آخر الأخبار

زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية للصحراء المغربية تربك الدبلوماسية الجزائرية

شارك

زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية، رشيدة داتي، إلى الصحراء المغربية أثارت جدلا دبلوماسيا بين الجزائر وفرنسا، حيث اعتبرتها الجزائر خطوة استفزازية، بينما أكدت الوزيرة الفرنسية أنها تأتي في إطار تعزيز التعاون الثقافي بين باريس والرباط.

زيارة المسؤولة الفرنسية إلى الصحراء المغربية خطوة تعكس رغبة كل من المغرب وفرنسا في تعزيز الشراكة الثقافية بينهما، باعتبارها جسرا لتعزيز التفاهم والتقارب بين شعبي البلدين، والارتقاء بالحوار الثقافي بين المؤسسات المغربية ونظيرتها الفرنسية.

تأتي هذه الزيارة في سياق دينامية دبلوماسية جديدة بين المغرب وفرنسا، تعكس مرحلة متقدمة من التعاون الثنائي، خاصة بعد الاتفاقيات التي وقعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والملك محمد السادس في الأشهر الأخيرة.

تشكل هذه الخطوة إشارة واضحة لتوجه باريس نحو تعزيز شراكتها الاستراتيجية مع الرباط، ليس فقط على المستوى الاقتصادي والثقافي، بل أيضا في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية ذات الأولوية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، كما أن هذه الزيارة تكرس الموقف الفرنسي الرسمي الداعم لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل واقعي وذي مصداقية، وهو ما ينسجم مع التوجه الدولي المتزايد نحو الاعتراف بسيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية، في ظل التطورات الجيو-سياسية التي تشهدها المنطقة.

في المقابل، أصدرت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، اليوم الثلاثاء، بيانا عبرت فيه عن “إدانتها الشديدة” للزيارة، معتبرة أنها “تشكل استخفافا سافرا بالشرعية الدولية” من قبل دولة عضو دائم في مجلس الأمن. وقالت الجزائر إن هذه الخطوة تكرس “سياسة الأمر الواقع المغربي” في الصحراء المغربية، التي تصفها بأنها “إقليم لم يكتمل بعد مسار تصفية الاستعمار به”. كما ادعى البيان الجزائري أن هذه الزيارة “تعكس صورة مقيتة للتضامن بين القوى الاستعمارية قديما وحديثا”، في انتقاد واضح لفرنسا.

وإلى حدود كتابة هذه السطور، لم يصدر عن السلطات المغربية أي رد رسمي على البيان الجزائري، لكن الرباط لطالما أكدت أن الصحراء جزء لا يتجزأ من أراضيها، وأن المشاريع التنموية في المنطقة تعكس استقرارها ومكانتها في إطار السيادة المغربية.

في هذا السياق، قال عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، إن بيان الخارجية الجزائرية “يتضمن تجاوزا صارخا للمواقف السيادية للمغرب وفرنسا، اللتين تسعيان لتطوير علاقاتهما الثنائية”، مضيفا أن هذا التدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول “يكشف بوضوح دور الجزائر كطرف رئيسي ومباشر في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية”.

وأشار مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، في تصريح لهسبريس، إلى أن السلوك الجزائري في دعم التنظيمات الإرهابية والانفصالية في منطقة الساحل وجنوب المغرب، “يعكس سياسة مناهضة للاستقرار الإقليمي”، مؤكدا أن انتهاكات حقوق الإنسان وحملات الاعتقال الواسعة ضد المواطنين الجزائريين، مثل بوعلام الصنصال، تضع الجزائر في عزلة متزايدة عن المجتمع الدولي.

ولفت عبد الفتاح الفاتحي الانتباه إلى “التناقض في موقف الجزائر، حيث لم يصدر عنها مثل هذه البيانات المنددة عند زيارة وفود أمريكية عديدة إلى الداخلة والعيون ومدن أخرى بالصحراء المغربية، وعرفت هذه الزيارات توقيع اتفاقيات توأمة مع مدن في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية”.

وأكد مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية أن الجزائر بموقفها هذا تضع نفسها خارج الإجماع الأوروبي، إذ تؤيد غالبية دول الاتحاد الأوروبي مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء وتدعم سيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية.

وختم الفاتحي تصريحه لهسبريس بالإشارة إلى أن “البيان الجزائري يعبر عن حالة يأس واضحة أمام تزايد الدعم الدولي للموقف المغربي، خاصة مع الاعتراف الأمريكي والإسباني والفرنسي بمغربية الصحراء، مما يؤكد عزلة الجزائر وفشل مساعيها في عرقلة المسار الدبلوماسي للمملكة المغربية”.

محمد سالم ولد بيه، باحث في تاريخ المنطقة المغاربية من مدينة الداخلة، قال إن زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية، رشيدة داتي، إلى الصحراء المغربية “تأتي في سياق طبيعي لتوطيد العلاقات المغربية-الفرنسية، خاصة بعد الاتفاقيات التي وقعها الرئيس إيمانويل ماكرون والملك محمد السادس، والتي تعكس دعما متزايدا لمغربية الصحراء”.

وأوضح ولد بيه، في تصريح لهسبريس، أن هذه الزيارة “تحمل بعدا ثقافيا وتنمويا، حيث تسعى فرنسا إلى تعزيز حضورها في الأقاليم الجنوبية عبر مشاريع تعليمية وإبداعية واقتصادية وثقافية، بما يواكب النهضة الاقتصادية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمغرب، غير أن الجزائر، التي اعتادت على توظيف قضية الصحراء في سياساتها الخارجية، سارعت إلى إصدار بيان مندد، متجاهلة التحولات السياسية والدبلوماسية التي جعلت من مبادرة الحكم الذاتي الخيار الأكثر واقعية لحل النزاع”.

وأوضح الخبير في تاريخ المنطقة المغاربية أن البيان الجزائري، الذي يصف الزيارة بأنها “استخفاف بالشرعية الدولية”، يكشف عن “تناقض واضح في الخطاب الرسمي الجزائري”، إذ إن الجزائر تدعو إلى حل سياسي تحت مظلة الأمم المتحدة، لكنها في الوقت ذاته ترفض أي تطورات تتماشى مع الدينامية الدولية الجديدة، كما أن موقفها يعكس ارتباكا دبلوماسيا متزايدا، خاصة في ظل الدعم المتنامي الذي تحظى به المملكة المغربية من قوى دولية وازنة، من بينها الولايات المتحدة ودول أوروبية وإفريقية عديدة.

وأبرز أن فرنسا، التي لطالما تبنت موقفا غامضا، “اختارت اليوم أن تكون أكثر وضوحا في دعمها لمقترح الحكم الذاتي، وهو ما يضعف الطرح الجزائري ويؤكد تراجع تأثيره على الساحة الدولية”.

وشدد المتحدث على أن ما يجب إدراكه هو أن الجزائر، من خلال هذا التصعيد الدبلوماسي، لا تحاول فقط عرقلة مسار الحل، بل تسعى أيضا إلى “تصدير أزماتها الداخلية عبر افتعال أزمات خارجية”، فبدلا من التركيز على أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية، تواصل الجزائر استنزاف مواردها في معركة خاسرة ضد المغرب، في وقت أصبحت فيه الأقاليم الجنوبية نموذجا للاستقرار والتنمية، لافتا إلى أن “لغة البيانات التصعيدية لم تعد تؤثر في مسار الأحداث، فالمغرب يمضي قدما في تعزيز سيادته على الصحراء، بينما تبقى الجزائر معزولة في موقفها، متجاهلة أن الواقعية السياسية هي التي ترسم ملامح المرحلة المقبلة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا