في لحظة أدهشت متابعي السياسة والفكاهة على حد سواء، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمس الجمعة، خلال اللقاء الإعلامي الدوري مع ممثلي وسائل الإعلام في بلاده، أن بلاده أصبحت عضوًا في مجموعة العشرين (G-20) التي تضم أكبر اقتصاديات العالم، ليتحول هذا التصريح، الذي أراد به الرجل أن يرسم صورة تفاؤلية ويزرع “الفخر الوطني” في صفوف شعب يعيش واقعًا مريرًا، إلى مادة خصبة للنكات والتعليقات الساخرة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعيد هذا التصريح إلى الأذهان تصريحات سابقة شكلت هي الأخرى مادة للتهكم، على غرار تأكيده أمام الدورة الثامنة والسبعين من الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، أن بلاده ستصل إلى تحلية مليار و300 مليون متر مكعب من الماء يوميًا، وتصريحات أخرى حول دخول الجيش إلى غزة، وكون الاقتصاد الجزائري ثالث اقتصاد في العالم، وغيرها من الخرجات أو “الكذبات” التي ترفض الانحناء أمام الواقع، وتعكس طبيعة الخطاب السياسي والنخب الحاكمة في الجزائر، بل وتطرح سؤالًا حول ما إن كان الأمر يتعلق برؤية وطنية طموحة تخونها الكلمات، أم بمسرحية سياسية تُدار أمام الجمهور بلا نص واضح.
تعليقًا على ذلك، قال رفيق بوهلال، محلل سياسي جزائري معارض، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية إن “جل ما قاله تبون في لقائه الإعلامي أمس كان عبارة عن تصريحات كاذبة واستفزازية للشعب الجزائري، بما في ذلك الحديث عن الانضمام إلى مجموعة العشرين، وعن إصلاحات تعتبر إهانة لأبناء الجزائر الذين يعانون من انهيار اقتصادي بسبب سياسات نظام الجنرالات”.
وأوضح بوهلال أن “هذه التصريحات تدفع في الحقيقة إلى التساؤل حول ما إن كان الرئيس المعين عبد المجيد تبون يعيش فعلاً على هذا الكوكب، حيث أن القول بانضمام الجزائر إلى هذه المجموعة الاقتصادية الكبرى ضرب من الخيال، خاصة وأن الاقتصاد الجزائري منهار ولا يمكن مقارنته بأي شكل من الأشكال مع أقل اقتصاد في المجموعة، وتم رفض طلب جزائري سابق للانضمام إلى مجموعة “بريكس”، فما بالك بشيء آخر”.
وشدد على أن “تصريحات جميع المسؤولين الجزائريين متناقضة في حد ذاتها وتنبني على الترويج لإنجازات وهمية، كحديث تبون أيضًا أمس عن اقتصاد الشبكات الذي قال إنه يكلف الجزائر أكثر من 100 مليون دولار، وهذا هو الآخر رقم كاذب، ونفس الشيء بالنسبة لمسألة انخفاض التضخم بأربعة نقاط، والترويج لإنجازات غير موجودة يكذبها الواقع، الذي يتمثل في هروب آلاف الشباب الجزائري على متن قوارب اليوم إلى الضفة الأوروبية بحثًا عن حياة ومستقبل أفضل”.
في سياق مماثل، قال الناشط السياسي الجزائري المقيم بفرنسا، شوقي بن زهرة، إن “الخرجات الأخيرة للرئيس المُعين عبد المجيد تبون تدفع الإنسان إلى التشكيك صراحة في صحته العقلية”، مضيفًا أن “اللقاء الإعلامي موضوع التصريحات التي تهم عضوية الجزائر في مجموعة العشرين كان مسجلاً ولم يكن مباشرًا، ومع ذلك تم السماح بمرور هذا التصريح غير الواقعي”.
وأوضح بن زهرة في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “تواتر التصريحات التي تنطوي على الكثير من التضخيم والكذب والتضليل من شخص يتولى رئاسة البلاد يعطي انطباعًا وصورة واضحة عن طبيعة النخب السياسية الحاكمة في الجزائر، التي تكذب على الشعب وعلى العالم جهارًا نهارًا، حتى أنه لم يعد من الممكن الحديث عن زلة لسان، بل عن عرف في الخطاب الرسمي الجزائري”.
وذكر أن “لجوء النظام الجزائري ورموزه إلى الكذب وصناعة الأوهام عبر هكذا تصريحات وخرجات، والحديث عن إنجازات غير موجودة، يعكس بوضوح أزمة الشرعية العميقة التي يعاني منها هذا النظام، الذي فشل في تحقيق أي إنجاز يمكن أن ينسبه إليه داخليًا وخارجيًا، ولذلك لن يقوى أمامه سوى الاحتماء بخطاب يقوم على المبالغة والتزييف، في محاولة لتسكين غضب الداخل”.