معزًّزا بتوجيهات دقيقة أصدرها المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى رؤساء المحاكم بـ”تعزيز التنسيق بين المتدخلين”، مع ضرورة “تخصيص قاضٍ لتطبيق هذه الجزاءات، وأن يكون منطوق الحكم بها واضحا ودقيقا”، يتضمن الحكم بالعقوبة الحبسية الأصلية وجميع البيانات الجوهرية المتعلقة بالعقوبة البديلة، يدخل اليوم الجمعة 22 غشت الجاري حيز التنفيذ القانون رقم 43.22 المتعلق بتلك العقوبات، وكذا مقتضيات مشروع المرسوم رقم 2.25.386 بتحديد كيفيات تطبيقها.
وفي 22 ماي الماضي كان مجلس الحكومة صادق على المرسوم التطبيقي، الذي يتوخى “تنزيل مقتضيات المادتين 1-647 و13-647 من القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، على النحو الذي يمكن من معالجة كافة الجوانب المتعلقة بتنظيم اختصاصات الإدارة المكلفة بالسجون في مجال تتبع تنفيذ العقوبات البديلة على المستوى المركزي والمحلي، وكذا تحديد كيفيات تدبير القيد الإلكتروني”، مع ضمان التنسيق لتنفيذ فعّال.
وشددت الرسالة الدورية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بشأن “ضمان حسن تنزيل قانون العقوبات البديلة (رقم 43.22) ومرسومه التطبيقي” على أن “نجاح العقوبات البديلة مرتبط بتعاون وتنسيق فعال بين قضاء الحُكم، قضاء تطبيق العقوبات والنيابة العامة ومُديري المؤسسات السجنية، والمصالح أو المؤسسات المستقبلة للعمل أو العلاج أو التأهيل، لضمان وضوح الالتزامات وسلامة المتابعة اليومية للتنفيذ”.
بدورها أصدرت رئاسة النيابة العامة، قُبيل حلول موعد تطبيق القانون والمرسوم، “دليلاً استرشادياً لقضاة النيابة العامة حول تنفيذ العقوبات البديلة”؛ وهو “وثيقة مرجعية تُوضح مضمون الإجراءات المنظَّمة بمقتضى القانون رقم 22-43، كما تقدم الأجوبة عن مجموعة من الإشكالات والصعوبات التي يمكن أن تبرز بمناسبة تطبيق العقوبات البديلة، التي يمكن الاسترشاد بها أثناء مباشرة الصلاحيات الممنوحة لقضاة النيابة العامة، وفق ما يحقق الأهداف والغايات المأمولة، ويضمن الموازنة بين مصلحة أطراف الخصومة الجنائية ومصلحة الدولة، من خلال التخفيف من الأعباء المالية التي تُثقل ميزانيتها بسبب ما يتطلبه تدبير وضعية السجناء المحكومين بعقوبات سالبة للحرية من نفقات”.
وفصّل الدليل، الذي طالعت هسبريس نسخة منه، في “ما يتعين على قضاة النيابة العامة القيام به أثناء تفعيل الاختصاصات الممنوحة لهم بمقتضى القانون رقم 43-22، سواء على مستوى اقتراح العقوبة البديلة أو أثناء الشروع في تنفيذها إلى غاية تمامها أو خلال مواكبة هذه المرحلة”.
القانون جاء بمصفوفة من آليات العقوبات البديلة، فيما أوضحت الدورية المذكورة، إلى جانب البيانات المشتركة لجميع المقررات التنفيذية، “بيانات خاصة حسب كل نوع من العقوبات البديلة”.
بالنسبة لعقوبة “العمل لأجل المنفعة العامة” تتعلق هذه البيانات بـ: “طبيعة العمل الذي يتعين على المحكوم عليه إنجازه، والمؤسسة أو المصلحة المستقبلة لتنفيذ العقوبة”، فضلا عن “العنوان الكامل لمكان التنفيذ، والمدة الإجمالية للعقوبة وعدد الساعات أو الأيام المحددة؛ إلى جانب البرنامج الزمني للتنفيذ وتوزيع الساعات أو الأيام المتفق عليه مع المؤسسة المعنية”.
أما بشأن “عقوبة المراقبة الإلكترونية” فالبيانات متعلقة بنوع النظام المطبَّق (ثابت أو متحرك)، والعنوان الدقيق لمكان الإقامة أو الأماكن المسموح بها، والقيود الزمنية أو الجغرافية المحددة في المقرر، وكذا مدة الخضوع للعقوبة (بالأيام أو الأشهر)، فضلا عن أرقام الهواتف للتواصل الفوري، وأسماء الأشخاص المرجعيين.
بالنسبة لعقوبة “الغرامة اليومية” تتصل البيانات المحددة في دورية السلطة القضائية، بالاستناد إلى المرسوم التطبيقي للقانون ونصّه، بـ”عدد أيام العقوبة الحبسية الأصلية”، و”عدد الأيام المخصومة إذا كان قضى فترة اعتقال”، مع تحديد “مبلغ الغرامة المحدد لكل يوم” و”مجموع المبلغ الواجب أداؤه”؛ كما تتضمن البيانات الخاصة بـ”آجال الأداء أو التقسيط إذا أُذِن به”، و”إثبات التعويض أو الصلح أو التنازل عند الاقتضاء”، فيما حُدد “أجل التنفيذ” في 6 أشهر من تاريخ صدور المقرر التنفيذي (الفصل 35.15 من القانون الجنائي).
أما بشأن البيانات ذات الصلة بـ”التدابير الرقابية أو العلاجية أو التأهيلية” فأورد المصدر ذاته “نوع النشاط المهني أو البرنامج التكويني المتعيّن الالتحاق به ومدته الزمنية، والعنوان أو المؤسسة التي يجب عليه ارتيادها، مع تحديد أوقات الحضور والانصراف بدقة، إلى جانب الأماكن الممنوع ارتيادها أو تلك التي يجب تجنبها، والأوقات المقررة لذلك، فضلا عن السلطات أو المصالح التي يجب عليه المثول أمامها، والجدولة الزمنية للحضور”.
كما يجب تحديد “نوع العلاج” (هل نفسي، ضد الإدمان…) والمؤسسة المعنية، وكيفية تنفيذه ومدته الزمنية، مع “كل المعطيات التفصيلية التي تمكن المصلحة المختصة من متابعة التنفيذ بشكل دقيق”.
القانون الذي يأتي بهدف واضح: تخفيف الاكتظاظ السجني وإعادة إدماج المحكوم عليهم في المجتمع، وضع شروطا محددة بغرض “الاستفادة من العقوبات البديلة”، وتحديث إصلاحات “العدالة الجنائية”.
وتتمثل أبرز هذه الشروط في “ألاّ تتجاوز العقوبة الحبسية للمحكوم عليه 5 سنوات”، مع ضمان “غياب العَوْد”؛ أي عدم العودة لارتكاب الجرائم.
وفي المقابل فإن القانون الذي يدخل حيز التطبيق تضمن “استثناء الجرائم الخطيرة”؛ وهي “الإرهاب، الجرائم المالية الكبرى، غسل الأموال، الاتجار بالمخدرات أو بالبشر، إضافة إلى الاستغلال الجنسي للقاصرين”.
من أجل توفير فرص واقعية لتنفيذ العقوبات البديلة في “آجال معقولة” تم تحديد مُدَد تنفيذها القانونية مع إمكانية تمديدها مرة واحدة.
وتحدَّد آجال تنفيذ “العمل لأجل المنفعة العامة” في “6 أشهر قابلة للتمديد لمرة واحدة، لمُدة مماثلة”، حسب الفصل 35-7 من القانون الجنائي.
وحُددت الآجال بالنسبة لـ “الغرامة اليومية” في: 6 أشهر “قابلة للتمديد مرة واحدة”، حسب الفصل 35-15 من القانون الجنائي.
بينما تُنفذ “التدابير العلاجية أو الرقابية” في مدة “6 أشهر قابلة للتمديد لمرة واحدة”، حسب الفصل 35-13 من القانون الجنائي.
وفي حالة الإذن بتقسيط الغرامة اليومية ما لم يكن المحكوم عليه معتقلًا يتعين أداء 50% من المبلغ فورا، مع إمكانية جدولة الباقي، طبقا للمادة 647-18 من قانون المسطرة الجنائية.
ويعد تدبير هذه الآجال “بشكل دقيق”، حسب توصيف مجلس السلطة القضائية، جزءً حاسما من ضمانات التنزيل الفعّال والتوازن لنظام العقوبات البديلة، بما يحقق “الأمن القانوني” ويكرس الثقة في العدالة.
يشار إلى أنه “في انتظار إرساء نظام معلوماتي مندمج من طرف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، لتداول مختلف الوثائق المتعلقة بتنفيذ العقوبات البديلة، تتعين إحالة المقررات القضائية على المؤسسات السجنية من طرف مَن يتم انتدابه لهذا الأمر”.