آخر الأخبار

هتك عرض قاصر يعيد نقاش المعاناة النفسية لضحايا الاعتداءات الجنسية

شارك

بين الحين والآخر تعود إلى الواجهة أخبار صادمة عن تعرض قاصرين، ذكورا وإناثا، لحوادث الاغتصاب والاعتداءات الجنسية وهتك العرض، وهي وقائع تهز الرأي العام لما تنطوي عليه من بشاعة وخطورة على المجتمع عامة، وعلى الضحايا بشكل خاص.

في هذا السياق، أثير جدل حول تعرض طفل ينحدر من مدينة اليوسفية لهتك عرض جماعي داخل خيمة بموسم مولاي عبد الله أمغار بإقليم الجديدة من طرف أشخاص يختلف عددهم بحسب الروايات (بين 5 و14 شخصا)، وهو ما أعاد النقاش حول الآثار النفسية العميقة التي تخلفها مثل هذه الجرائم في نفوس الضحايا، وحاجتهم الملحة إلى الرعاية النفسية لاستعادة حياتهم الطبيعية في أقصر وقت ممكن.

آثار نفسية متنوعة

ندى الفضل، أخصائية ومعالجة نفسية إكلينيكية، قالت إن “هتك عرض الطفل يخلف آثارا على الصعيد النفسي والعاطفي، كالشعور بالذنب والخجل، حتى لو أن الطفل غير مسؤول، إضافة إلى فقدان الثقة بالآخرين، خاصة الكبار والأشخاص الموثوق بهم، ثم الاكتئاب والقلق واضطرابات النوم والكوابيس المزعجة”، لافتة أيضا إلى “أعراض ما بعد الصدمة (PTSD)، المتعلقة بتكرار الحدث في الذهن، وتجنب الأماكن أو الأشخاص المرتبطين بالحادث، فرط الاستثارة، وفقدان الإحساس بالأمان الشخصي والشعور بالعجز”.

وعلى الصعيد الاجتماعي والسلوكي، ذكرت الفضل، في تصريح لهسبريس، “الانعزال عن الأسرة والأصدقاء، وصعوبة التواصل، والمشاكل في المدرسة أو الأداء الاجتماعي، والسلوك العدواني أو الانطوائي أحيانًا”، منبهة إلى أن “هذه الأعراض إذا لم تُعالج فقد تتسبب على المدى الطويل في اضطرابات في العلاقات العاطفية والجنسية، ومشاكل في تقدير الذات والخوف من الثقة بالآخرين، واحتمال إيذاء النفس أو الانتحار في الحالات الشديدة”.

وعن كيفية التعامل مع ضحايا الاغتصاب وهتك الأعراض، أكدت ندى الفضل ضرورة “الاستماع للطفل بهدوء وبدون لوم، والتأكيد أن ما حدث ليس خطأه أبدًا، وحمايته من أي تواصل مع المعتدين أو أي ضغوط”، إضافة إلى “الدعم الأسري، باعتبار الأسرة والأقارب مصادر أمان واستقرار”، و”الصبر وعدم إجبار الطفل على الحديث عن تفاصيل الحادثة”، و”المشاركة في جلسات العلاج النفسي عند الحاجة”.

وشددت الأخصائية والمعالجة النفسية على أهمية الدعم القانوني والاجتماعي، من خلال “التواصل مع الجهات المختصة لحماية الطفل بطريقة تراعي سلامته النفسية، والحفاظ على خصوصية الطفل وعدم نشر تفاصيل الحادث”، مؤكدة أهمية العلاج النفسي المتخصص، عبر “العلاج السلوكي المعرفي للأطفال لمعالجة الكوابيس والقلق والخوف”، و”العلاج النفسي التدعيمي لتعزيز الثقة بالنفس وإعادة الإحساس بالأمان”، و”العلاج الأسري لتعليم الأسرة أساليب دعم الطفل واستعادة الروابط الصحية”، و”التدخل الطبي النفسي في الحالات الشديدة لعلاج الاكتئاب أو اضطرابات النوم”.

ودعت الأخصائية والمعالجة النفسية أسر الضحايا إلى “الحفاظ على الروتين اليومي للطفل لتقليل القلق”، و”تشجيعه على التعبير عن مشاعره بالحديث أو اللعب أو الرسم”، و”تعزيز علاقات إيجابية مع أشخاص موثوق بهم”، و”حماية الطفل من أي موقف قد يذكره بالحادث”، و”مراقبة وسائل الإعلام والمحتوى الرقمي لتجنب التعرض لمواقف مشابهة”، و”الحرص على الدعم المستمر والاحتضان العاطفي اللذيْن يعززان التعافي وإعادة الشعور بالأمان”.

ولفتت ندى الفضل إلى أهمية التربية الجنسية للطفل، من خلال “تعليمه حدود جسده وحقه في الرفض”، و”تمييز السلوكيات الصحيحة والخاطئة”، و”تشجيعه على التحدث عن أي تحرش أو إزعاج”، إضافة إلى التوعية بالبيدوفيليا للأهل والمجتمع، عبر “التعرف على علامات التحذير للسلوكيات المشبوهة لدى البالغين”، و”تدريب الأسرة على التدخل وحماية الطفل والإبلاغ المبكر”، و”محاربة الوصمة الاجتماعية حول الانتهاك والتأكيد على أن الطفل غير مذنب”.

بين المعاناة والعلاج

محمد شفيق الوزاني، أخصائي نفسي إكلينيكي، قال إن “الطفل الذي قد يتعرض لاعتداء، سواء كان اغتصابا مباشرا أو ملامسات أو مضايقات جنسية، من الممكن أن يصاب بما يسمى بالصدمة الجنسية، وهذه الوضعية تترتب عنها اضطرابات ما بعد الصدمة، وهي اضطرابات تظهر من خلال أعراض متعددة، أهمها نوبات متكررة من الكوابيس والقلق، قد تكون مرتبطة بالحادث بشكل مباشر أو تأتيه في مواقف مختلفة لكنها تحمل الانزعاج نفسه”.

وأضاف أن “من أبرز الأعراض أيضا ما يسمى الرجوع الزمني أو ‘الفلاشباك’، حيث يسترجع الضحية الحدث كما وقع بالألم والمعاناة نفسيهما، مما يسبب له مشاكل كبيرة على مستوى صحته النفسية، والمصاب يحاول في هذه الحالة تجنّب الأماكن أو الأشخاص الذين يذكرونه بالحادث”، مضيفا أن “الضحايا يعانون أيضا من اضطرابات مزاجية وقلق شديد، وقد تصل الأمور في بعض الحالات إلى اضطراب الهوية الجنسية، خاصة عندما يصاحب الاعتداء شعور قوي بالعار والذنب، حيث يعتقد الضحية أنه لو لم يتواجد في ذلك المكان لما تعرض للاعتداء، مما يعزز لديه الشعور بالدونية واحتقار الذات”.

وأكد محمد شفيق الوزاني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الاضطرابات النفسية تنعكس بشكل مباشر على العلاقات الاجتماعية، حيث يُصاب المعتدى عليه بالانعزال وصعوبة تكوين الصداقات، بل قد تظهر مشاكل في العلاقة مع الشريك أو مع الجنس الآخر عموما”.

وعن كيفية التعامل مع الضحايا، قال الأخصائي النفسي الإكلينيكي: “يجب أن يكون التعامل معهم بحذر شديد، لأن أي تصرف غير مدروس قد يزيد من آلامهم النفسية، خاصة وأن بعض الأسر أو الأقارب يجهلون كيفية التعامل مع الطفل أو الفرد الذي تعرض للاعتداء الجنسي، فيلجؤون إما إلى التستر على الجريمة باعتبارها طابو وفضيحة، أو إلى لوم الضحية، وهذا لا يزيد إلا في تعميق معاناته وتعزيز شعوره بالذنب واحتقار الذات”.

وشدد محمد شفيق الوزاني على أن “المطلوب من الأسرة هو توفير بيئة آمنة للطفل أو الضحية، تمنحه الطمأنينة وتقبله كما هو، مع إبعاده عن الوسط الذي شهد الاعتداء وكل ما يذكره به، ولو كان شيئاً بسيطا، كما ينبغي اللجوء إلى مساعدة متخصصة عبر الأخصائيين النفسيين”، منبها إلى أهمية “توجيه الطفل أو الشخص الضحية إلى أخصائي نفسي ومعالج مختص، لما لذلك من أهمية قصوى في مساعدته على التخلص من معاناته النفسية وأفكاره السلبية”.

وأشار الوزاني إلى أن “من أنجع الطرق العلاجية، العلاج المعرفي السلوكي الذي يهدف إلى تغيير الأفكار التلقائية والسلبية الناتجة عن الحادث بأفكار أخرى إيجابية، مما يساعد على تجاوز مشاعر الذنب واحتقار الذات، إضافة إلى العلاج الخاص بالصدمات، الذي يمكن المعالِج من مساعدة الضحية على تجاوز الذكريات المؤلمة والفلاشباكات السلبية، واستبدالها بآليات تفكير أكثر صحة”، مشددا على أن “الأسرة مطالبة بإعادة بناء الثقة لدى الضحية، وتوفير الأمان له، ومساعدته تدريجيا على العودة إلى حياته الطبيعية من خلال الأنشطة اليومية والدراسة والعمل، والاندماج في المجتمع من جديد”.

وختم الأخصائي النفسي توضيحه بالتأكيد أن “الدعم الاجتماعي يلعب دورا أساسيا، سواء من خلال الأسرة أو من خلال خلايا الدعم وجمعيات المجتمع المدني التي توفر فضاءات علاج جماعي (Group Therapy)، حيث يلتقي الضحايا الذين مروا بالتجربة نفسها، فيشعر الفرد بأنه ليس وحيدا، وأن هناك من عانى مثله واستطاع تجاوز المحنة، وهذا النموذج يمكن أن يشكل حافزا للضحية لاستعادة حياته الطبيعية بشكل تدريجي”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا