أكد الجنرال داغفين أندرسون، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، أن “المغرب يعد من ضمن الحلفاء الموثوقين والشركاء الاستراتيجيين بالنسبة لواشنطن في القارة الإفريقية، إذ كانت المملكة من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية”، مضيفا أن “الشراكة العسكرية بين البلدين نمت بشكل كبير؛ فعلى مدى اثنين وعشرين عاما، كنا ننفذ معا مناورات ‘الأسد الإفريقي’، التي تعد أكبر مناورة عسكرية تُجرى في القارة الإفريقية بمشاركة القوات المسلحة الملكية المغربية”.
ونفى أندرسون، الذي يزور المغرب في أول زيارة له إلى شمال إفريقيا منذ تعيينه على رأس أفريكوم، في حوار حصري مع جريدة هسبريس الإلكترونية (النسختان العربية والإنجليزية)، وجود أية نوايا في الوقت الحالي لنقل مقر القيادة من شتوتغارت الألمانية إلى المغرب أو أية دولة إفريقية، إذ قال: “صحيح أننا نُجري تقييمات دورية لعملياتنا ومواقع انتشارنا؛ لكن ينبغي التوضيح أن المغرب شريك استراتيجي متين بالفعل، ولا علاقة لذلك بخطط نقل مقر القيادة”.
وتابع: “هناك دائما نقاش داخلي حول الموقع الأنسب جغرافيا وعملياتيا؛ ولكن هذا لا يعني أننا نسعى إلى تغيير موقع القيادة في المستقبل القريب. ما نقوم به في الوقت الراهن هو تعزيز الشراكات الميدانية مع حلفائنا الأفارقة؛ والمغرب في مقدمتهم، الذي يمنحه موقعه الجغرافي ميزة استراتيجية استثنائية. ولهذا السبب، نعمل مع شركائنا المغاربة على تعميق التعاون العملياتي واللوجستي في مجالات التدريب، وتبادل المعلومات، والتمارين المشتركة؛ لكن لا توجد نية لنقل مقر القيادة إلى أي بلد إفريقي في المدى المنظور”.
في سياق ذي صلة، أوضح الجنرال الأمريكي ذاته، الذي سبق أن تولى قيادة “وحدة العمليات الخاصة في إفريقيا” (SOC-Africa) التابعة لأفريكوم، أن “خروج القوات الغربية من بعض دول الساحل الإفريقي فرض علينا إعادة تقييم طريقة تعاملنا مع الوضع الأمني في المنطقة، وما نقوم به اليوم هو الانتقال من الوجود المادي المباشر إلى الشراكة المرنة، بمعنى أننا لا نعتمد فقط على وجود قواعد أو قوات متمركزة في المنطقة؛ بل نركز على بناء القدرات المحلية في الدول الإفريقية الشريكة حتى تكون قادرة على مواجهة التهديدات بنفسها”.
وشدد على أن “المغرب يعد نموذجا يُحتذى به على هذا المستوى، فهو لا يكتفي فقط بتعزيز أمنه الداخلي؛ بل يساهم أيضا في تدريب قوات من دول إفريقية أخرى في إطار التعاون الإقليمي. كما أن المملكة شريك أساسي في العديد من المبادرات متعددة الأطراف؛ بما في ذلك تمارين ‘الأسد الإفريقي’ التي تجمع دولا من أوروبا وإفريقيا وأمريكا.. وبالتالي، فإن هذا النوع من التعاون هو ما نعتبره المستقبل الحقيقي للأمن الجماعي في إفريقيا”.
وتفاعلا مع سؤال حول أهمية الدور المغربي في منظومة السلامة البحرية والأمن البحري، أكد الضابط الأمريكي ذاته أن “الأمن البحري في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي اللذين يطل عليهما المغرب مسألة استراتيجية من الدرجة الأولى، ليس فقط بالنسبة للرباط؛ بل لواشنطن وحلفائنا الأوروبيين أيضا”.
وأضاف قائد “أفريكوم”: “نحن نتابع عن كثب كل ما يجري عبر المحيط الأطلسي الغربي والشرقي، ومضيق جبل طارق، والبحر المتوسط، لأنها ممرات حيوية للتجارة العالمية والطاقة والاتصال بين القارات”.
وأبرز داغفين أندرسون أن “المغرب يتمتع بقدرات بحرية متطورة نسبيا في إفريقيا، وله أسطول متنامٍ وخبرة متقدمة في المراقبة الساحلية. ونحن في أفريكوم نعمل بشكل وثيق مع القوات البحرية الملكية المغربية لتطوير مهارات المراقبة، والاستجابة السريعة، وتبادل البيانات من خلال منظومات القيادة والسيطرة البحرية. كما أن هناك تعاونا مستمرا ضمن مبادرات عديدة كالتدريبات البحرية المشتركة في شمال الأطلسي، التي تجمع بين البحرية الأمريكية والمغربية ونظرائهما من دول أوروبية”.
وأوضح الجنرال ذاته، الذي يعد أول ضابط في سلاح الجو الأمريكي يتولى قيادة أفريكوم، أن “هذا النوع من التدريبات المشتركة يعزز قدرة شركائنا على التصدي للتهديدات العابرة للحدو؛ مثل القرصنة والتهريب والهجرة غير النظامية. وفي المستقبل القريب، نسعى إلى دمج الجهود عبر الأطلسي ضمن إطار تعاون أوسع بين إفريقيا وأوروبا والأمريكيتين؛ لأننا نؤمن بأن الأمن البحري لا يمكن تحقيقه بشكل منفصل، بل من خلال شبكة متكاملة من الشركاء الذين يعملون وفق رؤية مشتركة”.
وذكر المتحدث ذاته أن “المغرب فاعل رئيسي في المنظومة الأطلسية الناشئة، وهناك وعي متزايد بضرورة بناء ما يمكن تسميته بـ’مجتمع الأطلسي الموسع’، الذي لا يقتصر على الضفة الشمالية فقط، بل يشمل أيضا الضفة الجنوبية من إفريقيا وأمريكا اللاتينية”، مشددا على أن “المملكة تلعب دورا مركزيا بفضل موقعها الجغرافي واستقرارها السياسي وتطورها العسكري النسبي مقارنة بجيرانها، وبالتالي فهي شريك استراتيجي موثوق في مجال تأمين طرق التجارة البحرية العالمية، وهو ما يصب في مصلحة الأمن الإقليمي والعالمي على حد سواء”.
وسجل أن “الولايات المتحدة الأمريكية تؤمن بأن الشراكة الحقيقية لا تقوم على الاستغلال أو الإملاء؛ بل على الاحترام المتبادل وبناء القدرات المحلية. ومن هذا المنطلق، يشكل المغرب نموذجا متميزا؛ فهو دولة إفريقية ذات سيادة قوية ومؤسسات راسخة وانفتاح متوازن على العالم، كما أنه يمارس دبلوماسية ذكية تسمح له بالتعاون مع الجميع دون التفريط في استقلاله الاستراتيجي”.