علمت هسبريس من مصادر جيدة الاطلاع بفتح عناصر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية تحقيقات عاجلة، بناء على إشعارات بالاشتباه وردت عليها بشأن وقائع تبييض أموال عمومية مختلسة من صفقات عمومية وسندات طلب لمجالس جماعات ترابية بمختلف درجاتها، في جهات الدار البيضاء- سطات وفاس مكناس وبني ملال- خنيفرة، موضحة أن رؤساء مجالس ومنتخبين نافذين تورطوا في ضخ المبالغ المختلسة في رساميل شركات خاصة، بعضها في ملكيتهم، والبعض الآخر في اسم زوجات وأبناء.
وأكدت المصادر ذاتها أن التحقيقات الجديدة تجري بشكل مواز مع أبحاث معمقة من قبل مصالح جرائم الأموال بالفرق الجهوية للشرطة القضائية، بتعليمات مباشرة من النيابة العامة، حول نشاط الشركات المستغلة في تبييض الأموال العمومية المختلسة، وتقييد ممتلكاتها، وذلك بعد رصد لجوء مسيريها المباشرين أو بالتفويض إلى محاولة التخلص من منقولات وعقارات في ملكية هذه المقاولات التي توزع نشاطها بين الحراسة والنظافة وكراء السيارات والأشغال والبناء.
وأفادت مصادر الجريدة بلجوء عناصر هيئة المعلومات المالية إلى قنوات التبادل الإلكتروني مع المديرية العامة للضرائب، لغاية التثبت من صحة التلاعب في حسابات الشركات المعنية بالتحقيقات، بعدما صرحت بأرباح لا تتناسب مع حجم نشاطها، موردة أن التدقيق في الكشوفات البنكية لحسابات هذه الشركات أظهر تدفقات مشبوهة لمبالغ نقدية ضخمة في “الحسابات الجارية للشركاء” Comptes courants d’associés، وإفراطا في الالتزامات بنفقات وتحويلات لتغطية أقساط عقود شراء وتأجير سيارات وآليات، جرى التصرف فيها بعد ذلك بالبيع.
ويعد “الحساب الجاري للشركاء” في الشركات وسيلة لتسجيل المعاملات المالية بين الشركة وشركائها، كإقراض الشريك للشركة أو سحب الأموال، فيما تخضع الفوائد المدفوعة على هذه الحسابات لاقتطاع من المصدر بنسبة 20 في المائة إذا كان الشريك شخصا طبيعيا، ذلك أنه حسب المادة 10 من المدونة العامة للضرائب لا تقبل الفوائد كنفقات جبائية إذا تجاوزت حدود الفائدة القانونية، علما أن هذه الحسابات أصبحت محل مراقبة من قبل الإدارة الجبائية، خاصة بعد اكتشاف حالات استغلالها في إدخال أموال مجهولة المصدر.
وكشفت مصادر هسبريس عن وضع عناصر الفرقة الجهوية للشرطة القضائية تقييدات بمراكز تسجيل تابعة للوكالة الوطنية للسلامة الصحية “نارسا” على البطاقات الرمادية لسيارات فاخرة في ملكية شركات منتخبين نافذين وأقارب لهم، وذلك رهن إشارة الأبحاث الجارية بخصوص تبييض مبالغ مهمة من الأموال المختلسة من صفقات عمومية، بعضها معروض أمام محاكم “جرائم الأموال” حاليا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عقارات، عبارة عن شقق وأراض ومستودعات، لدى مصالح الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية.
وكانت الهيئة الوطنية للمعلومات المالية تلقت ما مجموعه 5171 تصريحا بالاشتباه بغسل الأموال خلال سنة واحدة فقط، فيما أحالت على وكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية بالرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش ما مجموعه 54 ملفا، وكذا على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط، تتعلق جميعها بأفعال يشتبه في ارتباطها بغسل الأموال أو بالجرائم الأصلية، وبتمويل الإرهاب.
وركز مراقبو الهيئة الوطنية للمعلومات المالية، وفق مصادر الجريدة، على التدقيق في وثائق ومستندات شركة لخدمات النظافة والحراسة في ملكية منتخب نافذ، متابع في قضية اختلاس أموال عمومية حاليا، بعدما تلقت مبلغا ماليا مهما في شكل مساهمة في الحساب الجاري من أحد شركائها، قبل أن تقوم بتحويل هذا المبلغ إلى شركة يملكها أحد المقربين، عمدت بدورها إلى تحويل الأموال إلى كيان ثالث، أعادها لاحقا إلى الشريك على أنها “مبالغ مستردة”، مبرزة أن مهام الافتحاص على الورق أكدت استمرار هذه التحويلات، تحت غطاء تدفقات تجارية مشروعة منذ 2022.