ألهبت كلمة ناصر الزفزافي، من على سطح منزله بمدينة الحسيمة، حماس العشرات من المشيعين الذين توافدوا إلى المكان للمشاركة في تشييع جثمان والده، أحمد الزفزافي، الذي وافته المنية مساء يوم أمس الأربعاء، بإحدى المصحات الخاصة، بعد صراع مع مرض السرطان.
وقبيل تشييع جثمان الراحل، عصر اليوم الخميس، قال قائد حراك الريف ناصر الزفزافي، في كلمة ألقاها خلال تلقيه للتعازي في وفاة والده، إنه لا شيء يعلو فوق مصلحة الوطن، واصفا والده بـ”أبو الأحرار والحرائر الذي نذر حياته في سبيل الوطن”، مضيفا: “حينما أقول الوطن أقصد به صحراؤه وجنوبه وشرقه وشماله”.
واعتبر مواطنون حضروا لمنزل الزفزافي لتقديم العزاء والمشاركة في الجنازة، أن كلمة ناصر تشكل تأكيدًا على مواقفه الوطنية وتشبثه بمصلحة الوطن، مشيرين إلى أن هذه الكلمة تحمل رسائل قوية إلى الجميع مفادها أن معتقلي حراك الريف ليسوا انفصاليين أو معادين للوطن، بل جزء أصيل من هذا الوطن.
وقال ناشط بالحسيمة في تصريح لجريدة “العمق”، إن كلمة ناصر الزفزافي تستلزم ردًا إيجابيًا من الدولة لطي ملف معتقلي الريف، مطالبين بمنحه عفوًا ملكيًا رفقة باقي المعتقلين من أجل إنهاء هذا الملف الذي عمر أزيد من 8 سنوات، معبرًا عن أمله في أن تتوج هذه الأجواء بالإعلان عن عفو ملكي بمناسبة ذكرى المولد النبوي.
وأوضح شاب آخر من الحسيمة في تصريح للجريدة، أن كلمة الزفزافي اليوم تؤكد على عدالة مطالب حراك الريف، وأنها ليست مطالب سياسية بل اجتماعية محضة من أجل رفع التهميش عن المنطقة ومنح أبناء الريف فرصة للعيش بكرامة، وفق تعبيره، معتبرًا أن الاحتجاجات كانت تطالب ببناء مدارس ومستشفيات وكليات وخلق فرص شغل للمنطقة.
وأضاف أن من أبرز المفارقات في جنازة أحمد الزفزافي، هو أنه توفي بمرض السرطان، وهو نفس المرض الذي كان يناضل ابنه رفقة نشطاء حراك الريف من أجل بناء مستشفى خاص به بالحسيمة، باعتبارها إحدى المناطق التي تسجل أعدادًا مرتفعة في الإصابة بهذا المرض الفتاك.
وفي تصريح آخر، قالت سيدة جاءت من مدينة الدار البيضاء، إن الأجواء التي تعرفها الحسيمة هذا اليوم، تفرض على الجهات المعنية منح الحرية لناصر الزفزافي ورفاقه، خصوصًا بعد الكلمة التي ألقاها من على سطح منزله، مشيرة إلى أن الإفراج عنه سيحقق مصالحة تاريخية مع سكان الريف، حسب قولها.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، امتلأت الصفحات والحسابات بمئات التدوينات التي تفاعلت مع كلمة ناصر الزفزافي، واعتبرتها فرصة حقيقية لطي ملف حراك الريف عبر الإفراج عن المعتقلين بقيادة ناصر، مؤكدين على أن نشطاء الحراك وطنيون عكس الاتهامات التي كانت توجه لهم بأنهم ضد الوطن.
وبعد زوال اليوم، ألقى ناصر الزفزافي، الذي مُنح ترخيصًا استثنائيًا لمغادرة السجن وحضور مراسم الدفن في مدينة الحسيمة، كلمة من على سطح منزله قائلًا إن “مصلحة الوطن فوق كل اعتبار”، مشددًا على أن الاختلاف في الآراء يجب أن يصب في نهاية المطاف في خدمة الوطن الذي يشمل كل ربوعه من شماله إلى جنوبه وصحرائه.
ووجه الزفزافي، شكرًا خاصًا لإدارة السجون، ممثلة في شخص المندوب العام، على المجهودات التي بذلت للسماح له بحضور مراسم دفن والده، قائلًا: “ما كنت لأكون اليوم معكم لولا فضل الله تعالى والمجهود الكبير الذي قام به المندوب العام لإدارة السجون”، مؤكدًا أن تحقيق هذا الأمر “لم يكن بالسهل”.
وتفاعل الحضور مع كلمة الزفزافي بشكل كبير، حيث تعالت هتافات تطالب بالحرية له ولباقي المعتقلين، فيما اختتم الزفزافي كلمته معتبرًا الحضور الجماهيري الكبير “انتصارًا للوطن”، في إشارة إلى التلاحم الذي أظهره المشيعون في هذا الظرف الإنساني.
جدير بالذكر أن أحمد الزفزافي توفي، مساء أمس الأربعاء، حيث أعلن طارق الزفزافي، نجل الراحل وشقيق ناصر، خبر الوفاة في تدوينة على حسابه بموقع “فيسبوك”، وذلك بعد ساعات من كشفه أن والده يوجد في قسم الإنعاش في لحظاته الأخيرة.
يذكر أن ناصر الزفزافي يقضي عقوبة سجنية مدتها 20 عامًا بسجن “طنجة 2″، عقب اعتقاله في ماي 2017 على خلفية الاحتجاجات التي شهدها إقليم الحسيمة منذ 2016، وهي العقوبة التي أكدتها محكمة النقض بالرباط سنة 2019، وشملت عددًا من نشطاء الحراك.
وكان ناصر الزفزافي قد استفاد من ثلاث رخص استثنائية لمغادرة السجن قصد عيادة والده المريض، أولها في يونيو 2021 لزيارته بإحدى المصحات بطنجة، ثم في يناير 2024 خلال زيارة جدته المريضة بالحسيمة، وأخيرًا في غشت الماضي حين تمكن من رؤية والده في مصحة خاصة بالمدينة، وفق ما أعلنته المندوبية العامة لإدارة السجون، حينها.