آخر الأخبار

رحلة الوزير الرهوني إلى الحجّ.. تمجيد لـ"فرانكو" و"الحماية الإسبانية"

شارك

بتقديم وتحقيق محمد الشريف صدرت رحل حجّ القاضي والفقيه والوزير أبي العباس أحمد الرهوني التطواني، المعنونة أصلا بـ”المواهب الإلهية بالرحلة الحجازية من أمر الحضرة الحسنية والمساعدات الإسبانية”.

وفي تقديم الإصدار الجديد قال المحقّق إن “رحلة أحمد الرهوني أتت في ظرفية سياسية خاصة كانت تمر منها الدولة الإسبانية الفارضة حمايتها على المنطقة الخليفية من المغرب، وعاصمتها تطوان، وكان غرض الجنرال فرانكو من تنظيمها، وإسناد رئاستها إلى أحد أشهر علماء المدينة، هو كسب الرأي العام المغربي، وتلميع صورته أمام المسلمين قاطبة، وتأليبهم ضد خصومه الاشتراكيين، وهو يخوض حربا أهلية طاحنة ضدهم بإسبانيا”، مضيفا: “وقد انعكست هذه الخلفية في نصوص الرحلة التي يقدم لنا الفقيه الرهوني فيها الجنرال فرانكو بصفته مدافعا عن الإسلام وعن الإرث الثقافي الأندلسي وعن (الأخوية المغربية الإسبانية)”.

وكان الفقيه القاضي والوزير أحمد الرهوني التطواني، المتوفى سنة 1953، “شارف على العقد السادس من عمره، ومعلق القلب بقضاء فريضة حج بيت الله الحرام، حينما علِم –فجأة وهو يستمع إلى المذياع بجنانه ضواحي تطوان ليلة 18-19 دجنبر 1936 -أنه اختير ليكون رئيسا للوفد الخليفي المتوجه لأداء مناسك الحج لسنة 1937؛ وأن ‘فخامة الخنراليسيمو فرانكو هيأ باخرة جميلة لركوب الحجاج المغاربة من سبتة إلى جدة، وأن الحجاج المذكورين سيكونون تحت رئاسة العلامة سيدي أحمد الرهوني’، فكاد عقله يطير فرحا من هذا الترشيح لهذا المنصب الفخيم الذي صدر من الخليفة السلطاني الحسن بن المهدي العلوي”، وفق المصدر ذاته.

هكذا، يورد المحقق، “استقبله في اليوم الموالي المقيمُ العام الإسباني (بيكبيدير) فأبلغه بهذا الترشيح، وبأن فرانكو ‘أنعم بالمركب المذكور على الحجاج المغاربة بمناسبة إخلاصهم في مساعدته على الانتصارات الباهرة التي نالها على أعدائه'”، وزاد: “أعلمه بترشيحه أولا قبل السفر للحج ‘للطواف على مستشفيات إسبانيا، وزيارة مجاريح المغاربة الذين بها وتسليتهم، وشكرهم نيابة عن سيدنا الخليفة وفخامة الرئيس فرانكو على ما قاموا به من الأعمال الشريفة الجليلة…'”.

وترتبط رحلة الرهوني سنة 1937، وفق تقديم المحقق، “بظروف سياسية أملتها مصالح إسبانيا آنذاك، للتقرب إلى مغاربة الشمال خاصة، والعالم الإسلامي عامة، بعد سلسلة من الانتصارات التي حققها الجنرال فرانكو ضد أعدائه الجمهوريين؛ فقد أعلن في 18 يوليوز 1936 عن تمرّده العسكري وقيام الحركة الوطنية الإسبانية، فانحازت لجانبه كل من ألمانيا وإيطاليا، مقابل انحياز روسيا لجانب الحاكمين اليساريين، لتندلع حرب أهلية إسبانية طاحنة بين الطرفين، جُنّد فيها عدد كبير من المغاربة إلى جانب قوات فرانكو. وكان هذا الأخير يعتقد أن أمر الحرب سرعان ما ينتهي، لكنها طالت ثلاث سنوات، ولم تضع أوزارها إلا بعد اندحار القوات الجمهورية، ودخول جيش فرانكو مدينة مدريد، في شهر غشت 1939”.

إذن، “تمت رحلة الفقيه الرهوني إلى الديار الحجازية في ظرفية تاريخية مطبوعة بالحرب الأهلية الإسبانية، ومع حملة إسبانية عارمة لتجنيد عدد هائل من المغاربة للقتال في جيش فرانكو المتمرد في الحرب الأهلية الإسبانية التي كان قد مرّ على اندلاعها ستّة أشهر. فقد تحوّل الانقلاب الفرنكاوي إلى حرب أهلية دامية وطويلة مفتوحة مستنزفة للرجال على امتداد التراب الإسباني، كلفت الطرفين خسائر بشرية فادحة، حيث صار العنصر البشري من العوامل الأساسية للقدرة على مواصلة الحرب وتحمل خسائرها. وفي هذا السياق لجأ فرانكو إلى تجنيد كثيف للمقاتلين المغاربة. واتخذت عملية تجنيد المغاربة بمنطقة الحماية الإسبانية صبغة حملة واسعة ومكثّفة استهدفت كل المداشر والقرى، واستُعملت خلالها كل الوسائل: من ترغيب وترهيب، بل وحتى إجبار الناس واختطافهم من أجل الزج بهم في الحرب”، بحسب المصدر ذاته.

وكان الفقيه والوزير الرهوني مشيدا “بالدولة الإسبانية الحامية”، مبرزا “محاسنها”، وممجّدا مجاملا في كتاباته ومواقفه، وهو موقف “تمجيدي للدولة الإسبانية الفرانكوية، ومغازل لرجالاتها، يبدو واضحا في معظم صفحات ‘الرحلة الحجازية’، موضوع هذا الكتاب، حيث جسّد الفقيه الرهوني شخصية الموظف المخزني المتماهي بعمق مع الحماية الإسبانية بالمغرب، صونا لمنصبه في الحكومة الخليفية؛ والواقع أنه لم يكن يختلف في هذا عن كثير من العلماء المغاربة الذين بهرتهم سياسة الدولة الاستعمارية، وأشادوا بالحماية ومجّدوها، سواء بالمنطقة الخليفية أو بالمنطقة السلطانية، منهم على سبيل المثال كل من محمد بن الحسن الحجوي، وابن المواز، وابن الأعرج السليماني وغيرهم؛ كما لا يختلف عن عدد من الرحالة المغاربة الذين دونوا رحلاتهم الحجية زمن الحماية الفرنسية، وعمدوا إلى تلميع صورة الدولة الحامية، أمثال أحمد الصبيحي السلاوي”.

ومن أجل ضمان تأييد الحركة الوطنية المغربية لعملية تجنيد المغاربة في هذه الحرب الأهلية “منح لها فرانكو حريات غير مسبوقة، تضمنت خلق صحافة وطنية ناطقة باللغة العربية، وشرعنة الأحزاب الوطنية المغربية، وترضية أعضاء من النخبة والزعامات المحلية الدينية والمدنية بالمناصب السامية، فيما قدم المتمردون للخليفة السلطاني مولاي الحسن بن المهدي ‘وعودا ضبابية باستقلال المغرب مقابل دعمه لهم في الحرب الأهلية'”.

وكانت هذه الرحلة “ضمن حملة إعلامية خطط لها فرانكو لتهدئة القواعد الخلفية للجيوش الإسبانية بشمال المغرب من جهة، وضمن ‘السياسة الإسلامية’ للنظام الفرانكوي التي وضع أسسها وترجمها على أرض الواقع المفوض الإسباني، الكورونيل (خوان بيكبيدير)، الذي يصفه الرهوني بـ ‘السيّاسي الكبير’، و’حَبيب المسلمين وصديقهم في القديم والحديث’، وبـ’البطل الشهير، الشرقي الكبير، السياسي الخطير’؛ فقد عرف كيف يستغل الشعور الديني للمغاربة، والاهتمام بكل ما يرتبط بذلك الشعور. وكانت تلك السياسة تهدف في مجملها إلى كسب المغاربة واكتساب الشرعية الدولية للنظام الفرنكاوي وعطف العالم الإسلامي، وهو يخوض الحرب الأهلية ضد من يصفهم بالشيوعيين الجمهوريين أعداء الكنيسة والإسلام”.

وتعتبر “الرحلة الحجازية” للرهوني، حسب تقديمها، “شهادة فصيحة على جهود فرانكو لتقديم نفسه بأنه صديق العالم الإسلامي (…) وكانت هذه السياسة تخفي هدفا أساسيا يتمثل في انعتاق إسبانيا من العزلة على الساحة الدولية، من خلال كسب تعاطف الدول العربية الإسلامية. ويفصح الرهوني جليا عن مرامي إرسال فرانكو الوفد الخليفي إلى الديار المقدسة وأهدافه قائلا: ‘فلا شك أن هذا العمل العظيم سيعود عليه [فرانكو] وعلى أمته بكل خير، وأنه سيرنّ صداه الحسن الجميل في آذان المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، وسيزرع في قلوبهم حبه والدعاء له ولجنوده الأبطال بكل خير وانتصار'”.

وكانت “الرحلة الحجية” التي رأس وفدها الفقيه الرهوني سنة 1937 “الأولى في سلسلة الرحلات الحجية التي نظمتها السلطات الفرانكوية خلال الحرب الأهلية، فقد تلتها رحلتان حجيتان سنتي 1938 و1939، عرفتا إقبالا منقطع النظير من قبل المغاربة المسلمين، قبل أن توقف إسبانيا هذه الرحلات الحجية ‘نظرًا لتفاقم العروبة والقومية في تلك الجزء من العالم’، ومخافة ‘تعرض الحجاج لأيديولوجيات وحركات سياسية جديدة في المشرق’، خاصة من خلال اتصالاتهم مع أشخاص مثل بن عبد الكريم الخطابي الذي كان في تلك الفترة لاجئًا في مصر”.

و”مما يلفت النظر” في هذه “الرحلة الحجية”، وفق محقّقها، “ذلك التماهي التام لمؤلفها مع الخطاب الدعائي الفرانكوي، ذلك أن القوة البلاغية لنص رحلة الرهوني تتجلى في أنه يترجم الخطاب الفرانكاوي إلى اللسان العربي والإسلامي. ولم يكن الفقيه الرهوني يجهل الأهداف الدعائية للرحلة، بل يخال لنا أنه كان بمثابة الناطق الرسمي الذي ترجم تلك الأهداف الدعاية الفرانكوية في الأقطار العربية التي زارها خلال رحلته الحجية، وعمل على إبراز مميزات السياسة الإسلامية للسلطات الإسبانية في أوساط الحجاج المسلمين، واستغل لقاءاته بكبار الشخصيات ورؤساء الوفود الحجية وتصريحاته الصحفية ليشيد بالجنرال فرانكو وحسن معاملته للمسلمين في المنطقة الخليفية، ملمّعا صورة الديكتاتور الإسباني في العالم الإسلامي، ومساهما في (تدويل الحرب الأهلية الإسبانية)”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا أمريكا اسرائيل مصر حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا