يحذر علماء آثار وفاعلون مدنيون في مجال صيانة التراث الثقافي من وضع مواقع النقوش الصخرية والقبور الجنائزية، التي يعود تاريخها إلى مئات آلاف السنين بالمملكة، إذ يهدّدها الاستغلال التجاري والمنقبون عن “الكنوز المتوهمة”.
من أحدث المواقع المهددة موقع جبل بواديو بجماعة تغجيجت، التابعة لإقليم كلميم، الذي خلص تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى أنه “لم يتعرض للتخريب، لكنه يبقى مهددا”، بينما يسجل فاعلون في مجال التراث الثقافي أن منظره الطبيعي قد مسّ، رغم عدم تضرر النقوش الصخرية، ما يعني إضرارا به.
وحذر بيان مشترك، يجمع 9 جمعيات مدنية مشتغلة في مجال حماية التراث الطبيعي والأثري بتغجيجت، من “المحاولات التخريبية التي تستهدف طمس معالم الهوية التاريخية والثقافية للمنطقة، التي تعرض لها موقع بودايو وموقع تارسلت، كما تعرضت لها سابقا مواقع أخرى بتينزت، كموقع تدارت وموقع توريرت لمعدر، وموقع توريرت ألكماد، وموقع تكاديرت، وتزاكت، ومواقع أخرى بتغجيجت”، داعية وزارة الشباب والثقافة والاتصال إلى “التدخل الفوري لحماية الموقع، وتصنيفه ضمن التراث الوطني لضمان حمايته القانونية والاهتمام به، وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، وكذا صيانة المواقع التي تعرضت للتخريب سابقا”.
وشدّد البيان على أن “المسافة الفاصلة بين أقرب نقش والأشغال لا تبعد سوى بـ 4 أمتار” بموقع يضم ما “يتجاوز 100 نقش”، وهو موقع طال قبوره الجنائزية تخريب ونهب.
من جهته ذكر بيان للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بعد معاينة فريق من “اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة گلميم-واد نون”، أن “موقع النقوش الصخرية سليم ولم يتعرض لأي تخريب، رغم وجود آثار اقتلاع للصخور على حافة الجبل”، مردفا: “وفقا لذلك قامت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة گلميم-واد نون بإشعار الجهات المختصة، من سلطات محلية ومنتخبة والمديرية الجهوية للثقافة، فضلا عن التفاعل مع فعاليات المجتمع المدني المهتمة بالموضوع”.
وتشبث المجلس الوطني لحقوق الإنسان بـ”ضرورة ضمان سلامة مواقع النقوش الصخرية وحمايتها بالمغرب، حفاظًا على تراثنا الصخري الوطني باعتباره مكونًا أساسيًا من مكونات ذاكرتنا الجماعية وهويتنا الثقافية”، مع تنويهه بـ”تنامي الوعي بأهمية صيانة هذا التراث وحماية الخصوصيات المحلية بين مختلف الفاعلين المدنيين والقطاعات المعنية وهيئات المجتمع المدني”.
وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية قال عبد الهادي فك، أستاذ باحث في الأركيولوجيا بجامعة ابن زهر بأكادير، إن “موقع النقوش الصخرية المعني في حقيقة الأمر سلسلة جبلية فيها عدد من المواقع، من بينها الموقع الذي تعرض جزء منه للتخريب”.
وأضاف أستاذ علم الآثار أن العلماء والفاعلين المدنيين وثقوا عبر السنوات تعرض 56 موقعا أثريا للتخريب بكامل التراب الوطني، من أوسرد إلى الناظور، دون صدور بيان للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، قبل المبادرة الجديدة، وتابع: “حسب القانون 22.80 (المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة)، أو قانون حماية التراث الذي سيدخل التنفيذ قريبا 33.22، فإن الموقع التاريخي والأثري ليس هو الكتل الصخرية فقط بل المشهد الثقافي والطبيعي الذي يُمنع أي تحويل أو تشويه فيه؛ وبالتالي فرغم عدم تكسير اللوحات الصخرية لكن الموقع الأثري شوّه، فالنقوش ليست هي المحمية فقط، بل المشهد العام المحيط بها أيضا”.
وأردف الأستاذ الجامعي المتخصص في علم الآثار: “يتواصل مسلسل من النزيف يمس المواقع الأثرية بالمغرب. ورغم وجود النص القانوني نجد مواقع مخربة من الباحثين عن الكنوز”، مواصلا: “توجد لدينا نصوص قانونية متقدمة، لكن في النص القانوني الجديد بعض الفراغات، كما أن هناك مشكلا في حكامة تدبير التراث الأثري، ونحتاج حملات توعوية بتراث الأجداد، لصيانة معالم ما قبل التاريخ، في إطار رؤية إستراتيجية وطنية، تغيب اليوم، لحماية هذا الموروث”.
 المصدر:
        
             هسبريس
    
    
        المصدر:
        
             هسبريس