تباين في التصورات ميّز رؤية مكونات الأغلبية والمعارضة بمجلس النواب للمطالب التي حملتها مظاهرات المجموعة الشبابية الناشئة التي تسمّي نفسها “جيل زد 212” (GEN Z 212)، خصوصا أن المعارضة تؤكد أن “هذه الاحتجاجات تعبّر عن أزمة ثقة متنامية في السياسات العمومية، وتكشف عن فشل في الوفاء بالوعود المرتبطة بالتشغيل والعدالة الاجتماعية”.
من جانبها شددت مكونات من الأغلبية النيابية أن “ما يحدث يمثل دعوة جماعية لمراجعة الأداء السياسي والمؤسساتي دون السقوط في منطق التراشق أو تحميل المسؤوليات بشكل انتقائي”، داعية إلى “تفاعل جماعي يضع مصلحة البلاد فوق الحسابات الضيقة”، ومؤكدة أن “مواجهة تحديات المرحلة تستدعي تقاسما متوازنا للمسؤولية وتعبئة شاملة لمختلف الفاعلين”.
رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، قال إن وزير الصحة والحماية الاجتماعية سيحضر غدًا إلى الاجتماع، مردفا: “لكن أي أثر لذلك؟ سنحضر، سيقدم عرضه، ثم نغادر”، ومعتبرا أن “ثمة حاجة إلى معرفة سبب تعطل الكثير من المشاريع الحيوية في المجال الصحي لوقف هجرة الأطباء نحو القطاع الخاص”، وزاد متسائلا: “ثم أين مراسيم الهيئة العليا للصحة؟”.
وتابع حموني ضمن تصريحه لهسبريس: “الأسئلة واضحة: لماذا يُؤخَّر هذا الإصلاح؟ ولصالح من؟ الورش ملكي، فهل هناك انحياز لصالح القطاع الخاص؟”، مؤكدا أن “هذه المطالب تأتي أساسا لاختبار مدى صحة قطاع الصحة بالمغرب”، ومشيرًا إلى أنها “برزت بقوة بعد أيام من احتجاجات مدينة أكادير بشأن التطبيب، ثم بدأت مطالب هذه الديناميات الشبابية تتّسع وتكبر، إلى أن وصلت إلى قضية التشغيل”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “المشكلة بدأت من هناك، ثم تفاقمت مع أزمة التشغيل، خاصة بعد صدور أرقام بنك المغرب، في وقت خرج رئيس الحكومة ليقول إنهم وفروا 600 ألف فرصة شغل، وإن الأمور على ما يرام”، وزاد: “هذا خطاب الحكومة، ورئيسها، والأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي، وقادتها، ورؤساء فرقها في غرفتي البرلمان، وهو بالضبط ما يستفزّ الشباب، لأنه لا يعكس الواقع”.
وشدد رئيس فريق “حزب الكتاب” على أن المعارضة، وعلى رأسها فريقه النيابي، “تدرك أن الأمر ليس سهلاً”، مضيفًا: “نحن نعلم حجم الإكراهات، لكن المغاربة يريدون الصراحة. ثمة ضغوط وأزمات، بيد أن الأمر يتطلب التزامات واضحة ثمّ الالتزام بها”، وتابع: “عندما تُعدني بمليون منصب شغل، وتخلقُ آمالاً كبيرة لدى المواطنين، ثم في السّنة الأخيرة يبدو أن الحصيلة لا تعكس حجم الوعود، فطبيعي أن تكون هناك ردة فعل”.
وفي تفاعله مع سؤال لهسبريس بشأن كون الأحزاب التي توجد اليوم في المعارضة صادفت حين كانت في الأغلبية حراكات اجتماعية حادة، ارتفعت فيها مطالب كشفت محدودية بل وفشل التعاطي الحكومي آنذاك، رد رئيس فريق التقدم والاشتراكية بأن “المعارضة حينها قامت بدورها في انتقاد العمل الحكومي، تماما كما تقوم به اليوم، تكريسا لاشتغال المؤسسات”.
واعتبر القيادي السياسي أن “الاحتجاجات السابقة، سواء في الريف أو جرادة، كانت محدودة جغرافيًا، لكن هذه احتجاجات على الصعيد الوطني”، مبرزاً أن الحكومات السابقة “تصرّفت تحت الضغط”، وزاد موضحاً: “بعد حراك الريف جاء حراك جرادة، والأمر نفسه تكرر. الحكومة لم تكن تتجاهل. الضغط كان يولد العمل، وهذا لا ينطبق على هذه الحكومة”.
من جانبه قال علال العمراوي، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، إن “الاحتجاجات التي نراها اليوم في مختلف المدن المغربية هي نداء قوي وصلنا من طرف شباب يمثلون نبض المجتمع، مثل أبنائنا جميعا”، مشددا على أن “جميع الجهات تلقت رسالة واضحة وكاملة، سواء كانت في موقع الأغلبية أو المعارضة؛ والكل مطالب بفهم هذه الرسالة بكل روح وطنية ممكنة وبجرعة عالية من المسؤولية”.
وشدد العمراوي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أن “تحميل المسؤولية كاملة للحكومة أو أي جهة أخرى سيكون أكبر خطأ، ومن قبيل الانتهازية السياسية وقلة المسؤولية الفادحة”، معتبرا أن “هذه الرسالة ليست مسؤولية جهة واحدة فقط، بل هي مسؤولية جماعية يجب أن نتحملها جميعا بعيدا عن المزايدة السياسية أو أي حسابات أخرى ضيقة لا تخدم النقاش العمومي الحقيقي”.
وأكد القيادي السياسي ذاته على “ضرورة أن يكون لكل طرف سياسي أو مؤسساتي نوع من القدرة على فهم موضوعي وحقيقي لمجريات الظرفية الراهنة”، قائلاً: “كل واحد منا، حسب موقعه ومسؤوليته، عليه أن يقدم جوابا ذا مصداقية وشافيا يعكس فهمه العميق للواقع والتحديات المطروحة، دون الدخول في اتهامات لأي جهة بكونها تتحمل المسؤولية”.
وأشار رئيس فريق “حزب الميزان” إلى أن “المؤسسات تواكب هذا النقاش وليست في وضعية شرود”، مبرزا أن “المؤسسة التشريعية استدعت وزير الصحة والحماية الاجتماعية للحضور في اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية غدا الأربعاء”، ومعتبراً أن هذا “جواب مؤسساتي بحد ذاته، يعبر عن التكامل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية”.
وبالنسبة لرئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية فإن “البرلمان هو المكان المناسب الذي يجب أن يُفتح فيه نقاش مسؤول مع الحكومة ممثلة في وزير الصحة، المسؤول الأول عن القطاع”، موردا أن “النقاش يمنح مصداقية للعمل النيابي، ويؤكد أن الوقت الآن مناسب للتحرك ومواكبة النقاشات الجارية في الشارع واحتضانها بشكل مؤسساتي قادر على إيجاد أجوبة لانتظارات الناس وتطلعاتهم الفعلية”.