“الريّاشة” في قطاع الدواجن هي آلة كهربائية أو يدوية تساعد على إزالة الريش عن الدجاج بعد ذبحه، وقد لجأ إليها المهنيون في السنوات الأخيرة لتميّزها بالدقة والسرعة، قبل أن تنتقل هذه التسمية من قطاع الدواجن إلى أنشطة وألعاب الحظ، حيث جرى إطلاق اسم “الريّاشة” على آلة للقمار لا يتطلب استعمالها إلا بضعة دراهم عن كل محاولة.
فإذا كانت الآلة الأولى تتقن إزالة الريش عن الدواجن بالسرعة المطلوبة، فإن واقع الحال أثبت أن “ريّاشة القمار” تحيل المقامرين إلى النتيجة ذاتها، حيث تحرص تلك الآلة على “ترييش” ميزانيات الضحايا ومدّخراتهم ومداخيلهم اليومية، خاصة حين يصل المقامر إلى مرحلة الإدمان واللعب المتكرّر لعله يفلح يوما ما في تعويض خسائره الكبيرة.
أحياء شعبية بالمجال الحضري ومجموعة من القرى والمداشر شهدت انتشارا ملحوظا لذلك النوع من آلات القمار، حيث أصبحت هذه الظاهرة تستهوي مختلف الفئات الاجتماعية، وخاصة الفقراء وذوي الدخل المحدود، إذ تُنصب هذه الآلات في غالب الأحيان في أماكن متوارية عن الأنظار داخل المقاهي الشعبية، أو في زوايا بعض المحلات التجارية.
وأمام تنامي الظاهرة، تنجح المصالح الأمنية والسلطات المحلية، بين الفينة والأخرى، في ضبط الواقفين وراء تشجيع هذا النوع من القمار، سواء تعلّق الأمر بالأشخاص المكلّفين باستدراج الضحايا وتسهيل ولوجهم إلى ذلك العالم، أو أولئك الذين يوفّرون “الريّاشة” داخل محلاتهم التجارية لتقريبها من مختلف شرائح المجتمع، بمن فيهم الأطفال والقاصرون والتلاميذ.
وسبق للمصالح الأمنية أن أوقفت، في تدخلات وأوقات متفرقة، عددا من المخالفين والمتورطين في انتشار آلات القمار من نوع “رياشة”، إثر مداهمات ناجحة بضواحي الناظور ومديونة وتارودانت والخميسات وتاونات ومراكش وفاس وأزيلال وتازة وعين السبيت وسطات وأكادير وتيفلت وشيشاوة…
بالرغم من التدخلات التي تجريها المصالح المختصة لوقف انتشار هذه الظاهرة على الصعيد الوطني، إلا أن متتبعين للشأن المحلي، خاصة بنواحي مدينة سطات، وتحديدا بمنطقة دار الشافعي، يناشدون الجهات المسؤولية تكثيف المراقبة ببعض الفضاءات التي توفّر هذا النوع من الآلات لاستهداف جيوب الكبار والصغار على حدّ سواء.
أحد جيران فضاء يوفّر آلة “الريّاشة”، غير قادر على كشف اسمه وصفته، قال إن “المبالغ المطلوبة للمشاركة في هذه الألعاب تبدأ من 5 دراهم، ما يجعلها في متناول الأطفال والتلاميذ الذين يقتطعون هذه الأموال من مصروفهم اليومي على أمل تحقيق ربح سريع، إلا أنهم يخسرونها ويكرّرون المحاولة بشغف لتعويض الخسارة إلى أن يدخلوا دوامة القمار”.
ومن باب المعاينة اليومية، أشار المتحدث إلى أن “المثير للاستغراب هو حرص المصالح المختصة على القيام بدوريات تفتيشية بين الفينة والأخرى، لكن مالكي تلك الفضاءات يعملون، قُبيل وصول الدوريات، على إخفاء آلات القمار واستئناف أنشطتهم في ما بعد، مما يؤكّد معرفتهم المسبقة بتحرّكات اللجان ووجهات ممثلي المصالح الأمنية والسلطات المحلية”.
وإلى جانب المشاكل الاقتصادية التي يتسبب فيها هذا النوع من القمار، قال هشام العفو، استشاري نفسي رئيس رابطة متخصصي الصحة النفسية والعقلية بالمغرب، إن “لإدمان لعبة الريّاشة آثارا نفسية لدى الأطفال والتلاميذ؛ أولها القلق والاكتئاب الناتج عن الخسائر المالية المتكررة والشعور بالفشل، مع انخفاض تقدير الذات، خاصة عندما يفشل الطفل في تحقيق النجاح في اللعبة”.
ومن بين الآثار النفسية التي ذكر الاستشاري النفسي في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، “العزلة الاجتماعية، حيث ينسحب الأطفال المدمنون على هذه الألعاب من الأنشطة الاجتماعية والتفاعلات مع الأقران، مما يؤدي إلى العزلة”، و”السلوك العدواني الذي قد يظهر لدى الأطفال نتيجة الإحباط الناتج عن الخسائر المتكررة في اللعبة”.
وقال هشام العفو: “على الرغم من أن المبالغ صغيرة، إلا أن تكرار المشاركة يمكن أن يؤدي إلى تراكم الديون، خاصة في الأسر ذات الدخل المحدود، وقد تدفع الطفل إلى القيام بعمليات سرقة صغيرة أو متوسطة أو كبيرة واعتداءات، كما أن إدمان هذه اللعبة قد يؤثر سلبًا على أداء الأطفال الأكاديمي، حيث يقضون وقتًا طويلًا في اللعب بدلًا من الدراسة”، لافتا إلى أن “إدمان القمار قد يؤدي إلى توتر العلاقات الأسرية، خاصة إذا كان الطفل يخفي خسائره أو يسرق المال للمشاركة في اللعبة”.
ولتحصين المجتمع من هذه الظاهرة، أكّد العفو “أهمية حملات التوعية في المدارس والمجتمعات المحلية لتثقيف الأطفال والأسر حول مخاطر القمار”، و”تدخّل الجهات المعنية لفرض رقابة صارمة على الأماكن التي تروج لهذه الألعاب، ومنع وصول الأطفال إليها”، و”توفير بدائل ترفيهية وتعليمية كالأنشطة الرياضية والفنية، لتقليل وقت الفراغ لدى الأطفال”، و”توفير الدعم النفسي للأطفال المدمنين ومساعدة الأسر على التعامل مع المشكلة”، و”سنّ قوانين صارمة تمنع مشاركة الأطفال في القمار، وفرض عقوبات على المخالفين”.