آخر الأخبار

ملف "تمازيغت" يفتح "جراح" الإعلام العمومي ويعيد للواجهة اختلالات خطيرة بالـSNRT - العمق المغربي

شارك

عادت قضية الحكامة المالية والتدبير الإداري داخل قطاع الإعلام العمومي المغربي لتطفو على السطح بقوة، وذلك على إثر مثول عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين بقناة “تمازيغت”، التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة (SNRT)، إلى جانب ممثلين عن شركات إنتاج، أمام أنظار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط.

وتأتي هذه الخطوة في إطار تحقيقات أولية حول شبهات تتعلق بتبديد أموال عمومية وسوء في التدبير، مما يعيد تسليط الضوء على الاختلالات الهيكلية العميقة التي سبق للمجلس الأعلى للحسابات أن كشف عنها في تقارير مفصلة، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مدى تفعيل التوصيات الرقابية ومآل التحقيقات اللازمة لضمان حماية المال العام.

وتستند هذه التحقيقات، وفقا لمصادر مطلعة، إلى خلاصات تقارير صادرة عن قضاة المجلس الأعلى للحسابات، والتي وثقت بدقة مكامن الخلل في تسيير القناة الأمازيغية منذ سنواتها الأولى، إلا أن هذه القضية لا تمثل سوى قمة جبل الجليد لمنظومة تعاني من تحديات بنيوية، كما أوضحها التقرير السنوي للمجلس لعام 2018.

اختلالات هيكلية في الحكامة والتدبير

كشف تقرير للمجلس الأعلى للحسابات عن اختلالات هيكلية عميقة في حكامة وتدبير الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، تمثلت في غياب رؤية استراتيجية واضحة وضعف في آليات الحوكمة، مما أثر سلبا على قدرتها على أداء مهامها كخدمة عمومية بفعالية وكفاءة.

وفي تفاصيل مكامن الخلل على مستوى الحوكمة، سجل التقرير أن دور مجلس الإدارة يقتصر على “المصادقة الشكلية” على الميزانيات دون الدخول في نقاشات استراتيجية حقيقية. وعزز هذا القصور غياب تام للجنة الاستشارية الاستراتيجية منذ عام 2012، مما حرم الشركة من آلية حيوية للتخطيط المستقبلي.

ومن أبرز الملاحظات التي أوردها التقرير، هو عدم إبرام الشركة لأي عقد برنامج مع الدولة منذ سنة 2012، في خرق للقانون المنظم للقطاع. هذا الغياب يجعل التمويل العمومي الممنوح للشركة يتم في غياب تام لالتزامات واضحة أو مؤشرات أداء قابلة للقياس، مما يضعف بشكل كبير آليات المساءلة.

على الصعيد المالي والمحاسباتي، انتقد المجلس غياب نظام محاسبة تحليلية يمكن من تتبع التكلفة الحقيقية للبرامج، إلى جانب إعداد ميزانيات لا ترتكز على مؤشرات أداء دقيقة، وهو ما يجعل تقييم النجاعة الاقتصادية للمشاريع أمرا شبه مستحيل. كما أشار إلى تأخرات متكررة في المصادقة على الميزانيات قد تصل إلى ستة أشهر.

كما تطرق التقرير إلى ضعف الآليات التشغيلية، حيث أشار إلى أن منظومة المشتريات بالشركة لم يتم تحديثها منذ عام 2006، مما يجعلها غير متلائمة مع القوانين الجديدة للصفقات العمومية. يضاف إلى ذلك ضعف الرقابة الداخلية وغياب إجراءات عمل مكتوبة، الأمر الذي يكرس الارتجالية في التدبير اليومي ويحد من فعالية الرقابة.

نموذج اقتصادي غير مستدام

تقرير المجلس الأعلى للحسابات كشف عن مفارقة صارخة في النموذج الاقتصادي للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، فبالرغم من الارتفاع المطرد للدعم المالي الذي تقدمه الدولة بنسبة 25% بين عامي 2012 و2017، ظلت مواردها الذاتية ضعيفة للغاية، حيث لم تتجاوز نسبة 13% من إجمالي التمويلات منذ عام 2013، مما يعكس تبعية شبه كلية على المال العام.

وفيما يتعلق بمداخيل الإشهار، رصد التقرير تراجعا ملحوظا بنسبة 36% بين عامي 2011 و2017. والمثير للاستغراب أن هذا التراجع جاء على الرغم من ارتفاع معدل ملء المساحات الإشهارية، مما يطرح تساؤلات حول استراتيجية التسعير والتسويق. كما انتقد التقرير غياب أي رؤية لاستغلال المنصات الرقمية في تحقيق مداخيل إعلانية، رغم ملايين المشاهدات التي تحققها بعض البرامج، وهو ما يعد فرصة اقتصادية ضائعة.

شكلت الحقوق الرياضية أحد أبرز أوجه ضعف المردودية المالية، حيث كشف التقرير أن نفقات اقتنائها بلغت أكثر من مليار درهم منذ 2006، في حين لم تتجاوز العائدات السنوية منها ستة ملايين درهم، مما يكشف عن انعدام شبه تام لجدوى هذه الاستثمارات. وقد استحوذت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على الحصة الأكبر من هذا الإنفاق، بما مجموعه 1.65 مليار درهم منذ 2006.

وعلى صعيد الإنتاج والبرمجة، أظهر التقرير وجود شبه احتكار في السوق، حيث استحوذت سبع شركات فقط على أكثر من نصف قيمة الصفقات المبرمة بين 2013 و2016. ونتج عن هذا الوضع، إلى جانب ضعف التخطيط، تراكم مخزون من البرامج التي تم اقتناؤها ولم تُبث أبدا، بقيمة إجمالية بلغت 62.79 مليون درهم، مما يمثل هدرا واضحا للموارد المالية.

2M.. نموذج اقتصادي هش

وصف تقرير المجلس الأعلى للحسابات النموذج الاقتصادي لشركة “صورياد-2M” بأنه “غير ملائم”، مؤكدا أن القناة تعاني من أزمة مالية هيكلية مزمنة، وذلك على الرغم من الدعم العمومي الكبير الذي تستفيد منه وموقعها الريادي في نسب المشاهدة على الصعيد الوطني.

فقد سجل التقرير أن الشركة، ورغم استفادتها من منح دولة بلغت 506 ملايين درهم بين 2008 و2017، حققت خسائر سنوية متواصلة بمتوسط قدره 98.4 مليون درهم. ويعود هذا العجز الهيكلي إلى عدم قدرة رقم معاملات الشركة على تغطية نفقاتها التشغيلية، حيث لم تكن القيمة المضافة في بعض السنوات كافية حتى لتغطية أجور الموظفين.

وألقى التقرير الضوء بشكل خاص على ما وصفها بـ”العلاقة الملتبسة” مع وكالة الإشهار الحصرية “Régie 3″، التي اعتبرها أحد الأسباب الرئيسية للأزمة. ويتمثل أبرز مكامن الخلل في كون الوكالة التي تدير 95% من مبيعات إعلانات القناة هي نفسها الوكيل الإعلاني لقنوات منافسة، مما يفتح الباب أمام استغلال أداء “دوزيم” القوي لتسويق مساحات القنوات الأخرى على حسابها.

الأخطر من ذلك، هو ما كشفه التقرير عن غياب تام للرقابة والمحاسبة، حيث لم تقم القناة قط بممارسة حقها التعاقدي في طلب المستندات المحاسبية للوكالة أو إجراء تدقيق سنوي لحساباتها، رغم أن العقد المبرم منذ 1991 ينص على ذلك. ونتيجة لهذا التقصير، منحت الوكالة إعلانات مجانية بقيمة ضخمة بلغت 653.26 مليون درهم بين 2013 و2017، أي ما يعادل 23% من إجمالي المبيعات، دون أي رقابة من القناة. كما فقدت “دوزيم” السيطرة على عملية الفوترة، مما أدى إلى تقليص رقم معاملاتها الحقيقي.

أزمة حكامة عميقة

تكشف التحقيقات الجارية مع مسؤولي قناة “تمازيغت” إلى أن الأمر ليست مجرد قضية معزولة، بل هي مؤشر على أزمة حكامة عميقة ومتجذرة في قطاع الإعلام العمومي، كانت قد شخصتها تقارير المجلس الأعلى للحسابات بدقة متناهية.

ويُعتبر غياب الرؤية الاستراتيجية، وضعف آليات الرقابة المالية، والاعتماد المفرط على الدعم العمومي دون مساءلة حول الأداء، كلها عوامل أدت إلى هدر ممنهج للمال العام وأضعفت من قدرة الإعلام العمومي على لعب دوره التنموي والثقافي المنوط به.

وتطرح هذه التحقيقات ضرورة ملحة للانتقال من المعالجة القضائية للحالات المعزولة إلى مراجعة شاملة وجذرية لنموذج التدبير المعتمد في القطاع. ويكمن الهدف في بناء منظومة عمل جديدة تضمن الشفافية، وترسخ مبدأ المحاسبة، وتحقق النجاعة في استخدام الموارد العمومية المخصصة لهذا المرفق الحيوي

العمق المصدر: العمق
شارك

الأكثر تداولا دونالد ترامب حماس اسرائيل

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا