آخر الأخبار

رحلة العمر: من مكاتب المفقودات إلى "تحرك يا حاج".. قصة الحجاج مع حراس الحرمين (الحلقة 14) - العمق المغربي

شارك

سلسلة رحلة العمر.. انطباعات حاج مغربي

الحج ليس مجرد سفر أو تنقل بين شعائر وأمكنة، بل هو عبور روحي عميق يعيد صياغة علاقة المسلم بربه ونفسه والعالم من حوله، فمنذ أن نادى الخليل إبراهيم عليه السلام في الناس بالحج، ظل هذا الركن العظيم يجمع المسلمين من كل فج عميق، في مشهد مهيب تتجلى فيه وحدة الأمة ومساواتها أمام الله.

في هذه السلسلة التي تنشرها جريدة “العمق”، يوثق الحاج المغربي أحمد الطلحي، المنحدر من مدينة طنجة والخبير البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية، تفاصيل رحلته إلى الديار المقدسة خلال موسم 1446 هـ، بعد سنوات طويلة من الانتظار والدعاء.

بين الشوق قبل السفر، والسكينة في المشاعر، والمواقف المؤثرة في عرفات والطواف، يقدم الطلحي شهادة صادقة وتأملات روحية وإنسانية وتنظيمية، يشارك من خلالها القارئ مواقف لا تُنسى، ونصائح قد تعين المقبلين على هذه الفريضة العظيمة.

ـــــــــــــ

الحلقة 14: بين الأمان الإلهي والإجراءات الحكومية.. كيف تحمي الديار المقدسة حجاجها

1- مكة البلد الأمين:

الله سبحانه وتعالى خص مكة المكرمة بالأمن، وذكر ذلك في عدد من الآيات في القرآن الكريم:

– “فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف” (قريش: 4)

– “وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطورِ سِينِينَ، وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ” (التين: 1-3)

– “وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر” (البقرة: 126)

– “فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ * وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا * وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا * وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ” (آل عمران:97)

– “وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً” (إبراهيم:35)

كما أن المدينة المنورة جعلها الله آمنة ومحرمة أيضا، ومن أحاديث أمن المدينة المنورة نذكر:

– عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا؛ أَنْ لَا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَال” (رواه مسلم)

– عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: “أَهْوَى رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: إِنَّهَا حَرَمٌ آمِن” (رواه مسلم)

– عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: “الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ” (رواه مسلم).

2- الوضعية الأمنية في الديار المقدسة:

قلما تسمع بقصص الجرائم في الديار المقدسة، وقلما تسمع بحكايات السرقة فيها بالرغم من الازدحام الكبير الذي هو جنة اللصوص، وبالرغم من حمل كل الحجاج لجميع ما يملكونه من مال معهم.

ومظاهر الأمن في الديار المقدسة بارزة ويلاحظها الجميع، ومن ذلك:

– مكاتب المفقودات في الديار المقدسة:

توجد في المسجد الحرام والمسجد النبوي خدمات مخصصة للتعامل مع المفقودات ، بحيث إذا فقد الحاج شيئا من أمتعته يلجأ إلى مكاتب المفقودات. وهذا إعلان من هذه المكاتب يوضح الخطوات ومبادئ التعامل مع المفقودات في المسجد الحرام:

” – الإبلاغ عن المفقودات: يجب على الشخص الذي يجد مفقودات في المسجد الحرام أو في ساحاته أن يتوجه إلى أقرب مكتب لخدمة المفقودات والإبلاغ عنها. توفر هذه المكاتب موظفين مدربين لاستقبال المفقودات وتسجيلها في النظام

– تسجيل بيانات المفقودات: بمجرد تسليم المفقودات، يتم تسجيلها بدقة في النظام، بما يشمل وصفًا تفصيليًا للممتلكات، ووقت ومكان العثور عليها. هذا التسجيل يسهل على المالكين التعرف على ممتلكاتهم المفقودة

– تقديم طلب البحث عن المفقودات: يمكن للأشخاص الذين فقدوا أشياءهم التوجه إلى مكاتب المفقودات وتقديم طلب للبحث عن ممتلكاتهم. يتم تسجيل معلوماتهم وأوصاف الأشياء المفقودة للبحث عنها بشكل دقيق

مصدر الصورة

– التواصل مع أصحاب المفقودات: في حال تم العثور على المفقودات وتسجيلها في النظام، تقوم الجهة المسؤولة بالتواصل مع أصحابها – إن كانت بياناتهم متوفرة – وإبلاغهم بمكان وجودها وكيفية استعادتها

– التوجيه والإرشاد: تُقدم توجيهات خاصة للحجاج والزوار لتفادي فقدان ممتلكاتهم، كإبقاء المتعلقات الثمينة في أماكن آمنة، والحذر أثناء التنقل بين الزحام

– إرجاع المفقودات: يتم تسليم المفقودات بعد التحقق من هوية المالك والتأكد من ملكيته للمفقودات، ويتم ذلك وفق إجراءات تضمن الحفظ والأمان

– التنسيق مع الجهات الأمنية: في بعض الحالات، يتم التنسيق مع الجهات الأمنية إذا كانت المفقودات ذات طابع أمني أو خطير، حيث يتم التعامل معها بما يتناسب مع طبيعة الشيء المفقود.”

كما يمكن للحجاج التبليغ إلكترونيا عن مفقوداتهم عبر بوابة وزارة الداخلية “أبشر”، وبواسطة الهاتف والواتساب أيضا.

– الانتشار الكثيف والواسع لمختلف الأجهزة الأمنية:

حسب موقع جولف نيوز تم تجنيد أكثر من 40 ألف عنصر من الأجهزة الأمنية المختلفة لتأمين الحج بمكة المكرمة في موسم 1446.

كما يلاحظ في الميدان وجود عناصر أمنية من الجنسين بلباس مختلف بحسب الأجهزة الأمنية التابعة لها، وحسب السلطات السعودية فإن الأجهزة الأمنية الساهرة على أمن الحجاج وسلامتهم هي كالتالي:

“- الأمن العام:

يتولى الأمن العام مسؤولية حفظ الأمن والنظام في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، ويشمل ذلك الدوريات الأمنية، وإدارة تنظيم الحشود، ومكافحة المخالفات

مصدر الصورة

– القوة الخاصة لأمن المسجد الحرام:

تتبع للأمن العام، وتختص بتأمين الحرم المكي الشريف وحراسته، وتنظيم دخول وخروج الزوار، ومكافحة الظواهر السلبية، وإرشاد التائهين، واستقبال المفقودات

– الدفاع المدني:

يتولى مسؤولية السلامة والإطفاء والإنقاذ في الحرمين والمشاعر، ويشمل ذلك الاستعداد للحوادث الطارئة والإشراف على اشتراطات السلامة

– شرطة منطقة مكة المكرمة:

تشارك في حفظ الأمن والنظام، وتتولى التحقيق في المخالفات والجرائم التي تحدث في المنطقة”.

وهذه الأجهزة الأمنية تعمل بتنسيق تام فيما بينها لضمان أمن وسلامة الحجاج والمعتمرين والزوار، وتعمل ميدانيا وخلف الشاشات في مراكز التحكم.

والكثير من الحجاج يتضايقون من الإجراءات الأمنية ولا يرحبون بها، وقد تبدو لهم غير منطقية ومبالغ فيها، وفي بعض الأحيان يكون هناك احتجاج من بعض الحجاج وعدم الانصياع للتعليمات. لكن، من له معرفة بعمل الأجهزة الأمنية، يعلم أن كل الإجراءات الأمنية في الديار المقدسة ليست عشوائية، وإنما هي منظمة ومدروسة، والعناصر الأمنية لا تتصرف ميدانيا من تلقاء نفسها بل بحسب التعليمات والأوامر والتوجيهات التي تتلقاها من قياداتها الميدانية، وهذه الأخيرة تتلقى التعليمات من قياداتها المركزية التي تتابع التطورات الميدانية خلف الشاشات… والنتيجة هي أن كل مناسك الحج وتحركات الحجاج والمعتمرين تتم بسلام.

والشهادة لله، معاملة عناصر الأمن للحجاج كانت راقية، ولم نلاحظ حالات التشنج لبعض العناصر إلا لماما. بل، في جميع الأماكن المقدسة كانت العناصر الأمنية يرحبون بنا ويدعون لنا بقبول المناسك ومنهم من يطلب منا الدعاء لهم، وإذا ما كانوا يطلبون منا شيئا يطلبونه برفق، وفي الغالب بابتسامة، وكانوا يتجاوبون حينما نمازحهم. وحينما يطلب بعض الحجاج أخذ صور معهم يرحبون. ولقد عاينت حادثة امرأة من جنسية عربية كانت تتحدث بعنف مع عنصر من الأمن وجلست في الطريق ضدا على التعليمات، لكنه لم يعاملها بعنف، وحينما انفعل عليها تدخل زملاءه على الفور وأبعدوه وقاموا بإقناع المرأة بالامتثال للإجراءات.

ومن العبارات التي يرددها كثيرا عناصر الأمن والتي يحفظها جميع الحجاج وأحيانا يتداولونها فيما بينهم مازحين، أذكر: “ممنوع يا حاج”، “تحرك يا حاج”، “الطريق يا حاج”…

ـــــــــــ

* أحمد الطلحي: إطار مغربي وخبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا