آخر الأخبار

تقرير: 60% من المغاربة يعانون من السمنة.. ونقص الفيتامينات يهدد صحة السكان - العمق المغربي

شارك

يعيش المغرب اليوم على وقع مفارقة غذائية وصحية مقلقة كشفت عنها أحدث تقارير المعهد المغربي لتحليل السياسات، في تقريره الصادر بعنوان السيادة الغذائية في المغرب 2025.

التقرير يقدم صورة شاملة عن ما وصفه بـ”العبء الصحي المزدوج”، وهو ظاهرة تجمع بين انتشار السمنة ونقص التغذية الدقيقة في الوقت نفسه، مما يعكس تحولاً عميقاً في البنية الغذائية للمجتمع المغربي خلال العقود الأخيرة.

تحولات مقلقة

وفق التقرير، فإن التحول الذي شهده النظام الغذائي المغربي خلال أقل من خمسين سنة يعد جذرياً وغير مسبوق. فبينما كان النظام الغذائي التقليدي يعتمد على منتجات محلية متوازنة مثل الحبوب والخضر وزيت الزيتون والبقوليات، أدى انفتاح الاقتصاد المغربي على الأسواق العالمية إلى تغير في العادات الغذائية واتجاه متزايد نحو استهلاك الأغذية المصنعة والمستوردة والوجبات السريعة.

ويترجم هذا التحول بالأرقام في ارتفاع متوسط استهلاك الفرد من السعرات الحرارية من حوالي 2400 سعرة في سبعينيات القرن الماضي إلى ما يقارب 3100 سعرة حرارية يومياً اليوم.

غير أن هذا الارتفاع، كما يشير التقرير، لا يعني تحسناً في جودة الغذاء، بل هو انعكاس لتزايد استهلاك الدهون المشبعة والسكريات البسيطة، على حساب الأغذية الغنية بالألياف والعناصر المغذية الضرورية لصحة الجسم.

الوجه الأول للأزمة

تزايد الاعتماد على الأغذية السريعة والغنية بالسعرات جعل المغرب يواجه اليوم معدلات مرتفعة من السمنة وزيادة الوزن، إذ يؤكد التقرير أن أكثر من 60% من المغاربة يعانون من زيادة في الوزن أو السمنة.

هذه الأرقام، المدعومة ببيانات المندوبية السامية للتخطيط ومنظمة الصحة العالمية، تضع المغرب ضمن البلدان التي تواجه “أزمة وزن” متنامية تهدد منظومتها الصحية والاجتماعية.

وتبرز الفوارق الجندرية بوضوح في هذه الظاهرة، حيث تبلغ نسبة السمنة بين النساء البالغات حوالي 35.7% مقابل 22.6% لدى الرجال. هذا التفاوت، بحسب التقرير، يرتبط بعوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية، منها ضعف الوعي الغذائي لدى بعض الفئات النسائية، وتراجع النشاط البدني، وتأثير الإعلانات التجارية التي تروج لأنماط استهلاك غير صحية.

كما يحذر التقرير من انعكاسات هذه الظاهرة على الصحة العامة، إذ ترتبط السمنة بشكل مباشر بانتشار الأمراض المزمنة غير المعدية، مثل داء السكري وأمراض القلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم. هذه الأمراض أصبحت تستنزف جزءاً كبيراً من ميزانية قطاع الصحة، وتشكل عبئاً اقتصادياً واجتماعياً متزايداً على الدولة.

نقص التغذية الدقيقة

في المقابل، يسلط التقرير الضوء على الوجه الآخر للأزمة الغذائية في المغرب، والمتمثل في نقص المغذيات الدقيقة، أي الفيتامينات والمعادن الأساسية التي يحتاجها الجسم للنمو السليم والوظائف الحيوية. هذه المشكلة تطال أساساً الفئات الأكثر هشاشة من النساء والأطفال وسكان المناطق القروية.

وتشير المعطيات إلى أن فقر الدم (الأنيميا) يصيب نحو 29.9% من النساء في سن الإنجاب، وهو ما يعكس نقصاً حاداً في الحديد والعناصر الضرورية للصحة الإنجابية. كما تظهر مؤشرات مقلقة لدى الأطفال دون سن الخامسة، حيث يعاني 15.1% من التقزم الناتج عن سوء التغذية المزمن، فيما يسجل معدل هزال يبلغ 2.6%.

ويعزو التقرير هذه الأوضاع إلى تدهور جودة النظام الغذائي بسبب الاعتماد المفرط على الأغذية الفقيرة بالمغذيات، وضعف الولوج إلى أغذية طازجة ومتنوعة في المناطق الهشة، إلى جانب محدودية البرامج العمومية الموجهة لتحسين الأمن الغذائي والتغذية المتوازنة.

يرى معدو التقرير أن المشكلة الأساسية لا تكمن في كمية الغذاء المتاحة، بل في نوعيته، إذ أن الزيادة في السعرات لا ترافقها بالضرورة زيادة في القيمة الغذائية. فالنظام الغذائي المغربي، كما هو قائم اليوم، بات يفتقر إلى التوازن اللازم الذي يضمن النمو السليم للأطفال والحفاظ على صحة البالغين.

وتحذر الدراسة من أن استمرار هذا الوضع من شأنه أن يهدد رأس المال البشري للمملكة على المدى الطويل، من خلال تراجع الإنتاجية وارتفاع معدلات الأمراض المزمنة، فضلاً عن العبء المالي الذي تفرضه تكاليف العلاج والرعاية الصحية.

الرهان على السيادة الغذائية

في تشخيصه لجذور المشكلة، يشير التقرير إلى أن السياسات العمومية ركزت خلال العقود الماضية على تعزيز الصادرات الزراعية وجلب العملة الصعبة، دون أن تنجح في تحقيق توازن داخلي يضمن الأمن الغذائي للمواطنين.

ويعتبر المعهد المغربي لتحليل السياسات أن هذه المقاربة “التجارية” أضعفت قدرة البلاد على التحكم في نظامها الغذائي وجعلتها عرضة للتقلبات العالمية في الأسعار والتوريد.

ويخلص التقرير إلى أن معالجة “العبء الصحي المزدوج” تتطلب تبني رؤية شاملة للسيادة الغذائية تقوم على مبدأ الأمن النوعي للغذاء، وليس فقط الأمن الكمي. أي ضمان إنتاج وتوزيع أغذية صحية ومتوازنة وميسورة التكلفة، مع توجيه برامج الدعم نحو الفئات الهشة وتعزيز الوعي الغذائي في المدارس والمجتمعات المحلية.

يدعو التقرير إلى صياغة استراتيجية وطنية متكاملة تربط بين الزراعة والصحة والتعليم، وتقوم على تشجيع الإنتاج المحلي للمواد الغذائية ذات القيمة العالية، وتنويع النظام الغذائي، والحد من الإعلانات الموجهة للأطفال التي تروج لأطعمة ضارة.

كما يشدد على ضرورة تطوير برامج وطنية لمكافحة السمنة وتحسين التغذية، من خلال إدماج محاور التغذية الصحية في السياسات العمومية للتربية والصحة.

ويختم التقرير بالتأكيد على أن مستقبل المغرب الغذائي لا يتوقف على وفرة الإنتاج الزراعي فقط، بل على القدرة في بناء نظام غذائي عادل ومتوازن ومستدام، يحافظ على صحة المواطنين ويعزز سيادة البلاد على مواردها الغذائية.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا