أكد محمد بن سالم المالك، المدير العام لمنظمة التربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، أمس الإثنين، أن الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية بات قضية “تؤرق الإنسانية”، في ظل “تصاعده الخطير”، مفيدا بأن استرجاع هذه الممتلكات يتطلّب “التنسيق العاجل” بين الدول.
المالك، الذي كان يتحدّث خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي حول “دور هيئات الجمارك في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية”، الذي يحتضنه مقر “الإيسيسكو” بالرباط خلال الفترة ما بين 30 يونيو و5 يوليوز، قال إن “هذه القضية (الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية) باتت تؤرق الإنسانية وتشكل هاجس القيم الحضارية”.
ووضّح المسؤول الثقافي في العالم الإسلامي، بحضور مسؤولين أجانب ومغاربة رفيعي المستوى، ضمنهم الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئيس النيابة العامة، ووزيرا الشباب والثقافة والعدل، أنه “في عالم يتقدم بخطوات متسارعة نحو المستقبل ترتفع جرأة أيدي النهب على ماضينا، وتتسابق عصابات تهريب الآثار إلى سرقة الذاكرة وتزوير التاريخ مع تصاعد وتيرة التكنولوجيا”.
وشدد المتحدث ذاته، في افتتاح الحدث المنظم بشراكة بين “الإيسيسكو” واللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة بالمغرب، والهيئة العامة للجمارك بقطر ومكتبة قطر الوطنية، على أن “الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية مضى يشهد تصاعدا خطيرا”، مُستحضرا أن “قيمة هذه السوق السوداء تتجاوز ما بين 6 و12 مليار دولار سنويا”.
استدعى المالك تجارب عربية في هذا الصدد، ضمنها “نهب آثار الموصل، وتدمير ومحو معالم تدمر (السوري)؛ وكذلك مخطوطات صنعاء التي تُهرّب وتباع في مزادات الظلام”، وقال إن “استرجاع هذه الممتلكات يتحقق حين تتكامل الأيدي وتتآزر الإرادات وتتلاقى الدول والمؤسسات في عمل مشترك يتجاوز الحدود والممتلكات”.
وشدد المسؤول الثقافي عينه على أن “ما يحدث من تهريب ونهب للتراث لهو من أبشع صور الفساد التي تستدعي موقفًا ثابتا وضميرا يقظا وقرارات جريئة”.
وأكد المدير العام لـ”الإيسيسكو” أن “المحافظة على الممتلكات الثقافية تعني صيانة روح الأمة، وحماية ذاكرتها، وحفظ ملامحها أمام عواصف التغيير”، بما أن “الممتلكات الثقافية تحمل رسائل صامتة، تنطق بحكايات الشعوب وتختزن حكمة القرون، وتشهد على وجودها حين تتغير الأوطان وتتبدل الأجيال”.
ووضّح المتحدث رؤيته في هذا الجانب بالقول إن “التعاون الدولي هو المركب الذي يعيد هذه المتتلكات المنهوبة إلى مرافئها الأصلية، كما أن التنسيق العاجل بين الدول هو الذي يفتح الأبواب لاستعادتها، ويقطع الطريق على من يتاجرون بتاريخنا”، بتعبيره.
أضاف المالك أن “الإيسيسكو” وضعت “إستراتيحية شاملة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، تنهض بالحياة، وتحتمي بتشريعات وطنية قوية وتعتمد على تأهيل الكفاءات، وتربط قواعد البيانات وتستثمر الذكاء الاصطناعي”، وزاد: “التعاون الدولي يضيق الخناق على شبكات التهريب مهما تشعبت مسالكها”.
أشاد المدير العالم لمنظمة “الإيسيسكو” بعناية الملك محمد السادس بالتراث وصيانته؛ “إذ جعل حماية الممتلكات الثقافية جوهر السياسات الوطنية وروح المشاريع الكبرى، وأطلق مبادرات سباقة لصيانة المدن التاريخية وتأهيل المواقع الأثرية واستعادة القطع المهربة”.
وخلص المالك إلى أن توجيهات ملك المغرب تعد “مرجعا يهتدي به كل العاملين في حماية الذاكرة المغربية، حتى أصبحت (دولة) المغرب نموذجا يحتذي به عالميا في صيانة التراث واسترجاعه”.
كما لم يفت المسؤول الثقافي البارز التأكيد على إيمان “الإيسيسكو” بأن “التراث الثقافي رسالة حيّة تحمل ملامح الأمة، وتوثّق نبضها، وتمنحها القوة، وتفتح أمامها أبواب السلام، وتبني بين شعوبها جسور التقارب”.
خلال الجلسة العلمية ذاتها شددت هوسم تان، المديرة التنفيذي لمكتبة قطر الوطنية، على “خطورة التهديدات المتزايدة التي تواجه التراث الثقافي”، وعلى “دور السلطات الجمركية في مواجهة هذه التهديدات”.
وأكدّت المسؤولة الثقافية القطرية، في كلمتها أمام المسؤولين الجمركيين والثقافيين الأجانب والمغاربة، “أهمية العمل المشترك بين المؤسسات المعنية (بحماية التراث الثقافي) ووسائل الإعلام والمجتمع”، مشددة على أن “القطع الثقافية تجسّد هويتنا الجماعية؛ فهي تحفظ ذاكرتنا، وتعكس شخصيتنا، وتكشف قيمنا ومعتقداتنا”، وزادت: “من خلال العمل جنبًا إلى جنب مع شركائنا الإقليميين والدوليين نؤكد التزامنا بالتصدي للاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية وضمان صونها للأجيال القادمة”.
من جانبه شدد طلال عبد الله الشيبي، مساعد رئيس الهيئة العامة للجمارك للشؤون الجمركية في دولة قطر، في كلمة عبر الفيديو، على “أهمية التعاون مع جهات مثل مكتبة قطر الوطنية والإيسيسكو في تعزيز قدرة هيئات الجمارك على حماية التراث الثقافي في المنافذ الحدودية”.
وقال الشيبي للمسؤولين الحاضرين في أشغال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر إن “سلطات الجمارك هي خط الدفاع الأول الذي يتصدى لتهريب الممتلكات الثقافية، ولذا فهي تضطلع بدور محوري في مكافحة الاتجار غير المشروع بهذه الممتلكات”، بتعبيره.