آخر الأخبار

"عدوانية السّياقة" تسائل تأثيرات الأحوال النفسية والتنشئة الاجتماعية

شارك

منبهات السيارات تملأ المدارات الطرقية، صراخ وتبادل للسب والشتم بين عدد من سائقي السيارات والشاحنات والدراجات النارية والهوائية؛ هي مشاهد تكاد تكون يومية بشوارع وأزقة عدد من المدن المغربية، وتعكس حجم التوتر الذي يرافق القيادة بشكل عام وخلال أوقات الذروة بشكل خاص، حيث يجد السائقون أنفسهم في سباق دائم ضد الزمن، وسط ازدحام خانق وضغوط متزايدة، مما يجعلهم أكثر عرضة للانفعال الذي يزداد بازدياد حجم المدينة وعدد وسائل النقل فيها.

وعند وقوع حادثة سير، مهما كانت بسيطة، يصعب على فئة من السائقين ضبط الأعصاب أو البحث عن حلول ودية، حيث يسود بين أطراف الواقعة نوع من التحدي والعناد ورفض الاعتراف بالخطأ أو التنازل، مما يساهم في تصاعد الخلافات بدل تهدئتها بالشكل الذي يجعل هذا السلوك محلّ نقاش وتحليل، يقتضي إجراء مقاربة من الناحية الاجتماعية، وأخرى من الزاوية النفسية الوجدانية.

القيم والتنشئة الاجتماعية

مصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي، قال إن “السلوك السلبي الذي نشهده في المجتمع المغربي، سواء كان صراخًا أو سبًّا أو عدوانية، يعود إلى الحالة النفسية المتوترة التي يعيشها المواطن، وهذه الحالة ليست حكرًا على الفقراء، بل يعاني منها الجميع، حتى من يملكون إمكانيات مادية”، موضحا أن “التوتر والقلق يؤثران على قدرة الفرد في اتخاذ قرارات عقلانية، مما يجعله أكثر اندفاعًا في تصرفاته اليومية وأقل قدرة على ضبط النفس والتسامح”.

وأضاف السعليتي، في تصريح لهسبريس، أن “الضغوطات اليومية التي يعيشها الإنسان في هذا العصر تلعب دورًا كبيرًا في خلق هذا السلوك العدواني، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية تجعل الفرد يشعر بالعجز والإحباط، خاصة عندما لا تتناسب قدراته مع متطلبات الحياة، وهذا التفاوت يولد توترًا داخليًا، وغالبًا ما يتم التعبير عنه من خلال سلوك عدواني تجاه الآخرين، حيث يبحث الفرد عن متنفس لهذه المشاعر السلبية في التعاملات اليومية، سواء في العمل أو الشارع أو المنزل”.

وأكّد التحدث أن “هذا السلوك العدواني غالبًا ما يجد مبرراته في تحميل المسؤولية للآخرين، بدلًا من الاعتراف بالدور الشخصي في خلق المشكلات”، موضحا أنه “عندما يشعر الفرد بالظلم أو الضغط، فإنه يميل إلى إلقاء اللوم على الآخرين، مما يؤدي إلى ضعف قيم التسامح والتفاهم. ونتيجة لذلك، يُلاحظ اليوم تراجع في الاحترام المتبادل والاستعداد للتنازل، حيث أصبح من الشائع أن ينظر كل شخص للآخر كمصدر تهديد أو عائق بدلًا من شريك في المجتمع”.

وقال أستاذ علم النفس الاجتماعي إن “إحدى المشكلات الأساسية التي تعزز هذا السلوك هي الخلل في التنشئة الاجتماعية”، مؤكّدا أن “القيم التي تُغرس في الأفراد خلال مراحل الطفولة والتربية يجب أن تكون أساسًا للتحكم في السلوك خلال الأزمات، لكن عندما تكون التنشئة ضعيفة، فإن الفرد يفشل في ضبط نفسه عند مواجهة ضغوطات الحياة. وهكذا، كلما زادت الضغوطات، زادت العدوانية، خاصة في غياب منظومة تربوية قوية تُعزز قيم التسامح والاحترام المتبادل بين الأفراد”.

وأضاف مصطفى السعليتي: “المفارقة أن الشخص الذي قد يكون عدوانيًا في الشارع أو في تعاملاته اليومية، نجده أحيانًا شديد التدين أو ملتزمًا بممارسات دينية مثل صلاة التراويح في رمضان، وهذه الازدواجية تعكس طبيعة الشخصية المغربية التي تجمع بين التناقضات، حيث يمكن للفرد أن يكون عدوانيًا في موقف ومتسامحًا في آخر حسب الظروف”، منبّها إلى أن “ما يُلاحظ اليوم في الشارع المغربي يثير القلق حول مستقبل قيم التسامح والاحترام”.

من الزاوية النفسية

ندى الفضل، أخصائية نفسية إكلينيكية، قالت إن هذه الظاهرة تُعرف بمفهوم “الغضب المرتبط بالقيادة”، وهي “حالة انفعالية تتميز بالتوتر والعصبية أثناء قيادة السيارة أو الشاحنة أو الدراجة النارية…، وغالبًا ما تكون انعكاسًا لحالة نفسية واجتماعية أوسع، وتنتج عن أسباب عدة، كالضغط النفسي والتوتر العام المرتبط بالعيش في بيئات حضرية مكتظة ومتطلبة، مما يزيد من مستويات التوتر، ويجعل السائق أكثر استعدادًا للغضب والانفعال السريع”.

وأضافت الفضل، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الإحباط والشعور بعدم السيطرة يساهمان في انتشار هذه الظاهرة، إذ إن الازدحام المروري، والتأخر عن الوصول، والسلوك غير المتعاون من الآخرين، (عوامل) تؤدي إلى شعور السائق بالعجز، مما يثير ردود فعل غاضبة”، إضافة إلى “السِّلك المكتسبة التي تعتبر العدوانية أثناء القيادة-في بعض البيئات طبعا-وسيلةً طبيعية لحل النزاعات المرورية، مما يعزز استمرارها”.

وأكدت الأخصائية النفسية أن “الإجهاد العصبي ونقص مهارات إدارة الغضب لدى بعض الأفراد الذين يفتقرون إلى استراتيجيات فعالة للسيطرة على غضبهم، يجعلهم أكثر عرضة للانفجار عند أقل استفزاز”، مضيفة أن “الإحساس بعدم الاحترام أو الظلم يثير استجابة دفاعية أو انتقامية من طرف السائق الذي يشعر بأن الآخرين يعتدون على ‘حقه’ في الطريق”.

وللتخفيف من حدّة الظاهرة أومعالجتها، اقترحت الأخصائية النفسية الإكلينيكية “تعزيز الوعي النفسي وإدارة الغضب، من خلال تعليم السائقين استراتيجيات التحكم في الانفعالات، مثل تقنيات التنفس العميق أو إعادة التقييم المعرفي للموقف”، و”تنظيم حملات توعية حول تأثير الغضب أثناء القيادة على السلامة العامة”، و”تحسين جودة الطرق ونظام السير والجولان بهدف تقليل الازدحام”، و”وضع قوانين صارمة ضد السلوك العدواني في القيادة وتطبيقها بصرامة”.

وتبّهت ندى الفضل إلى ضرورة “تشجيع ثقافة الاحترام والتسامح في الطرقات، من خلال إدخال برامج تعليمية في المدارس لتطوير عقلية قيادة أكثر هدوءًا وتسامحًا”، و”إطلاق حملات إعلامية تسلط الضوء على الآثار السلبية للسلوك العدواني أثناء القيادة”، و”تشجيع أساليب الحياة الصحية مثل ممارسة الرياضة، والتأمل، والاسترخاء”، و”الحد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تزيد من التوتر العام”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا