انتقدت جمعيات مغربية نشر القانون رقم 03.23 القاضي بتغيير القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية في الجريدة الرسمية دون إحالته على المحكمة الدستورية، معتبرة أن “ذلك يُجسّد غياب الإرادة السياسية الحقيقية لمحاربة الفساد، ويعكس توجّهًا نحو تحييد المجتمع المدني ومنعه من المساهمة في تحريك المتابعة القضائية ضد المتورطين في نهب المال العام”.
وقالت هذه الجمعيات لهسبريس إن “الصيغة الجديدة للمسطرة الجنائية التي تم تهريبها من القضاء الدستوري تُقيد صلاحيات المجتمع المدني، خاصة الجمعيات المعنية بحماية المال العام”، وهو ما يُعدّ، بحسبها، “تراجعًا خطيرًا عن المكتسبات الدستورية والقانونية التي تخول للمجتمع دورًا رقابيًا فاعلًا في مكافحة الفساد”، وتسمح له بـ”المشاركة المواطنة والفاعلة في قضايا الشأن العام”.
وقال عبد الغني الراقي، عضو المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية المال العام، إن صدور هذا القانون في الجريدة الرسمية دون إحالته على القضاء الدستوري للنظر فيه يمثل غيابًا للإرادة السياسية الحقيقية في مكافحة الفساد، مشيرا إلى أن “الأصوات الرافضة للمادتين 3 و7 كانت تنتظر أن تبتّ في منع المجتمع المدني من تقديم شكايات بشأن الفساد، لكن هذا لم يحصل”.
وأضاف الراقي، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن “العديد من مؤسّسات الحكامة نبّهت إلى هذا الإشكال”، منتقدا صدور النص نهائيا، رغم أنه “يكبل النيابة العامة لتحريك المسطرة بناء على وشاية أو تسريبات أو حقائق نشرها الإعلام، وهذا لا يخدم مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في بلادنا لأن المجتمع المدني شريك أساسي في محاربة الفساد”.
وأوضح أن “الأمر في المسطرة الجنائية لا يختلف كثيرًا عن نظيرتها المدنية، وكان يتعين أن يبتّ القضاء الدستوري في مقتضياتها”، مبرزًا أن “هناك حالة واضحة من الفساد المؤسسي، إذ لم يُسجل أي تقدم يُذكر، بل ثبت أن الإرادة السياسية لمحاربة الفساد تظل غائبة، وهناك فئة في المجتمع تشرّع لنفسها ولحماية مصالحها بعيدا عن المساءلة، رغم أن هذه الفئة تُشكّل أغلبية داخل البرلمان بغرفتيه”.
وأكد المتحدث ذاته أن البرلمان بغرفتيه كان يجب أن يضغط في اتجاه خدمة المجتمع، لافتا إلى أنه لا أحد يمكن أن يكون ضد تفعيل قانون يهدف إلى حماية المال العام، أو ضد إخضاع قانون يمنع ذلك للرقابة الدستورية من قبل المحكمة الدستورية. وأبرز أن “من يعرقلون هذا المسار لا يُسيئون فقط إلى النظام القانوني، بل يُسيئون إلى المجتمع ككل، خاصة أن المسار الجنائي، بخلاف المسار المدني، أكثر خطورة لكونه يتصل مباشرة بإجراءات مثل الاعتقال، مما يجعل من الضروري توفر ضمانات حقيقية وفعالة لتحقيق العدالة وحماية المال العام”.
بدورها قالت إلهام بلفليحي، الكاتبة العامة للشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب، إن “صدور المسطرة الجنائية اليوم في الجريدة الرسمية، رغم ما تتضمنه من مقتضيات خلافية، يُظهر أن التشريع شابه خللٌ على مستوى موافقته ومطابقته للمضامين الدستورية”، مشيرة إلى أن “بعض هذه المقتضيات تُشجّع على الفساد، وتُعيق إمكانية المتابعة من طرف المجتمع المدني في القضايا المتعلقة بالمال العام”.
وأضافت بلفليحي، في تصريحها لجريدة هسبريس، أن “عدم إحالة القانون على المحكمة الدستورية يعكس بوضوح غياب الإرادة السياسية لدى الجهات التي يخولها الدستور هذه الصلاحية”. وتابعت قائلة: “في ظل هذا الغياب نأسف أيضًا لعدم صدور نص الدفع بعدم دستورية القوانين، إذ كان من شأنه أن يساهم في سد هذا الفراغ الذي تركته الحكومة”.
وأكدت أن “المطالبة بعدم دستورية هذا القانون تبقى واجبًا لأن ما نشهده اليوم هو محاولة لإضفاء شرعية شكلية على مسطرة مثيرة للجدل، من خلال استغلال الأغلبية العددية داخل البرلمان”، والتي “تجاوزت”، في نظرها، “الأعراف والأخلاق، وسعت إلى إظهار توافق مجتمعي غير حقيقي تفاديًا لأي طعن محتمل، كما حدث سابقًا مع المسطرة المدنية”.
وأجملت بلفليحي قائلة: “نحن اليوم أمام تراجع حقوقي، قانوني وأخلاقي واضح، تتحمل مسؤوليته الحكومة ومكوّناتها، في ظل برلمان بغرفتيه لا يقوم بدوره الرقابي والتشريعي المطلوب”، مبرزة أن “غياب الإرادة السياسية وتغوّل بعض مكونات الحكومة هو ما أوصلنا إلى هذا الوضع، وندعو الجميع إلى المطالبة العاجلة بتعديل هذه المسطرة حمايةً لمصداقية المؤسسات ووفاءً لشعار محاربة الفساد في هذا البلد”.