في تطور جديد يعكس الانقسام داخل الجسم الصيدلي بالمغرب تصاعد التوتر بين الفيدرالية الوطنية لنقابات صيادلة المغرب والكونفدرالية الوطنية لنقابات الصيادلة، على خلفية المواقف من الاحتجاجات الأخيرة المرتبطة بـ”جيل Z”، وما رافق بعضها من أعمال تخريب.
وبينما اتهمت الفيدراليةُ الكونفدراليةَ بـ”استغلال المرحلة” و”محاولة الركوب على الأحداث”، ردّت الأخيرة باتهامات مضادة، معتبرة أن الفيدرالية تسعى إلى تهميش الأصوات المنتقدة داخل القطاع، خصوصاً في ما يتعلق بالمطالب النقابية المرفوعة منذ سنوات.
وفي بيان لها أكدت الفيدرالية الوطنية لنقابات الصيادلة أنها تبرأت من أي علاقة بالأعمال التخريبية أو استغلال الاحتجاجات، مؤكدة أن مواقفها “كانت دائماً قائمة على التهدئة والدعوة إلى الحفاظ على السلم الاجتماعي”.
من جهتها شددت الكونفدرالية الوطنية لنقابات الصيادلة، في بلاغ مضاد، على أن “الزج باسمها في مثل هذه القضايا هدفه إضعاف موقفها التفاوضي”، معتبرة أن “الحكومة تعمدت إقصاءها من الحوار في ملفات حيوية، أبرزها مراجعة تسعيرة الأدوية”، وهو ما دفعها إلى التعبير عن رفضها بطرق سلمية لا علاقة لها بأي شكل من أشكال التخريب.
وعبّرت الكونفدرالية الوطنية لنقابات الصيادلة عن استغرابها الشديد مما اعتبرتها “محاولات تسييس صامتة” من بعض الهيئات المهنية، في إشارة إلى الفيدرالية، دون تسميتها مباشرة.
وأوضحت الكونفدرالية، في بلاغ عمّمته على أعضائها وتوصلت به هسبريس، أن بعض الجهات المهنية “انزلقت في الفترة الأخيرة إلى تبني مواقف غامضة، تستبطن انخراطاً غير مباشر في تأطير الاحتجاجات الرقمية لما يُعرف بجيل Z”.
واستندت الهيئة ذاتها في موقفها إلى “تدوينات” وبلاغات نُشرت على صفحات رسمية أو شبه رسمية تابعة لتلك الجهات، تضمنت، حسب تعبيرها، عبارات تأييد ضمنية، وتشجيعاً على الانخراط في موجة الاحتجاجات، تحت غطاء المطالب الاجتماعية، واعتبرت أن هذا التوجه “يُشكل خرقاً لميثاق التجرد المهني، ويُعرض الجسم الصيدلي إلى التسييس غير محمود العواقب”.
وشددت الجهة نفسها على أن “الحفاظ على حيادية المهنة يظل أولوية قصوى”، داعية إلى “احترام الحدود الفاصلة بين الفعل النقابي والمواقف السياسية، تفادياً لأي خلط قد يضر بصورة المهنيين ومصداقيتهم داخل المجتمع”.
في ردها على الاتهامات الموجهة إليها عبّرت الفيدرالية الوطنية لنقابات الصيادلة عن “استغرابها الشديد” مما وصفتها بـ”محاولة إقحامها في حسابات سياسية ضيقة”، مؤكدة أن مواقفها لا تمت بأي صلة لحراك “جيل Z” أو لأي شكل من أشكال التأطير السياسي أو الاحتجاجي.
وأوضحت الفيدرالية، في بيان رسمي، أن أنشطتها تظل نقابية محضة، تُعنى بمطالب المهنيين وقضاياهم الاجتماعية والاقتصادية فقط.
كما شددت الهيئة ذاتها على أن من يروج لهذه المزاعم يسعى، بحسب تعبيرها، إلى “التشويش على الدينامية التنظيمية التي تعرفها الفيدرالية في الفترة الأخيرة”، معتبرة أن محاولة ربطها بحراك الشارع هو “افتراء سياسي هدفه تصفية حسابات داخلية، باستعمال ورقة جيل Z”.
وفي سياق متصل يُفهم من إعلان الكونفدرالية الوطنية لنقابات الصيادلة عن تنظيم وقفة احتجاجية وطنية أمام وزارة الصحة أن دوافع التصعيد تتجاوز البعد المهني الصرف، لتدخل في تفاعلات أعمق تُفسّر بعض مظاهر التوتر داخل الجسم النقابي للصيادلة. فالكونفدرالية، التي تتهم الفيدرالية الوطنية للصيادلة بـ”محاولة الركوب على الاحتجاجات الرقمية لجيل Z” تجد نفسها في موقع دفاعي وهي تُحضّر لتحرك احتجاجي رسمي في عز موجة التعبئة الشبابية، وهو ما يُضعف، بحسب متابعين، الاتهامات التي وُجهت للطرف الآخر.
وتشير معطيات ميدانية إلى أن توقيت الوقفة الذي اختارته الكونفدرالية، وتزامنه مع تصاعد منسوب الاحتجاجات الرقمية، أتاح للفيدرالية فرصة توجيه اتهامات مضادة، تتعلق بما وصفته بـ”استغلال ظرفية التوتر الاجتماعي لتحقيق مكاسب تفاوضية”. غير أن الكونفدرالية ترد على هذا الربط بكون تحركها “مؤسس على ملفات مطلبية موثقة ومحاضر رسمية تعود لسنوات”، وترفض، في بلاغاتها، “أي محاولات لتسييس نضالاتها المهنية أو الزج بها في خندق الاصطفاف السياسي”.
جدير بالذكر أن هذا التوتر بين الكونفدرالية الوطنية لنقابات الصيادلة والفيدرالية الوطنية للصيادلة ليس وليد اللحظة، بل يعكس تراكماً في الخلافات حول التمثيلية داخل القطاع، ومسارات التفاوض مع الحكومة، إذ تتهم كل جهة الأخرى بعدم احترام ضوابط العمل النقابي المهني والانزلاق نحو خطاب تلميحي يخلط بين المطالب المهنية والسياقات السياسية والاجتماعية العامة. ويؤكد مهنيون في القطاع أن الحفاظ على وحدة الصف داخل الجسم الصيدلي يمرّ عبر تحييد الخلافات التنظيمية والتركيز على الملفات الحيوية التي تهم الصيدلي والمواطن على حد سواء.