آخر الأخبار

شباب الصحراء يُغلقون أبواب الانفصال ويفتحون نوافذ مستقبل الوحدة والتنمية

شارك

تعيش الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية على وقع تحولات عميقة، ليس فقط على مستوى أوراش التنمية الاقتصادية والمشاريع المهيكلة التي أُطلقت بها، ولكن أيضًا على مستوى ساكنتها، خاصة فئة الشباب، التي أحدثت قطيعة مع أفكار جيل سابق كان يرى في “الانفصال” عن المغرب خلاصًا وهميًا؛ لكنها لم تكتفِ برفض هذا الخطاب، بل أغلقت وراءه أبواب الماضي وفتحت نوافذ جديدة على المستقبل، لتشكل قوة صاعدة تعيد رسم ملامح الصحراء المغربية على جميع المستويات.

الانتماء إلى الوطن والدفاع عن وحدته بالنسبة لجيل شباب اليوم من أبناء الصحراء لم يعد مجرد شعور عاطفي عابر أو موقف يُعلن عنه خوفًا أو طمعًا في مكاسب معينة، بل أصبح قرارًا واقعيًا وخيارًا واعيًا ينم عن فهم عميق لواقع الصحراء وللتحول الذي شهدته، مدعومًا بالمبادرات التنموية والاقتصادية الكبرى التي جعلت من هذه الفئة المجتمعية فاعلًا رئيسيًا في مسار بناء نموذج جهوي متقدم وفي حماية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، التي حولت صحراءها من ساحة نزاع مفتعل إلى نموذج استقرار وسيادة غير قابلة لأي مساومة.

وعي متجدد وفرص فعلية

زكرياء شاكر، الرئيس العام لـ”الهيئة المغربية للشباب الملكي الصحراوي”، قال في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية إن “الأقاليم الجنوبية للمملكة تشهد دينامية غير مسبوقة، عنوانها الأبرز وعي الشباب الصحراوي المتجدد وانخراطه الواعي في معركة الدفاع عن الوحدة الترابية بروح المسؤولية الوطنية، وإرادة صادقة للمشاركة في مسيرة التنمية الشاملة”.

وأضاف شاكر أن “الجيل الجديد من شباب الصحراء المغربية يتميز بوعي وطني راسخ وإدراك عميق لعدالة قضيتنا الأولى”، وزاد: “إذا كان الجيل السابق حمل المشعل بصدق وإخلاص رغم محدودية الإمكانيات والظروف، فإن جيل اليوم يجمع بين العاطفة الوطنية والمعرفة السياسية، مستفيدًا من الانفتاح الرقمي ومن حضور الدولة القوي في الأقاليم الجنوبية. واليوم نرى شبابًا يدافعون عن الوحدة الترابية ليس فقط بالشعارات، بل بالعلم والمعرفة والانخراط في التنمية”.

وحول العوامل التي ساهمت في تعزيز وعي الشباب في الصحراء بوطنهم واهتمامهم بمستقبل مجتمعهم أشار المتحدث ذاته إلى “الرؤية الملكية السامية التي جعلت من الصحراء ورشًا مفتوحًا للتنمية والاستثمار، والسياسة التعليمية التي غرست في الناشئة قيم المواطنة والوحدة الوطنية من خلال المناهج وتوسيع فضاءات النقاش داخل المؤسسات الجامعية، إلى جانب المشاريع الاقتصادية الكبرى التي حولت الأقاليم الجنوبية إلى أقطاب صاعدة، وأتاحت فرصًا فعلية للإبداع والعمل أمام الشباب”، مبرزًا أن “هذه العوامل مجتمعة جعلت الشباب الصحراوي أكثر تعلقًا بمغربه، وأكثر استعدادًا للتضحية دفاعًا عن ثوابته”.

وذكر الفاعل المدني ذاته أن “السياسات الحكومية في الصحراء لم تكن مجرد مشاريع على الورق أو للاستهلاك السياسي، بل تحولت إلى واقع ملموس في حياة المواطنين؛ فالنموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية، الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس، غيّر ملامح المنطقة وأعطى الشباب الثقة في أن الدولة ماضية في ربط التنمية بالكرامة”، وزاد: “من سيدي إفني إلى الداخلة نشاهد موانئ وطرقًا وكليات ومستشفيات ومشاريع كبرى للطاقة المتجددة. وهذه الأوراش الإستراتيجية رسخت قناعة لدى الشباب بأن مستقبلهم في حضن الوطن، وبأن الوحدة الترابية ليست مجرد شعار، بل مشروع حياة وفرص حقيقية”.

وخلص شاكر إلى أن “التحول الحاصل اليوم في وعي الشباب في الأقاليم الجنوبية هو ثروة وطنية يجب استثمارها”، مردفا: “على صناع القرار أن يجعلوا من الشباب شركاء حقيقيين، وذلك عبر تمكينهم من مواقع القرار محليًا وجهويًا ووطنيًا، والاستثمار في التكوين السياسي والمدني لتعزيز مشاركتهم الفعّالة في الحياة العامة، وتشجيع المقاولة والابتكار لخلق نخب اقتصادية جديدة من أبناء المنطقة”، معتبرًا أن “الأقاليم الجنوبية ليست فقط قضية وطنية، بل هي نموذج لمغرب المستقبل، حيث الجهوية المتقدمة تجسد الاندماج الوطني، وحيث الشباب الصحراوي يرفع راية الوحدة بكل فخر واعتزاز”.

مناعة ومشاركة فاعلة

من جهته أكد عبد الوهاب الكاين، فاعل مدني وحقوقي، نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، أن “الجيل الجديد من الصحراويين اكتسب مناعة تجاه دعوات الانفصال في علاقة بقضية الصحراء مقارنة مع الأجيال السابقة، لأسباب عدة، لعل أبرزها التغيير الكبير في طبيعة ممارسة السياسة وطرائق ضمان الولوج إلى الحقوق واحترام الحريات وجودة تقديم الخدمات، بعيدًا عن أساليب البيروقراطية العمياء”.

وتابع الكاين بأن “المقاربة الأمنية الشفافة والمعتدلة ساهمت بشكل كبير في انخراط الشباب في السياسة والتعبير عن تطلعاتهم السياسية والحقوقية دون خوف، وعززت فهمهم لدور المؤسسة الأمنية في انتهاج سياسة القرب الخادمة للأمن والاستقرار وحفظ الأرواح والممتلكات، عوض ما يروج له الخصوم من ادعاءات تتلخص في استهداف سمعة الأجهزة الأمنية والسلطات الإدارية، بهدف تأجيج غضب السكان وتصوير الوضع في الأقاليم الجنوبية بغير المستقر لاستدرار مواقف دولية معادية للمملكة المغربية”.

وأوضح المتحدث لهسبريس أن “أهم عنصر ساعد في ترجيح قناعات الأجيال الجديدة في مواجهة المد الانفصالي، المبني على الإشاعة وترويج الأخبار الزائفة وخطابات الكراهية الممزوجة بالتمييز العنصري بين مختلف مكونات النسيج الصحراوي على أساس قبلي مقيت أو مناطقي، يتمثل في هذا الزخم التنموي الذي أرسى قواعده جلالة الملك محمد السادس بجعل الأقاليم الجنوبية في قمة اهتمامات الحكومة التنموية، وقرر جعل النموذج التنموي الجديد قاطرة بين المغرب وأقاليمه الصحراوية وعمقه الإفريقي، ما انعكس إيجابًا على استيعاب الأجيال الجديدة لالتزام الدولة بتنمية الصحراء بغض النظر عن عوالق السياق وتعقيدات النزاع المفتعل”.

وسجل الحقوقي ذاته أن “أجيال الصحراويين الجديدة ساهمت على هذا الأساس في مسار المصالحة الوطنية وطي آلام الماضي، وشاركت بكثافة في رسم معالم مستقبل المنطقة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، عبر تكوين نخب سياسية وإدارية واقتصادية وتعزيز قدراتها لتدبير شؤون المنطقة بما يضمن الشفافية وتيسير الولوج إلى الحقوق والحريات بسلاسة”، مبرزًا أن “إقبال الشباب على ممارسة السياسة في الأقاليم الجنوبية يعد ممارسة فضلى ترنو إلى تقريب الشأن العام من المواطن في الصحراء المغربية، ودعوة مفتوحة لمساهمة المحليين في وضع تصورات لقضاياهم والتحديات التي تعترض تنمية المنطقة”.

وزاد الكاين: “لا غرابة في تسجيل أعلى معدلات المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية بالأقاليم الجنوبية في العقدين الأخيرين، لأن اللجوء إلى مقاربات تنموية وسياسات وخطط نابعة من الإنصات لتطلعات السكان وموجهة للاستجابة لحاجياتهم من التنمية قوّى بشكل ملحوظ قناعة الشباب بالمناطق الجنوبية للانخراط بقوة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للإقليم”.

وشدد الفاعل المدني والحقوقي ذاته على أهمية “إعداد سياسات تراعي العمل على إدماج أكبر لشباب الصحراء في صناعة القرار محليًا ومركزيًا، ومنحهم فرصة لتدبير فضاءات جديدة، وفسح المجال أمامهم لتدبير الشأن العام وحيازة تجربة في تسيير الجماعات الترابية، وتسهيل الانخراط في كافة المبادرات والإستراتيجيات الرامية إلى معالجة قضايا المنطقة بما يشمل الترافع الدولي عن مغربية الصحراء والترافع عن قضايا المغرب محليًا ووطنيًا ودوليًا”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا