آخر الأخبار

هشاشة الحكامة الترابية تؤدي إلى زيادة حالة الاحتقان في صفوف الشباب

شارك

رفع العديد من الشباب المحتجين في وقفاتهم منذ بداية حراك ما بات يعرف بحركة “جيل زد” شعارات مطالبة بربط المسؤولية بالمحاسبة، مؤكدين وجوب محاسبة مسيري الشأن الترابي على الاختلالات التي ترافق العديد من المشاريع والبرامج التي يشرفون عليها.

ويرى هؤلاء الشباب أن الفاعل الترابي مسؤول بشكل مباشر عن الوضع الذي يعيشونه بالجماعات التي ينتمون إليها؛ إذ فشل مدبرون كثر في تنزيل المشاريع والشعارات التي تم رفعها، ناهيك عما راكمه البعض من ثروات جراء نهب المال العام من خلال الصفقات التي يشرفون عليها.

ووفق رشيد لزرق، أستاذ القانون الدستوري، فإن الاحتجاجات الشبابية تعكس حجم التوتر الناتج عن ضعف الحكامة الترابية بالجماعات.

واعتبر لزرق، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا الوضع يستدعي تفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة داخل الجماعات الترابية بشكل فعلي ومستمر بدل جعله مناسباتيا.

وسجل أستاذ القانون الدستوري أن الدستور ينص على هذا المبدأ، بيد أن عدم التنزيل الفعلي يؤدي إلى تراكم الاختلالات في الجماعات الترابية، ويعمق سوء تدبير الشأن المحلي.

وبالنسبة للزرق، فإن التنزيل الفعلي لهذا المبدأ الدستوري من شأنه أن يعيد الثقة لهؤلاء الشباب المحتجين في المؤسسات الدستورية ويحد من هذا الاحتقان في صفوف المجتمع المغربي، ويعزز بذلك معايير الشفافية والنزاهة المطلوبة من طرف مختلف الفاعلين.

حماية المال العام

بالنسبة للفاعل الحقوقي رضوان دليل، الممثل القانوني للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب، فإن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة أضحى تنزيله بشكل فعلي واجبا من أجل الحد من هدر المال العام وضياع فرص التنمية المحلية.

وأوضح الفاعل الحقوقي ذاته، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن العديد من الجماعات الترابية تعيش اليوم تعثرات على مستوى المشاريع، بينما توشك الولاية الانتدابية على الانتهاء دون إجراء محاسبة ومساءلة لمدبري الشأن الترابي.

واعتبر رضوان دليل أن سلطات الرقابة، ممثلة في مصالح العمالات، أضحى لزاما عليها، في إطار تنزيل المبدأ الدستوري من جهة، ومن جهة ثانية التفاعل الإيجابي مع مطالب هؤلاء الشباب، إيفاد لجان البحث والتحري وإجراء تحقيقات بمختلف الجماعات التابعة لها، وذلك حفاظا على المال العام وتفادي المزيد من الاحتقان في هذه الجماعات مستقبلا.

على المنوال نفسه سار يوسف اسميهرو، مستشار جماعي بسيدي مومن في الدار البيضاء، الذي يرى أن مساءلة الفاعل مدبر الشأن الترابي المحلي لم يعد يستوجب التأخير؛ ذلك أنه يتطلب إجراء محاسبة لكل مسؤول قبل انتهاء الولاية الانتدابية.

وبعدما أكد أن التوقيفات وعمليات العزل التي تقوم بها وزارة الداخلية في حق رؤساء الجماعات لا يمكن نكرانها أو التقليل من أهميتها، اعتبر المتحدث نفسه أن تأخير محاسبة مسؤولي ومسيري الشأن المحلي إلى حين تفجر فضيحة أو تقديم شكاية من طرف مستشار جماعي أو هيئة مدنية، يجعل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة حبرا على ورق.

وسجل أن الشباب الذين يحتجون اليوم “لا يطلبون سوى تطبيق القانون وتنزيل الدستور في هذا الجانب. لذلك، فإن مصالح الرقابة أضحت مسؤولة عن عدم تحريك الآليات التي تتحوزها من أجل مساءلة المسيرين، وبالتالي مواجهة كل من كان سببا في تعثر مسار التنمية في الكثير من الجماعات الترابية”.

وتابع المستشار الجماعي بأن “دورات الجماعات الترابية ترفع خلالها تقارير من طرف السلطات المحلية، تتضمن ما يتعرض له رؤساء الجماعات والمكاتب المسيرة من انتقادات واتهامات، ناهيك عن أن هناك إشرافا من طرف العمال والخازن المالي على مالية الجماعات الترابية، وهو ما يجعل السؤال قائما ومشروعا حول دور الهيئات المشرفة ومدى انخراطها في ربط المسؤولية بالمحاسبة”.

الاحتجاج يفتح المحاسبة

عبد الرحيم أضاوي، أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالجديدة، أكد أن المبدأ الدستوري المرتبط بمحاسبة رؤساء الجماعات انطلق منذ فترة عقب صدور القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية سنة 2015، حيث تم عزل عدد كبير، ومنهم من شملته عقوبات حبسية ومنهم من لا يزال رهن اعتقال.

وأوضح الباحث المختص في الإدارة الترابية، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الاحتجاجات الأخيرة يمكن أن تفتح ملف محاسبة مدبر الشأن الترابي، مستدلا على ذلك بمجال الصفقات التي تبرمها الجماعات الترابية، خاصة صفقات الأشغال، موردا أن “هناك مجموعة من الوحدات الترابية تعرف اختلالات كبيرة، وهو ما ينعكس على ما هو اقتصادي واجتماعي، بل ويولد لدى الشباب أو المواطن بصفة عامة عدم الثقة، وقد ينتظر الفرصة للاحتجاج، وهو ما حدث مؤخرا”.

وشدد أستاذ التعليم العالي على أن المتتبع للاحتجاجات الأخيرة “سيلاحظ أن المحتجين يخاطبون في الغالب الحكومة؛ فالشباب، بل المواطن بصفة عامة، لا يميز أثناء احتجاجه بين الحكومة والبرلمان والجماعات الترابية والمؤسسات العامة والأحزاب”، لافتا إلى أن الشباب المحتج “حينما يتحدث يجمع كل هذه الهيئات تحت مفهوم واحد وهو الدولة، أي أن الاحتجاجات الأخيرة لا تحمّل المسؤولية للحكومة وحدها، بل في نظرهم يخاطبون حتى مدبر الشأن العام الترابي. لذلك، فإن هذه الاحتجاجات ستفتح المحاسبة في وجه مدبر الشأن العام الترابي”.

وخلص الخبير نفسه إلى أنه “على هذا الأساس، يجب إعادة النظر في اختصاصات الجماعات الترابية في مجالي الصحة والتعليم، خاصة أن المغرب أصبح يراهن على الجهوية المتقدمة كشريك وفاعل حقيقي في شتى المجالات كالتنمية الاقتصادية والاجتماعية”.

وختم الأستاذ الباحث تصريحه لهسبريس باستحضار أن الخطاب الذي سيوجهه الملك بمناسبة ترؤسه افتتاح الدورة الأولى للبرلمان، يوم الجمعة المقبل، سيجيب على مجموعة من التساؤلات التي يطرحها المواطن المغربي.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا