آخر الأخبار

"نزهات فصل الربيع" ترمم العلاقات الاجتماعية وتضبط التوازن النفسي

شارك

مع حلول فصل الربيع، يقبل الكثير من الناس على الطبيعة والغابات والمنتزهات بحثا عن لحظات من السكينة والاستراحة النفسية من ضغوط الحياة اليومية، حيث تغري الأجواء الدافئة والمناظر الزاهية بالابتعاد عن صخب المدينة والانغماس في حضن الطبيعة، لعلها تخفف التوتر وتُعيد الطاقة النفسية والشعور بالتوازن والانسجام الداخلي.

ويحرص الكثير من الناس، في خرجاتهم إلى الطبيعة، على ممارسة أنشطة متنوعة تجمع بين الاسترخاء والمتعة. وتُعد النزهات العائلية من أبرز هذه الأنشطة، إلى جانب المشي في المسارات الطبيعية، وتبادل الأحاديث وسط الأجواء الهادئة.

كما يقبل البعض على إعداد وجبات في الهواء الطلق، أو ممارسة ألعاب جماعية خفيفة؛ فيما يختار آخرون لحظات من التأمل أو القراءة تحت ظلال الأشجار.

وفي خضم الإقبال على الطبيعة في فصل الربيع، تبرز تساؤلات عديدة حول الدافع الحقيقي وراء هذا الميل إلى الفضاءات الخضراء، وحول خصوصية هذا الفصل مقارنة بباقي الفصول. كما تتولد تساؤلات حول تأثير الطبيعة على التوازن الداخلي للإنسان، وحول ما إذا كان الجلوس تحت ظلال الأشجار أو المشي بين الممرات الطبيعية كفيلا فعلا بمنح الراحة النفسية المطلوبة.

علاقات مع الطقس

مصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي، قال إن “سيكولوجية الإنسان ومشاعره، إلى جانب إحساسه بالرفاه النفسي، تتأثر بشكل واضح بالزمن وبالخصوصيات المناخية التي تميز الفصول”.

وأورد السعليتي، في تصريح لهسبريس، أن “الطقس، سواء كان حارا أو باردا، كما هو الحال في العديد من المدن المغربية، يؤثر في المزاج والحالة النفسية للإنسان. كما أن هناك عوامل كثيرة تساهم في هذا التأثير؛ لكن الطقس يظل من أبرزها”.

وأضاف الأستاذ الجامعي أن “الطقس لا يُؤثر فقط على مستوى الإحساس الجسدي؛ بل يُسهِم في تشكيل نمط الحياة اليومية، إذ يتيح للإنسان فرص الخروج إلى المنتزهات وممارسة أنشطة متعددة؛ مما يعزز الشعور بالراحة النفسية”.

وفي هذا الصدد، أبرز المتحدث ذاته أن “الدينامية التي يخلقها الطقس المعتدل تفتح المجال أمام الإنسان لاكتساب طاقة إيجابية وشعور بالحيوية، على اعتبار أن جمالية الأشياء لا تعبر عن نفسها إلا عندما يكون الطقس جميلا”.

وأكد السعليتي أن “العلاقة بين الإنسان وبين المناخ ليست فقط علاقة فيزيائية؛ بل تتخذ بعدا أنتروبولوجيا، حيث يعيش الإنسان من خلال الطقس ذاكرة جماعية وثقافة متجذرة، يستحضر عبرها لحظات جميلة من الماضي”، لافتا إلى أن “هذه التجربة ليست محصورة في السياق المحلي فقط؛ بل تندرج ضمن ظاهرة عالمية، مع خصوصيات ثقافية وطنية تظهر في طريقة تفاعل الناس مع التغيرات المناخية، بما في ذلك علاقتهم بأجسادهم وملابسهم وعاداتهم اليومية”.

وقال المتخصص في علم النفس الاجتماعي إن “الاعتدال المناخي، كما هو الحال في فصل الربيع، يخلق نوعا من الانسجام الطبيعي مع الإنسان، لكونه لا يتسم لا ببرودة قاسية ولا بحرارة مفرطة؛ وهو ما يجعله أقرب إلى طموحات الإنسان في العيش بهدوء والتفاعل الإيجابي مع الطبيعة”، مؤكدا أن “الحرارة المفرطة، على سبيل المثال، قد تصبح عاملا مزعجا يضعف التركيز ويؤثر على جودة النوم والراحة النفسية”.

وختم السعليتي توضيحاته بالإشارة إلى أن “فصل الربيع يمثل، في الوعي الجمعي، مرحلة للانفتاح والاستمتاع بالخروج، بخلاف فصل الشتاء الذي يفرض الانعزال داخل الفضاءات المغلقة، خاصة في البلدان التي تعرف برودة شديدة”، مشيرا إلى أن “هذا الفصل يحيل في الذاكرة إلى لحظات جميلة من الطفولة والمراهقة، من أنشطة رياضية ولقاءات اجتماعية؛ مما يفسر الارتباط النفسي الإيجابي به، سواء تعلق الأمر بالماضي أو بالتطلعات المستقبلية”.

علاج بالطبيعة

ندى الفضل، معالجة وأخصائية نفسية إكلينيكية، قالت إن “فصل الربيع يحمل تغييرات بيئية وبيولوجية تؤثر مباشرة على الحالة النفسية. ومن أبرز هذه التغيرات زيادة التعرض لأشعة الشمس، حيث يُحفز الضوء الطبيعي الجسم على إنتاج ‘السيروتونين’؛ وهو هرمون يرتبط بالسعادة والاستقرار النفسي”، مشيرة إلى أن “تحسن الطقس واعتداله يُساهم في تقليل التوتر وتحسين جودة النوم والنشاط العام”.

وأضافت الفضل، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “انتعاش الطبيعة في هذا الفصل له دور كبير أيضا؛ فمشاهد تفتح الأزهار، والألوان الزاهية، وأصوات العصافير تمنح الإنسان إحساسا بالحياة والجمال؛ ما يُقلل من الشعور بالضيق أو الاكتئاب. كما أن الأجواء المعتدلة تشجع على زيادة الحركة والنشاط البدني؛ وهو ما يعزز إفراز ‘الإندورفينات’، وهي مواد طبيعية ترفع المعنويات وتُحسن الحالة النفسية بشكل ملحوظ”.

واستدركت الأخصائية النفسية الإكلينيكية قائلة: “رغم أن فصل الربيع يُعتبر فترة انتعاش نفسي وتحسن في المزاج لدى عدد كبير من الناس، فإن هذا لا ينطبق على الجميع؛ فهناك حالات قد تتأثر سلبا، مثل الذين يعانون من اضطراب ثنائي القطب، حيث يمكن أن يؤدي التغير في الإيقاع البيولوجي وزيادة الضوء إلى تحفيز نوبات من النشاط الزائد أو ‘الهوس’. لذلك، من المهم أن يكون هناك وعي بهذه الحالات ومتابعة نفسية منتظمة لمن يعانون منها للحفاظ على التوازن النفسي خلال هذا الفصل”.

وأكدت المتحدث نفسها أن “الربيع يُعد فرصة لبداية جديدة، ويمكن استغلال طاقته المتجددة لبدء عادات جديدة وصحية”، مؤكدة أن “هذا الفصل يساعد في ترك العادات السلبية وخلق نمط حياة إيجابي أكثر توازنا. كما أن ‘العلاج بالطبيعة’ أو ما يُعرف بـEcotherapy يوفر دعما نفسيا فعالا، حيث يُسهم الوجود المنتظم في بيئة طبيعية في تهدئة الذهن وتقليل مستويات القلق”.

استجمام وتواصل

ترى ندى الفضل بأن “فصل الربيع يعزز فرص التواصل الاجتماعي، بفضل الطقس المعتدل الذي يشجع على الخروج والمشاركة في أنشطة جماعية”، مبرزة أن “هذا النوع من التفاعل يُقوي العلاقات الاجتماعية ويُخفف من الشعور بالوحدة؛ ما يُساعد في تحسين المزاج العام والشعور بالانتماء والدعم النفسي”.

ونصحت المعالجة والأخصائية النفسية الإكلينيكية بـ”الاستفادة من ضوء النهار الطبيعي عن طريق تخصيص وقت يومي للتعرض للشمس، حتى ولو من خلال النافذة أو الشرفة، مع فتح الستائر والسماح بدخول الضوء الطبيعي الذي يُحسن المزاج بشكل تلقائي، إضافة إلى ممارسة الرياضة في الهواء الطلق، سواء عبر المشي أو الجري في الطبيعة أو حتى أداء تمارين بسيطة في الحديقة”.

ودعت المتحدثة ذاتها إلى “تقليل وقت الشاشة مقابل العودة إلى الطبيعة، عبر تقليص استخدام الهاتف والتلفاز، واستبداله بنزهة قصيرة أو جلسة تأمل في الهواء الطلق، مع كتابة أهداف بسيطة وبدء العمل عليها، مثل ‘المشي يوميا’ أو ‘قراءة كتاب'”، منبهة إلى أن “الإحساس بالتقدم، مهما كان بسيطا، يُعزز الثقة بالنفس”.

وختمت ندى الفضل توضيحاتها قائلة: “إن فصل الربيع ليس فقط فصل الأزهار؛ بل هو فرصة حقيقية لتجديد النفس والعقل، ولبناء توازن داخلي بعد شتاء طويل. ومع ذلك، يجب أن نُدرك أن تأثير الفصول يختلف من شخص إلى آخر. لذا، من المهم أن نكون أكثر وعيا بأنفسنا وبالآخرين”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا