مع توصيات رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في إطار “إحالة ذاتية” لأجل “اعتماد مقاربة مندمجة ومنسّقة لتعزيز جاهزية الصادرات المغربية أمام آلية الكربون الأوروبية”، المقرر دخولها حيز التنفيذ بداية العام 2026، أفاد مصدر مطلع جريدة هسبريس الإلكترونية بأن “المشاورات مع المهنيين وممثلي مختلف الهيئات المهنية للمصدرين والقطاع الخاص للوصول إلى صيغة توافقية يمكن تضمينها في قانون مالية العام المقبل جاريةٌ ومتواصلة حاليا وخلال الأشهر الماضية”، مؤكدا أنه “بحلول نهاية أكتوبر من السنة الجارية أو بداية شهر نونبر، من المفترض أن تبرز مسودة أولية أو صيغة شبه نهائية بخصوص ‘ضريبة الكربون’ وآليات التنفيذ الممكنة”.
وقال المصدر متحدثا لهسبريس: “إلى حدود اللحظة، لا وجود لتصوّر واضح أو مكتمِل يَرشح عن المشاورات المستمرة… ومازالت النقاشات مستمرة سواء مع ممثلي المصدرين الأعضاء في الكونفدرالية المغربية للمصدرين (Comex) أو فدراليات قطاعية منضوية تحت لواء الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ممثل القطاع الخاص بالمملكة”.
ومن المنتظر أن “تتضح الصورة أكثر”، حسب المعطيات التي توفرت لهسبريس، مع اقتراب نهاية أكتوبر موعد الكشف عن الإجراءات الضريبية/الجبائية المتضمنة والمرافقة لمشروع قانون المالية لسنة 2026.
جاء ذلك في أعقاب كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن أبرز توصيات رأيه (إحالة ذاتية) حول “آلية تعديل الكربون على حدود الاتحاد الأوروبي وتأثيرها على الصادرات المغربية”، متضمنا “أبرز الرهانات المرتبطة بدخول هذه الآلية حيز التنفيذ، وكذا التحديات التي تواجهها الصناعات التصديرية في هذا الصدد، كما اقترح “توصيات لمواكبة المقاولات الوطنية المعنية بهذا الإجراء الجمركي الجديد، وتعزيز تنافسيتها، وتسريع انتقالها نحو اقتصاد منخفض الكربون”.
في سياق ذي صلة، تتسارع استعدادات المصدّرين المغاربة، حسب ما أكده لهسبريس مصدر مطلع مسؤول في “الكونفدرالية المغربية للمصدرين” (COMEX)، مبرزا أن “المصدّرين ومهنيي القطاع في المغرب جاهزون للتفاعل مع الانعكاسات المحتملة وملاءمة إنتاجهم وصادراتهم إلى الاتحاد الأوروبي مع ما تنص عليه التشريعات الأوروبية”، مفيدا بأن “عمليات التحسيس والتواصل تتم بشكل مباشر بين مهنيي التصدير والجهات الفاعلة في استيراد منتجاتهم في دول الاتحاد الأوروبي”.
وفي انتظار ما قد يحمله مشروع القانون المالي الجديد من إجراءات مواكبة وتنفيذ للآلية الأوروبية، أكد المصدر المهني ذاته أهمية مواكبة ودعم جهود المقاولات الصغيرة والمتوسطة، لا سيما التي تطمح لاستدامة صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي، لأن الشركات والمؤسسات الإنتاجية الكبرى تبقى منخرطة منذ مدة في برامج لإزالة الكربون وتقليصه في سلاسل إنتاجها”.
وأعرب في حديثه لهسبريس عن تأييده لتوصية “إحداث آلية وطنية لمواكبة تنفيذ آلية تعديل الكربون على الحدود، تضم جميع المؤسسات المعنية لضمان تنسيق الجهود وسرعة التفاعل مع التطورات المستقبلية لهذه الآلية، خاصة في قطاعات صناعية استراتيجية”.
وقدّر الرأي الذي أعدته “اللجنة الدائمة المكلفة بالقضايا الاقتصادية والمشاريع الاستراتيجية” بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن يكون تأثير الآلية الأوروبية للكربون “محدودا نسبيا”، غير أنه يتوقع أن “تداعياتها ستزداد على المدى المتوسط إذا ما تم توسيع نطاق القطاعات المشمولة بهذه الآلية، وإضافة الانبعاثات غير المباشرة والمنتجات المُصنّعة في قياس الكربون”؛ حاثّا “المقاولات الوطنية لتأهيل قدراتها على التكيّف مع التحولات الجارية في السياسات المناخية والبيئية العالمية”.
وبحسب المجلس، الذي يعد هيئة دستورية للحكامة واستشارية للسياسات العمومية، “يمكن النظر إلى هذه الآلية بالنسبة للمغرب من زاويتين: فهي من جهة تمثل فرصة لتسريع إزالة الكربون من الاقتصاد الوطني، وقد قام فعلا بعض الفاعلين الصناعيين، وفي مقدمتهم مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، بإطلاق مبادرات ملموسة تظهر قابلية تنفيذ هذا التحول والإمكانات المتاحة”.
من جهة أخرى، “قد تتحول هذه الآلية، في غياب الجاهزية الكافية، إلى عقبة أمام الولوج إلى السوق الأوروبية بسبب المتطلبات البيئية، وما تفرضه من تعقيدات إدارية وأعباء مالية إضافية على المصدرين والفاعلين الصناعيين المغاربة”.
سيسمح اعتماد ضريبة الكربون “بتحصيل مداخيلها محليا بدل تحويلها إلى الخارج”، ما يفضي إلى “تخفيف الضغط على العملة الصعبة”، بحسب رأي المجلس الذي يرأسه عبد القادر أعمارة.
وفق مخرجات جلسة إنصات إلى إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، عقدها المجلس في مارس 2025، فإنه من المتوقع أن تعمل السلطات العمومية على “سن ضريبة الكربون بالتزامن مع الآلية الأوروبية، وفق مقاربة تدريجية تأخذ بعين الاعتبار: تطبيق معدل ضريبي يتراوح بين 5 و10 دولارات للطن المكافئ من ثاني أكسيد الكربون، تماشيا مع توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بشأن إحداث نظام لتسعير الكربون”.
كما سيراعى، وفق ما تضمنه رأي المجلس الاقتصادي، “الشروع في تطبيق الضريبة الكربونية بشكل تدريجي يقتصر في البداية على منتجات القطاعات المشمولة بآلية تعديل الكربون على الحدود”، في أفق “تحويل بعض الرسوم المطبقة حاليا (مثل الرسم شبه الضريبي على الإسمنت والرسم الخاص المفروض على حديد التسليح) إلى ضرائب كربونية، بهدف الحد من تأثيرها على تنافسية الصناعات الوطنية، وعلى الأسعار في السوق الوطنية”.
كما سيتم “إعطاء الأولوية للقطاعات المنظَّمة لتسهيل الحوار والتفاوض مع الفيدراليات المهنية الممثلة لها”، في أفق “البدء بالقطاعات التي تنتج انبعاثات متشابهة وتصدر مستويات متقاربة من الانبعاثات المباشرة أو غير المباشرة، مع ضبط أثمنة الضريبة قبل الشروع في تعميمها على قطاعات أكثر تعقيدا، تتسم بتعدد المنتجات وكثرة المداخل في عملية الإنتاج”.