتصادية تشمل الأقاليم الجنوبية، إنما تعترف عمليا بالسيادة المغربية وبأن المنطقة أصبحت فضاء استثماريا واعدا وقاطرة للتنمية الإفريقية، مضيفا أن المشاريع الكبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي والمبادرات الملكية لربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي تجسد رؤية الملك لجعل الصحراء بوابة للتعاون جنوب-جنوب ونموذجا للتنمية المستدامة في القارة.
المصدر:
العمق