بمناسبة اليوم العالمي للعمل البرلماني الذي يُحتفل به في 30 يونيو من كل سنة، تبرز الدبلوماسية البرلمانية كجزء من هذا العمل وكرافد من أهم الروافد الأساسية للدفاع عن المصالح القومية الوطنية؛ وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية للمملكة، إذ يضطلع أعضاء البرلمان بمسؤوليات كبيرة تتمثل في نقل الرواية الوطنية الصحيحة والمعززة بدلائل تاريخية وسياسية وقانونية إلى الهيئات التشريعية الأخرى، خاصة تلك الداعمة للانفصال في الصحراء أو المترددة في اتخاذ موقف تجاه الملف، من أجل تفنيد مختلف الأطروحات الوهمية في إطارات مؤسساتية، بما يعزز من مصداقية المغرب وحقه التاريخي على كامل أراضيه.
ودعا متتبعون، بمناسبة هذا اليوم، إلى تطوير أدوات الدبلوماسية المغربية، وتقوية قدرات النواب والمستشارين في الترافع عن القضايا الوطنية وفي مواكبة الفعل السياسي الخارجي، مع توحيد الجهود بين مجلسي البرلمان، ودمج البرلمانيين ذوي الأصول الصحراوية في هذا النسق الدبلوماسي المؤسساتي، انسجاما مع توجيهات الملك محمد السادس في هذا الصدد.
وأكد العاهل المغربي محمد السادس، في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، في أكتوبر الماضي، على ضرورة “شرح أسس الموقف المغربي للدول القليلة التي ما زالت تسير ضد منطق الحق والتاريخ، والعمل على إقناعها بالحجج والأدلة القانونية والسياسية والتاريخية والروحية التي تؤكد شرعية مغربية الصحراء”، مبرزا أن هذا الأمر يقتضي “تضافر جهود كل المؤسسات والهيئات الوطنية، الرسمية والحزبية والمدنية، وتعزيز التنسيق بينها، بما يضفي النجاعة اللازمة على أدائها وتحركاتها”.
وشدد ملك البلاد على أهمية الدور الفاعل للدبلوماسية الحزبية والبرلمانية في كسب المزيد من الاعترافات بمغربية الصحراء، وتوسيع الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي، داعيا في هذا الصدد إلى “المزيد من التنسيق بين مجلسي البرلمان بهذا الخصوص، ووضع هياكل داخلية ملائمة، بموارد بشرية مؤهلة، مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص في اختيار الوفود، سواء في اللقاءات الثنائية أم في المحافل الجهوية والدولية”.
قال عبد الفتاح بلعمشي، رئيس المركز الدولي للدبلوماسية وحوار الحضارات، إن “الدبلوماسية البرلمانية، كمفهوم، بدأت تتبلور في تدبير البرلمان المغربي بمجلسيه، تماشيا مع مطالبة الملك محمد السادس جميع المعنيين، أحزابا وبرلمانا وهيئات المجتمع المدني، بالقيام بأدوارهم الترافعية حول قضية الوحدة الترابية للمملكة، على اعتبار أن مرحلة حسم السيادة ليست مرحلة للتراخي في شرح الموقف الوطني، خاصة للدول ذات المواقف الرمادية من قضية الصحراء”.
وأوضح بلعمشي، في حديث مع هسبريس، أن “المجهود الذي يُبذل لتعزيز أدوار الدبلوماسية البرلمانية المغربية لا يمكن إنكاره؛ غير أن العمل البرلماني في مجال الفعل الخارجي يحتاج إلى مزيد من التدقيق والاستهداف والمهنية والفعالية على مستوى النتائج”، مشددا في الوقت ذاته على ضرورة “توحيد جهود مجلسي النواب والمستشارين على هذا المستوى من أجل صياغة دبلوماسية برلمانية موحدة”.
وتابع المصرح عينه: “النواب أو المستشارون قد تكون لديهم كفاءات في مجال ما؛ لكن في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية يجب تحري نوع من التدقيق. كما يجب تعزيز مهارات البرلمانيين على هذا المستوى، وخلق آلية تكنوقراطية-بيروقراطية لمواكبة العمل الذي يقوم به البرلماني، إذ من غير المقبول أن يذهب هذا الأخير إلى دولة دون أن يكون على علم بطبيعة التوازنات السياسية داخلها أو بطبيعة خطاب وسائل إعلامها وغيرها من الأمور التي تُعد من أسرار نجاح وفعالية الدبلوماسية البرلمانية”.
وذكر رئيس المركز الدولي للدبلوماسية وحوار الحضارات أنه “حينما نتحدث اليوم عن الدبلوماسية البرلمانية، لا نقصد فقط القضية الوطنية؛ فهناك ملفات أخرى تخدم الإشعاع الاقتصادي والثقافي والعلمي للمغرب، يجب أن يُساهم العمل البرلماني فيها، وأن يكون مكملا للدبلوماسية الرسمية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس”، مسجلا أن “إشراك أو تبوؤ مجموعة من الأشخاص المنحدرين من الأقاليم الجنوبية لمواقع معينة وقيادية داخل البرلمان هو أمر مفيد، فيما يمكن أن نعتبره تصحيحا لمجموعة من المغالطات حول قضيتنا الوطنية وإسقاطا لوهم احتكار البوليساريو لتمثيل الصحراويين”.
اعتبرت شريفة لموير، باحثة في الشؤون السياسية والدولية، أن “الدبلوماسية البرلمانية تُعد إحدى الآليات الفاعلة في تعزيز الترافع عن القضايا الوطنية في المحافل الدولية، لما توفره من فضاء للتواصل المباشر مع البرلمانات الأجنبية، ومساحة لتوضيح الموقف المغربي بشأن القضايا الاستراتيجية؛ وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، وذلك في إطار مؤسساتي يتيح فرصة لتصحيح الصور المغلوطة والتصدي لخطاب الانفصال”.
وأبرزت لموير، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “للبرلمانيين دورا كبيرا في الدبلوماسية البرلمانية، ومما لا شك فيه أن وجود برلمانيين من أصل صحراوي يُعتبر ذا دور ريادي في الدفاع عن القضية الوطنية، سواء محليا أو دوليا”.
وسجلت المتحدثة ذاتها أن “الترافع حول القضية الوطنية من قِبل أبناء المنطقة داخل المنظمات الدولية والمؤسسات التشريعية الدولية يحمل طابع الشرعية، ويُعزز الإقناع بدرجة أكبر”.
وشددت الباحثة في الشؤون السياسية والدولية على أن “الدفاع عن القضية الوطنية من قِبل أبناء الأقاليم الصحراوية أنفسهم له انعكاسات داخلية أيضا، من خلال إضعاف خطاب الانفصال والتغرير الذي يُستهدف من خلاله الناشئة داخل الأقاليم الجنوبية. كما يساهم في صياغة سردية دقيقة ومقنعة تستند إلى الشرعية التاريخية والمشروعية السياسية، وفي حشد باقي مكونات المشهد السياسي والمدني المغربي للقيام بدورهم الترافعي وفق رؤية منسقة”.
وخلصت لموير إلى أن “الدفاع عن القضية الوطنية يستلزم إشراكا قويا لبرلمانيين مغاربة من أصول صحراوية؛ أولا من منطلق الإشراك وتجنّب الإقصاء، وثانيا لما لهم من قدرة أكبر على التأثير في الرأي العام الدولي بطابع أكثر إقناعا”.