مرة أخرى، ترافع وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عن تصوره بشأن “وضع جمعيات حماية المال العام للشكايات ضد المنتخبين في قضايا التبديد والاختلاس”، معتبرا أن النقاش الرائج حول المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، “كلمة حق يراد بها باطل”، على أنه “جرى التشدد في مسألة رفع الشكاية، لأن الأرقام هي التي تنطق”.
وزير العدل، الذي كان يتحدث ضمن ندوة وطنية نظمها قطاع المحاماة بحزب التقدم والاشتراكية تحت عنوان “مشروع قانون المسطرة الجنائية: مضامين، رهانات وآفاق”، تسلح بالأرقام التي تثبت أن “كثيرا من قضايا المال العام ذات الصلة بشكايات الجمعيات لا تنتهي بإدانة المشتكى به”، مبرزا أن “الوشايات المرتبطة بالتبديد والاختلاس بلغت 259 وشاية خلال سنة 2024، ما ذهب فيها البحث إلى حد الآن 132، وقيد المحاكمة 5، وقيد التحقيق 8، والقرار النهائي 2، والحفظ 12”.
وشرح وهبي أن “الذي يقع أنه حينما تثار الوشاية، يمضي (المنتخب) 4 سنوات لدى الأمن، سنة في حالة سراح، وقد تطول المسطرة إلى 8 سنوات، يصبح خلالها السياسي ‘محروقا’ ومنبوذا من قبل الرأي العام، ومتفرغا حصرا إلى المحاكم، ثم في الأخير يحكم له البراءة”.
واستحضر المسؤول الحكومي أنه “لخلق مسير للشأن العام يجب أن ننتظر 30 سنة”، مضيفا أنه “بوشاية يقدمها شخص في المقهى بدون اسم أو توقيع، يتم القضاء على هذه التجربة”.
وحسم وزير العدل بأنه يريد “القطع مع هذه الممارسة؛ فالمغرب دولة لها مؤسسات ولها إمكانيات لكي تشتغل”، مفيدا بأن “السبب وراء تأخير المساطر هذه المدة كلها، هو كون من يقدم الشكاية لا يقدم وسائل إثبات، بل فقط ورقة يملؤها”. وتابع: “إثر ذلك، يصبح وكميل الملك هو من يبحث عن وسائل الإثبات ومن يفتش عن الجرائم”.
لذلك، يضيف وهبي، “دوري أن أحمي السياسي إلى أن يثبت العكس (فساده)”، معرجا على استعراض الأرقام المرتبطة بتبديد واختلاس الأموال العمومية، المقدم بشأنها شكايات من جمعيات؛ إذ “بلغت 106 شكايات، 61 منها قيد المتابعة، وقيد المحاكمة 8، فيما الحفظ يهم 31، وقيد المحاكمة 6”. مؤكدا أن “إيقاف هذه الوضعية ضروري إذا أردنا استمرار الديمقراطية والأحزاب”.
وذكر وزير العدل أن “عدد القضايا المقدمة من المجلس الأعلى للحسابات ما بين 2020 و2024 بلغ 53 قضية”، متسائلا في هذا الباب، فيما بدا انتقادا مرة أخرى لتقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، “أين هي 55 مليار درهم أم ‘أضربْ 2 في المئة فْعشْرة في المئة لي دارو فْميريكان وْنْقول هناك فساد؟'”.
وفي هذا الصدد، قال وهبي: “المجلس يشتغل بمنهجية مضبوطة وبمعطيات ووثائق، أما شخص يمتلك جمعية لم يعقد جمعا عاما، ولديه فيلات وميرسيدس رغم أنه لا يشتغل، يقوم بهذا الأمر (الشكاية)، فهذا غير مقبول”، معتبرا أنه إذا جرى التسامح في هذا الجانب، “فيجب أن نحل المؤسسات الرسمية، كالمجلس الأعلى للحسابات، التي تصرف عليها مبالغ مالية مهمة”.
وذكر وهبي بالمؤسسات الرسمية المغربية التي شاركت في التشاور حسب القانون، متطرقا إلى النقاش حول “عدم إشراك” الجهة القضائية، وحسم بأن “القضاة ينفذون ولا يشرعون”، مضيفا: “أذهب إلى القضائية بحكم الإدارة والتسيير آخذ رأيهم نعم، ولكنه لا يلزمني في شيء”.
واستحضر وزير العدل في هذا الجانب أن “رئيسا لجمعية قال إنه (وهبي) يهمش الجمعيات”، مشيرا إلى أن “مطالبة القضاة بالاستقلالية، وبالجلوس مع الوزارة إلى طاولة التشاور في آن، تناقض”.
قبل أن يتطرق بالأرقام كذلك إلى ما دفع بالتعجيل بتعديل قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23، أكد المسؤول الحكومي نفسه أن “ثمة أمرين في السياسة: إما أن تكون منافقا وترفع خطابا حقوقيا وتختفي وراءها مشاكل ومصائب، أو أن تخرج بوضوح”.
وفي هذا الصدد، أفاد وزير العدل بأن “عدد القضايا المطروحة أمام المحاكم في مجال الجرائم انتقل من 324 ألف قضية سنة 2002 إلى 7000 قضية سنة 2022، أي إنه في ظرف عشرين سنة تضاعف العدد ثلاث مرات”، وزاد أن ذلك “بإجمالي 10 ملايين قضية، أسفرت عن متابعة 12 مليون شخص”.
وأوضح وزير العدل أنه في هذا الجانب بلغت “نسبة الجرائم المنظمة في إطار القوانين الخاصة 4,84 في المئة، في حين بلغت نسبة الجنايات والجنح ضد الأشخاص 22,2 في المئة، وضد الأموال 15,7 في المئة، وضد نظام الأسرة والأخلاق العامة 6,7 في المئة”.
أما عدد السجناء، حسب وزير العدل، فبلغ “105 آلاف، 31 في المئة منهم معتقلون احتياطيا، وأكثر من 68 في المئة مدانين، وعدد الأشخاص المقدمين أمام المحاكم 600 ألف مواطن، وعدد الموضوعين رهن الحراسة النظرية 400 ألف مواطن، خلال سنة 2024″، ما يعبر، حسب الوزير، على أنه “لا نثق في المواطن أنه سيعود إذا خرج منها، ولهذا نعتقله احتياطيا”، بتعبيره.
واستحضر المسؤول الحكومي مصادقة المغرب على “كثير من الاتفاقيات الدولية، إلا أنه يعيش الأمرين مع هذه القوانين (المسطرة الجنائية)”، مبرزا على صعيد متصل “ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي من الساكنة السجنية إلى 40 في المئة، على أنه بعد النقاشات التي قمنا بها في هذا الصدد تراجعت إلى 32 في المئة”، راجيا أن “تنخفض أكثر مع اعتماد السوار الإلكتروني”.