أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عن تعديل مرتقب في شروط ومعايير الولوج إلى المؤسسات الجامعية ذات الانتقاء، في خطوة تهدف إلى إعادة تنظيم الخريطة الجامعية وضبط توازن الإقبال على المسارات التكوينية، خاصة في التخصصات العلمية.
ويُرتقب أن تُحدث هذه الإجراءات تأثيرا مباشرا على الآلاف من التلاميذ المقبلين على اجتياز البكالوريا، وسط نقاش متزايد حول العدالة المجالية والتوجيه الأكاديمي في النظام التعليمي المغربي.
ووفق منشور صادر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، اطّلعت عليه جريدة هسبريس الإلكترونية، تم اعتماد حزمة من التدابير التنظيمية الجديدة لتقنين مسطرة الانتقاء بمؤسسات التعليم العالي ذات الولوج المحدود.
وتتمثل أبرز المستجدات في إرساء منصة رقمية موحّدة لتدبير الترشيحات، تُلزم المترشحين بإيداع ملفاتهم إلكترونيا ضمن آجال مضبوطة، مع تحديد سقف زمني صارم لإغلاق باب الترشيح، وتفعيل إمكانيات تحويل المسارات الجامعية في إطار من الشفافية وتكافؤ الفرص.
وعلى الرغم من الإشارات العامة التي تضمّنها المنشور، والذي اطّلعت عليه جريدة هسبريس الإلكترونية، فإنه لم يُحدّد بشكل دقيق المعايير الجديدة الخاصة بولوج المؤسسات الجامعية ذات الانتقاء؛ بل اكتفى بخطوط عريضة تعكس نية الوزارة في ترشيد توزيع الطلبة وملاءمة العرض البيداغوجي مع حاجيات سوق الشغل.
هذا الغموض في التفاصيل ترك المجال مفتوحا أمام تأويلات متعددة داخل الأوساط التربوية، في انتظار توضيحات رسمية أكثر دقة بشأن الشروط والمعايير الجديدة ومصير الشعب العلمية والتقنية التي ظلت تشكل العمود الفقري لولوج هذه المؤسسات.
وحرصا على توضيح خلفيات هذا المنشور، تواصلت جريدة هسبريس الإلكترونية مع مصدر من وزارة التعليم العالي، والذي أوضح أن الوثيقة المشار إليها تندرج ضمن خانة المنشورات التنظيمية المرتبطة بمساطر الانتقاء؛ لكنها لا تتضمن أي تغيير فعلي في شروط الولوج المعمول بها حاليا.
وأضاف المصدر المسؤول بالوزارة الوصية على قطاع التعليم العالي أن الأمر يتعلق بتحيين إداري مرتبط بسلك السنة الجامعية 2026–2027، ولا يتضمن في هذه المرحلة أية مقتضيات جديدة تُغيّر من معايير الانتقاء المعتمدة.
وأكد المصدر ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن أي تعديل جوهري في هذا الباب يتم الإعلان عنه من خلال مذكرة رسمية مفصلة، وليس عبر منشورات داخلية عامة.
وأشار مصدرنا إلى أن وزارة ميداوي بصدد إعداد مذكرة تفصيلية ستصدر لاحقا، يُرتقب أن تتضمّن مقتضيات جديدة تتعلّق بشروط الانتقاء لولوج المؤسسات الجامعية ذات الولوج المحدود.
ووفق المصدر المسؤول سالف الذكر، فإن التوجه العام يسير نحو مراجعة بعض المعايير المعتمدة حاليا، من قبيل نسب المعدلات المطلوبة، وتوزيع المقاعد حسب الشعب، بما يُتيح توازنا أكبر بين العرض التربوي وتطلعات الطلبة، خاصة في الشعب العلمية والتقنية التي تعرف ضغطا متزايدا.
وأفاد المصدر ذاته بأن هذه المذكرة التنظيمية، التي يجري إعدادها حاليا على مستوى وزارة التعليم العالي، تروم إعادة ترتيب معايير الانتقاء المعتمدة في ولوج المؤسسات الجامعية العليا؛ من خلال مراجعة شاملة توازن بين المعدلات الدراسية والمعايير البيداغوجية المستحدثة.
وأوضح مصدرنا أن من بين التوجهات المطروحة إدماج نتائج السنوات الثلاث من التعليم الثانوي ضمن تقييم شمولي، وربطها بمتطلبات التكوينات ذات الأولوية الوطنية. كما يجري التفكير في اعتماد نظام انتقائي مزدوج، يجمع بين معدل البكالوريا واجتياز اختبارات كتابية أو مقابلات شفهية في بعض المدارس، بهدف تقليص الفوارق الجهوية وضمان مزيد من الإنصاف.
وأكد المصدر عينه أن هذه الخطوة تأتي ضمن رؤية جديدة تروم توجيه أعداد مهمة من الطلبة نحو مسالك ذات إدماج مهني أسرع، مع تحسين شروط الولوج؛ من خلال برمجة زمنية دقيقة وتنسيق أوضح في قنوات الإعلام والتوجيه، تفاديا لحالة الارتباك التي تتكرر كل سنة مع اقتراب الدخول الجامعي.
وأوضح المصدر أن من بين التعديلات التقنية الجاري النقاش بشأنها داخل الوزارة، إحداث نظام رقمي موحّد لتدبير ملفات الترشح لمؤسسات الانتقاء، بحيث تُربط منصة التسجيل بقاعدة بيانات النتائج الدراسية الوطنية؛ مما يُلغي الحاجة إلى إيداع الوثائق ورقيا، ويُقلص من تدخل العامل البشري في مرحلة الانتقاء الأولي.
كما تُدرس إمكانية إدماج خوارزميات تصنيف متقدمة في عملية الانتقاء، تأخذ بعين الاعتبار التباين الجهوي في نسب النجاح والتفوق الدراسي، لتقليص أثر الفوارق المجالية على حظوظ الولوج.
ووفق المصدر ذاته، فإن هذه الإجراءات تروم الانتقال نحو منظومة أكثر إنصافا وشفافية، مع تقليص آجال إعلان النتائج وتحسين قابلية التتبع الرقمي للمرشحين عبر حساب شخصي مؤمّن على المنصة الوطنية للتوجيه الجامعي.
ووفق المصدر الرفيع من وزارة التعليم العالي، فإن هذه الأخيرة تسعى، من خلال هذه المذكرة، إلى إدخال آلية الانتقاء التوجيهي، والتي ستُمكن من ربط اختيارات التلاميذ أثناء الترشح بمشاريعهم الدراسية والمهنية المصرّح بها خلال المرحلة الثانوية، عبر منصة موحدة.
وأضاف المصدر أن من بين المستجدات المنتظرة، أيضا، اعتماد حصة جهوية في توزيع المقاعد بمؤسسات الانتقاء، مراعاة لمبدأ العدالة المجالية وتقليصا للفوارق في فرص القبول، خاصة في الجهات التي تعرف ضغطا مرتفعا في أعداد المرشحين.
كما أشار إلى أن المذكرة ستتضمن مقتضيات تنظيمية جديدة تهم تواريخ الإعلان عن لوائح الانتقاء، وشروط إعادة الترشح، فضلا عن تدقيق معايير التمييز في حالات التساوي؛ وذلك بهدف تعزيز الشفافية وتجويد علاقة المؤسسة بالمرشح منذ المراحل الأولى للانتقاء.
ولدى سؤال هسبريس عن طبيعة المنشور الصادر بتاريخ 22 أكتوبر، أوضح المتحدث أنه يندرج ضمن خانة المناشير التوجيهية، والتي لا تحمل طابعا إلزاميا؛ بل تهدف إلى تقاسم الرؤية الأولية مع الفاعلين داخل القطاع، وأخذ مقترحاتهم بخصوص الإجراءات المحتملة قبل إصدار أية مذكرة رسمية تنظيمية.
وأكد المصدر الوزاري أن هذه المناشير تُعتبر آلية أولية للتشاور المؤسساتي، يُبنى عليها النقاش الداخلي قبيل اعتماد الصيغة النهائية للإصلاحات المرتقبة.
وردا على سؤال بشأن مدى تأثير الانتخابات التشريعية المقبلة، وما قد تفرزه من تغييرات على مستوى القيادة السياسية لقطاع التعليم العالي، خاصة احتمال مغادرة الوزير الحالي، أفاد المصدر الرفيع من وزارة التعليم العالي بأن الورش المتعلق بتنظيم ولوج المؤسسات ذات الانتقاء المحدود لا يرتبط بشخص الوزير أو ظرف سياسي معيّن؛ بل يُعد امتدادا لمسار إصلاحي اشتغلت عليه مختلف الحكومات المتعاقبة.
وأبرز المصدر ذاته أن تعدد الوزراء وتباين رؤاهم لم يمنع من الحفاظ على جوهر المشروع الذي يستند إلى مقاربة تراكمية انطلقت منذ سنوات، مشيرا إلى أن هذا الورش يُصاغ في إطار مؤسساتي واضح ويتقدّم بوتيرة مدروسة مدعومة بتشاور داخلي وتنسيق بين المصالح المركزية والجامعات.
المصدر:
هسبريس