آخر الأخبار

الخياري يضيء عتمات المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية‎

شارك

استعرض شكيب الخياري، قانوني وحقوقي مغربي، الجدل الذي أثارته المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية في الأوساط القانونية المغربية، مركزا على الانتقادات التي طالت هذه المادة “الفريدة”.

ويناقش الباحث الخياري، ضمن مقال معنون بـ”إضاءات بشأن المادة 3 من مشروع المسطرة الجنائية” توصلت به هسبريس، الأبعاد القانونية لهذه المادة، لا سيما مسألة تعارض هذه المادة مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، مشيرا إلى أن الاتفاقية لا تفرض على الدول تمكين الأفراد أو الجمعيات من تقديم شكاوى مباشرة للقضاء؛ بل تترك لها حرية تحديد آليات مكافحة الفساد.

كما تطرق المصدر ذاته إلى الانتقادات الموجهة إلى هذه المادة من قبيل: “ادعاء عدم إمكان تصور حالة التلبس في جرائم المال العام، وكذا انتهاك المادة 3 لاستقلال النيابة العامة”، مشددا أنها لا تشكل انتهاكا لهذا الاستقلال؛ بل تتوافق مع الممارسات القانونية السابقة في المغرب، مثلما كان معمولا به في محكمة العدل الخاصة أو القضاء العسكري.

هذا نص المقال:

أثارت المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية جدلا واسعا في الأوساط القانونية، حيث رأى البعض أنها تقيد سلطة النيابة العامة في ملاحقة جرائم الفساد المالي من خلال اشتراط ورود الملفات من جهات إدارية، باستثناء حالات التلبس؛ بينما اعتبر آخرون أنها تهدف إلى تنظيم معالجة هذه القضايا ضمن إطار قانوني منظم ودقيق. ومع ذلك، تركزت العديد من الانتقادات على بعض النقاط التي طرحت بطريقة تبدو غير دقيقة من الناحية القانونية، سواء فيما يتعلق بالتشريع الوطني أو باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

وتنص هذه المادة على أنه “لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات. كما لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية إلا بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك. خلافا للفقرة السابقة، يمكن للنيابة العامة المختصة إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية تلقائيا في الجرائم المشار إليها أعلاه إذا تعلق الأمر بحالة التلبس”.

ومن أبرز الانتقادات التي أثيرت حول هذه المادة أنها تعتبر مخالفة للمادة 13 من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، التي يتم الترويج على أنها تشدد على وجوب تمكين الأفراد والجمعيات من الإبلاغ عن الفساد لدى القضاء. أما فيما يتعلق بحالات التلبس في الجرائم المالية، فقد تم الادعاء بعدم إمكانية تصورها قانونا نظرا لطبيعة هذه القضايا. كما تمت الإشارة إلى تأثير المادة 3 على استقلال السلطة القضائية، على اعتبار أنها تفرض على النيابة العامة أن تكون ملاحقة هذه القضايا مرهونة بإحالة الملفات من جهات إدارية إلى رئاسة النيابة العامة، وأن هذا الإجراء يحد من حرية النيابة العامة في اتخاذ قرارات مستقلة بشأن متابعة الجرائم؛ وهو ما يثير القلق حول تأثير هذه القيود على استقلال القضاء وفعالية محاربة الفساد.

أولا ـ ادعاء عدم إمكان تصور حالة التلبس في جرائم المال العام

من بين الانتقادات الموجهة إلى المادة 3 ما يتعلق بمنح النيابة العامة صلاحية إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية بشأن جرائم الأموال حصرا في حالة التلبس. وقد دفع هذا المقتضى بعض المنتقدين إلى اعتبار أن التلبس بجرائم المال العام غير متصور؛ في حين أن بعض الجرائم المنصوص عليها في المادة 241 من مجموعة القانون الجنائي يمكن أن يكون مرتكبها في حالة تلبس، ومن بينها: جريمة اختلاس المال العام، وجريمة احتجازه، وجريمة إخفائه، إضافة إلى جريمة الرشوة المنصوص عليها في الفصل 248 من مجموعة القانون الجنائي.

وينص الفصل 56 من قانون المسطرة الجنائية على أن حالة التلبس تتحقق إذا ضبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة أو عقب ارتكابها مباشرة، أو إذا تمت ملاحقته بصياح الجمهور بعد ارتكابها، أو إذا وجد بحوزته ما يدل على مشاركته فيها خلال مدة وجيزة بعد وقوعها.

وبالنسبة لجريمة اختلاس المال العام، يمكن ضبط الفاعل في حالة التلبس إذا اختلس منقولات عمومية موضوعة تحت يده بحكم وظيفته، كأن يضبط وهو يهم بنقلها إلى سيارته أو إدخالها إلى منزله. كما يمكن أن يضبط في حالة تلبس بتبديد هذه الأموال، كأن يتم العثور عليه أثناء بيعها، أو بإخفائها إذا تم العثور عليها خلال تفتيش منزله.

ثانيا ـ ادعاء مخالفة المادة 3 من المشروع للمادة 13 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد

الانتقاد الآخر الموجه إلى هذه المادة يتمثل في الادعاء بأنها تتعارض مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، من خلال تقييد حق الجمعيات في تقديم الشكاوى المباشرة بشأن المال العام إلى النيابة العامة؛ إلا أن هذا القول يتعارض مع القراءة الدقيقة لنصوص الاتفاقية، التي لا تلزم الدول الأطراف بتمكين الأفراد أو الجمعيات من تحريك المتابعة مباشرة أمام القضاء، بل تترك لكل دولة حرية تحديد الآليات المناسبة للإبلاغ عن الفساد ومتابعته.

والمادة 13 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (CNUCC) تؤكد على دور المجتمع المدني في الوقاية من الفساد ومكافحته، حيث تدعو الحكومات إلى تعزيز الشفافية وتحسين وصول الجمهور إلى المعلومات وتعزيز مساهمته في عملية اتخاذ القرارات الحكومية. كما تعترف بدور المجتمع المدني في توعية الجمهور بوجود الفساد وأسبابه وخطورته والتهديد الذي يشكله، ولا تنص بأي حال على التقدم بشكاوى إلى القضاء بشأن حالة الفساد المرصودة.

وتنص هذه المادة في فقرتها الأخيرة على التزام ملقى على عاتق الدول يتمثل في أن على كل دولة طرف أن تتخذ التدابير المناسبة لضمان تعريف الناس بهيئات مكافحة الفساد ذات الصلة المشار إليها في هذه الاتفاقية، وأن توفر لهم، حسب الاقتضاء، سبل الاتصال بها؛ بما في ذلك الإبلاغ عن أي حوادث قد يرى أنها تشكل تهديدا أو خطرا على فعالية تلك الهيئات، دون بيان هويتهم، وفقا لهذه الاتفاقية.

في هذا السياق، تتنوع الجهات التي يمكن أن يتوجه إليها الأفراد للإبلاغ عن الفساد وفقا لأنظمة الدول المختلفة. وتنص المادة 32 من الاتفاقية، المعنونة بـ”السلطات المتخصصة”، على ما يلي: “تتخذ كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، ما قد يلزم من تدابير لضمان وجود هيئة أو هيئات متخصصة أو أشخاص متخصصين في مكافحة الفساد من خلال إنفاذ القانون. وتمنح تلك الهيئة أو الهيئات أو هؤلاء الأشخاص ما يلزم من الاستقلالية، وفقا للمبادئ الأساسية للنظام القانوني للدولة الطرف، لكي يستطيعوا أداء وظائفهم بفعالية ودون أي تأثير لا مسوغ له. وينبغي تزويد هؤلاء الأشخاص أو موظفي تلك الهيئة أو الهيئات بما يلزم من التدريب والموارد المالية لأداء مهامهم”.

وهي المادة التي تتكامل مع نصت عليه الفقرة 2 من المادة 39 من الاتفاقية على ما يلي: “أن تنظر في تشجيع رعاياها وغيرهم من الأشخاص الذين يوجد مكان إقامتهم المعتاد في إقليمها على إبلاغ السلطات الوطنية المسؤولة عن إنفاذ القانون عن ارتكاب تلك الأفعال الإجرامية”.

وتندرج الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ضمن الهيئات المنصوص عليها في المواد المذكورة من الاتفاقية الأممية، والتي تنص المادة 4 من القانون رقم 46.19 المتعلق بالهيئة على أن من اختصاصاتها تلقي التبليغات والشكايات عن حالات الفساد والتأكد من صحة الأفعال والوقائع التي تتضمنها وإحالتها عند الاقتضاء على الجهات المختصة، ويمكنها البحث في هذه الحالات بالرغم من حفظ النيابة العامة للشكايات المتعلقة بها.

ومن ثم، فإنه لا يوجد أي تعارض بين هذه المادة والاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد.

ثالثا ـ انتهاك المادة 3 لاستقلال النيابة العامة

وفقا للمادة 3 من مشروع المسطرة الجنائية، فإن تحريك الأبحاث وإجراء المتابعات بشأن جرائم المال العام من قبل الوكيل العام لدى محكمة النقض بناء على طلب من جهة إدارية ليس أمرا جديدا في التشريع المغربي؛ فقد كان هذا الإجراء معمولا به خلال فترة محكمة العدل الخاصة، التي كانت تختص بالنظر في هذه القضايا، حيث لم يكن للوكيل العام بها إمكانية إقامة الدعوى العمومية إلا بناء على أمر كتابي من وزير العدل.

وكذلك الشأن بالنسبة للقضاء العسكري، إذ كانت إقامة الدعوى العمومية من طرف الوكيل العام بالمحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة مشروطة بأمر صادر عن السلطة الحكومية المكلفة بالدفاع الوطني.

وينطبق ذلك أيضا، حاليا، على بعض الحالات الخاصة المنصوص عليها في الباب الثاني من المسطرة الجنائية، المعنون بـ”قواعد الاختصاص الاستثنائية”، والمتعلقة بالجنح والجنايات المنسوبة لبعض القضاة أو الموظفين؛ فإذا كان الفعل منسوبا إلى مستشار ملكي أو عضو في الحكومة أو كاتب دولة أو نائب كاتب دولة أو قاض بمحكمة النقض أو المجلس الأعلى للحسابات أو عضو في المجلس الدستوري أو والي أو عامل أو رئيس أول لمحكمة الاستئناف أو وكيل عام للملك لديها، فإن النيابة العامة بهذه المحكمة لا يمكنها إجراء التحقيق بشأنه إلا بأمر من الغرفة الجنائية بمحكمة النقض، بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك. وينطبق الأمر ذاته على ضباط الشرطة القضائية الذين يملكون صلاحية ممارسة مهامهم على المستوى الوطني.

أما بالنسبة للأفعال المنسوبة إلى وكيل الملك أو قاض بمجلس جهوي للحسابات، فإن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض هو الوحيد الذي يملك صلاحية إحالة القضية إلى محكمة استئناف غير تلك التي يمارس المعني بالأمر مهامه داخل نفوذها الترابي؛ غير أن ذلك يظل مشروطا بموافقة الغرفة الجنائية بمحكمة النقض على ملتمس الوكيل العام لديها بإجراء التحقيق.

وفي حال كان الفعل منسوبا إلى قاض بمحكمة ابتدائية أو باشا أو خليفة أول لعامل أو رئيس دائرة أو قائد أو ضابط شرطة قضائية من غير القضاة، فإن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف يحيل القضية بملتمس إلى الرئيس الأول لهذه المحكمة، الذي يملك صلاحية تقرير ما إذا كان الأمر يقتضي إجراء بحث.

وينطبق الأمر ذاته على بعض الجرائم التي لا يمكن للنيابة العامة مباشرة الأبحاث أو إقامة الدعوى العمومية بشأنها إلا بناء على شكاية من المتضررين؛ ومنها جريمة إهمال الأسرة والخيانة الزوجية والسرقة في حق الأصول واستعمال ناقلة دون إذن مالكها أو رغم اعتراضه، وخيانة الأمانة المنصوص عليها في الفصل 547 من مجموعة القانون الجنائي.

وفي هذا الصدد، وعلاقة بجرائم المال العام، تنص مبادئ توجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة (هافانا) على أنه “يولي أعضاء النيابة العامة الاهتمام الواجب للملاحقات القضائية المتصلة بالجرائم التي يرتكبها موظفون عموميون، ولا سيما ما يتعلق منها بالفساد وإساءة استعمال السلطة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وغير ذلك من الجرائم التي ينص عليها القانون الدولي، والتحقيق في هذه الجرائم إذا كان القانون يسمح به أو إذا كان يتماشى مع الممارسة المحلية”.

غير أن هذا التقييد لا ينبغي أن يكون مطلقا، حيث لا يؤدي إلى استحالة إحالة الحالات المعروضة على الهيئات غير القضائية أو إلى تقييد صلاحيات النيابة العامة بشكل كلي. لذلك، إذا تم النص على ضرورة إجراء التحقيق في قضايا الفساد من قبل هذه الهيئات، فيجب إلزامها بإحالة البلاغات ونتائج التحقيقات وكافة الوثائق المثبتة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض داخل أجل زمني محدد، سواء أسفرت التحقيقات عن وجود قرائن على ارتكاب الفعل أو لم تسفر عن ذلك. وفي حال عدم الامتثال، ينبغي أن يكون للوكيل العام لدى محكمة النقض صلاحية إحالة التبليغ إلى النيابة العامة لفتح تحقيق، مع ضرورة إثبات صاحب البلاغ أنه لجأ مسبقا إلى الإبلاغ الإداري، ضمانا لاحترام التسلسل في مساطر التبليغ والتحقيق وتفاديا لأي تعسف في استغلال آليات التبليغ القضائي.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا