بمناسبة دخول القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة حيز التنفيذ اليوم الجمعة، اعتبر وزير العدل والحريات الأسبق، المصطفى الرميد، أن العدالة الجنائية المغربية تشهد “حدثا هاما”، مشيدا بالخطوة التي طال انتظارها، لكنه في الوقت ذاته سجل سلسلة من الملاحظات النقدية حول مقتضيات القانون وتحديات تطبيقه.
وفي تدوينة مفصلة نشرها على صفحته الرسمية بموقع “فيسبوك”، وصف الرميد القانون الجديد بأنه تتويج لمسار إصلاحي طويل، انطلق منذ المناظرة الوطنية حول السياسة الجنائية بمكناس عام 2003، مرورا بتوصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة، وصولا إلى التوجيهات التي تضمنها الخطاب الملكي لعام 2009.
وقدم الرميد قراءة شاملة للقانون الجديد، مزج فيها بين الترحيب بهذا الإنجاز التشريعي الذي طال انتظاره، وبين توجيه انتقادات حادة لمقتضيات اعتبرها “غير موفقة”، محذرا في الوقت ذاته من أن نجاح هذا الورش الإصلاحي الكبير يبقى رهينا بتجاوز تحديات التطبيق على أرض الواقع.
ولم يفوّت وزير العدل والحريات الأسبق، الفرصة لتوجيه نقد سياسي للحكومة الحالية، متهما إياها بـ”سحب مشروع تعديل القانون الجنائي الشامل الذي أُحيل على مجلس النواب سنة 2016 دون وجه حق”، وبنسبة بعض المقتضيات الحالية لنفسها بعد أن كانت مضمنة في مسودات سابقة.
إصلاح طال انتظاره.. وإشادة مشروطة
في مستهل تحليله، وضع الرميد القانون في سياقه الصحيح، موضحا أنه يضيف نوعا جديدا من العقوبات إلى جانب العقوبات الأصلية (كالإعدام والسجن والحبس) والإضافية (كالحجر القانوني)، مبرزا أن هذه العقوبات هي بديلة فقط للعقوبات السالبة للحرية، وتحديدا تلك ذات الطبيعة الجنحية التي تصدر فيها المحكمة حكما بالحبس تقل مدته عن خمس سنوات، مشددا على أنها لا تطبق في حالة العود، وتشترط قبول المحكوم عليه بتنفيذها.
وأشاد الوزير الأسبق ببعض جوانب القانون، موجها تحية خاصة لوزير العدل الحالي لتمسكه بمقتضى “الغرامة اليومية”، الذي أثار الكثير من الجدل خلال مناقشته، معتبرا أن ربط تطبيق هذه العقوبة بـ”الإدلاء بما يفيد وجود صلح أو تنازل صادر عن الضحية أو ذويه، أو قيام المحكوم عليه بتعويض أو إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة” هو انتصار لمفهوم العدالة التصالحية التي وصفها بأنها “أسمى صور العدالة المنصفة”. ومع ذلك، فإن إشادته ظلت مشروطة، حيث ربط نجاح القانون برمته بقدرة الفاعلين في المنظومة القضائية على استيعاب مقاصده السامية وتوفير شروط تطبيقه السليم، وهو ما فصل فيه لاحقا.
ثغرات في النص.. مخاوف من استثناءات غير موفقة
خصص الرميد الجزء الأكبر من تدوينته لتسليط الضوء على ما اعتبره “ثغرات” ومواطن ضعف في النص التشريعي، خاصة فيما يتعلق بقائمة الجرائم المستثناة من تطبيق العقوبات البديلة، والتي تضم ثمانية أنواع من الجرائم الخطيرة كأمن الدولة والإرهاب وغسل الأموال والاختلاس والرشوة.
وانتقد بشدة استثناء جرائم الإرهاب بشكل مطلق، معتبرا أن هذا الاستثناء مفهوم بالنسبة للجرائم الكبرى، لكنه غير موفق فيما يخص الفصل 218.2 المتعلق بـ”الإشادة بالأفعال الإرهابية”. وشرح وجهة نظره قائلا: “قد تقف المحكمة على إشادة لا تكتسي خطورة من حيث نتائجها، وقد تتعلق بتهور لفظي، فتحكم على المتهم بالحبس بأقل من خمس سنوات، يمكن أن تستبدل بذم الإرهاب بأشكال مختلفة… إن ذلك سيكون أفضل للمجتمع من الحبس، خاصة في حالة إبداء الندم وإعلان الاعتذار”.
وبنفس المنطق النقدي، تناول استثناء بعض جرائم الفساد المالي كالغدر والتبديد والاختلاس. وضرب مثالا بحالة تبديد أو اختلاس أموال تقل قيمتها عن مائة ألف درهم، حيث يعاقب الجاني بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات. وتساءل لماذا لا يتم استبدال هذه العقوبة بعقوبة مالية مضاعفة تكون أكثر ردعا وفائدة للخزينة العامة، مقدما حسبة دقيقة قائلا: “الحكم مثلا على شخص بسنتين حبسا نافذا، إذا تم استبداله بعقوبة الغرامة اليومية بـ500 درهم، فستكون القيمة الواجب أداؤها 365 ألف درهم… فما بالك إذا كانت العقوبة أربع سنوات حبسا نافذا، حيث ستكون المبالغ مضاعفة”.
وعلى النقيض تماما، أبدى الرميد استغرابه الشديد من عدم إدراج جريمة الاتجار في المخدرات (على المستوى الوطني) ضمن قائمة الجرائم المستثناة، قائلا: “لا شيء يبرر عدم إيراد جريمة الاتجار في المخدرات ضمن الجرائم المستثناة، إذ إنها خطيرة جدا على أمن المجتمع وصحة الأفراد”، معتبرا أنه كان من الواجب استثناؤها أسوة بالاتجار الدولي في المخدرات والمؤثرات العقلية، رغم أنه أقر بأن جريمة استهلاك المخدرات، التي تكتظ السجون بمرتكبيها، ستخضع للعقوبات البديلة وهو أمر إيجابي.
في الجزء الأخير من تحليله، وجه الرميد بوصلته نحو التحدي الأكبر؛ التنفيذ. وأطلق تحذيرا قويا مفاده أن “القوانين مهما كانت جيدة، فإن جودتها تتبخر إذا لم تجد موارد بشرية مؤهلة ومحفزة ونزيهة”. ورسم خريطة للمسؤوليات، ملقيا بالعبء الأكبر على قضاء الحكم الذي يجب أن يستوعب مقاصد القانون، والنيابة العامة التي دعاها إلى عدم الطعن في أحكام العقوبات البديلة إلا لأسباب استثنائية جداً، لأن الطعن يؤجل التنفيذ ويفرغ العقوبة من محتواها، خاصة إذا كان المحكوم عليه معتقلا، مشيرا إلى الدور الحاسم الذي سيلعبه قاضي تنفيذ العقوبة وإدارة السجون التي وصفها بـ”رأس الرمح في التنفيذ”.
ولم يتردد في التعبير عن مخاوفه من “التواطئات البيروقراطية” التي قد تجعل عقوبة مثل “العمل للمنفعة العامة” مجرد حبر على ورق، مشبها إياها بما يقع أحيانا من “توقيع الحاضر من بعض الموظفين، نيابة عن الغائبين منهم”. وربط نجاح التطبيق بتوفير الإمكانيات المادية والبشرية الكافية، مذكرا بأن إجراءات أخرى مهمة كـ”المراقبة القضائية” و”الإقامة الإجبارية” لا يتم اللجوء إليها بشكل واسع حاليا بسبب هذه المعيقات.
واختتم الرميد تدوينته بطرح سؤالين جوهريين للمستقبل؛ الأول، لماذا لم يتم اعتماد “المراقبة الإلكترونية” ضمن إجراءات المراقبة القضائية التي تقررها النيابة العامة أو قضاء التحقيق؟ والثاني، والأكثر عمقا، هو التساؤل عن مدى ملاءمة *”الإبقاء على عقوبة الحبس الموقوف التنفيذ” بعد دخول العقوبات البديلة حيز التطبيق.
واعتبر الوزير الأسبق أن القاضي سيواجه خيارات متعددة ومعقدة، وأن عقوبة وقف التنفيذ أصبحت “مجردة عن ماهيتها الملموسة” وعقوبة معنوية فقط، داعيا إلى نقاش موضوعي حول جدوى استمرارها. ورغم كل ملاحظاته، أكد أن القانون يظل خطوة مهمة في مسار استكمال إصلاح المنظومة الجنائية التي ما زالت في حاجة إلى مراجعة عميقة وشاملة.