شهدت مدن مغربية عدة احتجاجات واسعة قادها شباب من مجموعة “جيل Z”، غير أن بعض هذه التحركات بمدينة وجدة وإنزكان والرشيدية وآيت عميرة وبني ملال انزلقت من مجرد تعبير اجتماعي إلى أعمال عنف وتخريب شملت إضرام النار في سيارات تابعة للأمن الوطني والدرك الملكي واقتحام مؤسسات تجارية ووكالة بريدية، إضافة إلى تكسير أبواب متاجر وسرقة محتوياتها.
تحوّلت الاحتجاجات التي بدت سلمية في انطلاقتها إلى مواجهات عنيفة مع عناصر القوات العمومية، حيث عمد المحتجون إلى الرشق بالحجارة وإلحاق أضرار بالممتلكات العامة، كما أُضرمت النيران في سيارات خاصة، وهو ما خلّف خسائر مادية وإصابات بشرية، فيما تدخلت السلطات لتوقيف عدد من المتورطين في تلك الأحداث.
يبرز في هذا السياق البعد النفسي والاجتماعي لتلك الأحداث؛ إذ يرى متتبعون للشأن المجتمعي أن فهم دوافع الشباب وسلوكياتهم خلال لحظات الاحتقان يشكّل مدخلا أساسيا لمعالجة الظاهرة، ويساعد على إعادة توجيه طاقاتهم نحو أشكال احتجاج سلمية تتيح لهم التعبير عن مطالبهم بعيدا عن مظاهر العنف والتخريب.
يفتح هذا الموضوع المجال أمام علم الاجتماع لتحليل ديناميات الحركات الاحتجاجية لدى الشباب، وفهم الآليات التي تدفعها نحو السلمية أو الانزلاق إلى العنف والتخريب، بما يسهم في بلورة مقاربات علمية تؤطر المشاركة المجتمعية وتدعم استقرار العلاقات الاجتماعية.
من منظور علم الاجتماع، قال زكرياء أكضيض، أستاذ علم الاجتماع، إن “سؤال تأطير الاحتجاجات يقودنا إلى التمييز بين صنفين من الحركات الاحتجاجية، هما الحركات الاحتجاجية التقليدية والحركات الاحتجاجية المعاصرة”، موضحا أنه “في الاحتجاجات التقليدية، كان المحرك الأساسي لهذه الحركات الوسطاء التقليديون، مثل الجمعيات والأحزاب السياسية والنقابات، وهم الفاعلون الرئيسيون على مستوى التأطير والتعبئة لهذه الحركات”.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “في الحركات التقليدية، يُلاحظ وجود صرامة أيديولوجية، حيث كان لكل منخرط التزام أيديولوجي محدد وكذلك التزام تنظيمي. في المقابل، في الحركات الجديدة، يظهر نوع من المسافة تجاه الوساطة، وهذه المسافة من شأنها أن تجعل الاحتجاجات تنزلق نحو ما لا يحمد عقباه”.
وأشار أكضيض إلى أن “الحركات الاحتجاجية الجديدة لا تؤمن بالالتزام الأيديولوجي ولا بالالتزام التنظيمي، ولديها أشكال مختلفة من التعبئة؛ إذ يمكن أن يلتف حولها أفراد يتحركون ضمن ما يسميه بوستافلوكو ‘الجمهور النفسي’ الذي قد يتصرف بعنف خلال الانتفاضات أو الاحتجاجات، لأن الأفراد داخل هذا الجمهور يفقدون معاييرهم الذاتية، وتنتصر لديهم معايير الجماعة والمحركات النفسية التي قد تميل إلى التدمير والتخريب”.
أكّد زكرياء أكضيض على “الحاجة إلى أن يمد الوسطاء جسور التواصل بين المجتمع وهذه الاحتجاجات”، لافتا إلى أن “هذه الاحتجاجات لم تصل إلى درجة تأسيس حركة منظمة، فهي لا تزال في طور التشكّل، وتظهر في شكل انتفاضات تنتقل بسرعة من مدينة إلى أخرى، وهذه الانتفاضات العنيفة تتسم بالعدوى وباللا شخصنة، بمعنى أن الأفراد لا يتصرفون وفق المعايير المعتادة، بل وفق منطق الجمهور النفسي الذي يميل إلى التدمير والتخريب”.
وقال الأستاذ الجامعي إن “هذه الحركات الاحتجاجية، التي هي في طور التشكّل، لا يمكن التكهن ما إذا كانت ستصبح حركة منظمة تعبر عن مطالبها وتكون قابلة للتفاوض مع السلطات، لكن هذه المآلات العنيفة تمثل ناقوس خطر، وتدعو الوسطاء إلى الاضطلاع بدورهم في المجتمع والقيام بمسؤوليتهم في تأطير هذه الاحتجاجات، لأن التأطير من شأنه أن يخفف من وتيرة العنف الدفين تجاه مؤسسات الدولة”.
وضرب أكضيض مثالا بـ”حركة 20 فبراير”، موضا أنها “لم تكن لتستمر في سلميتها لولا النواة المؤطرة من أحزاب سياسية وجمعيات مجتمع مدني التي حافظت على سلمية الحركة. لذلك، فسلمية الاحتجاجات رهينة بفعالية تأطير الوسطاء، لأن غياب التأطير قد يؤدي إلى انزلاقها نحو متاهات العنف والفوضى”.