أثارت خسارة ممثلة المغرب لطيفة أخرباش منصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي أمام الجزائرية مليكة حدادي تساؤلات حول الخلفيات والدوافع الكامنة وراء هذه المنافسة الموصوفة بـ”الشرسة” من قبل الجزائر، وما إن كان الأمر يتعلّق بجهودها لضمان استمرار تواجد الجبهة الانفصالية بمنظمة الاتحاد الإفريقي، لاسيما في ظل تواصل سحب اعتراف دول بها.
وخلال العملية الانتخابية التي امتدت إلى سبع جولات كان فارق الأصوات بين المرشحتين المغربية والجزائرية ضئيلا، حيث تعادلتا في الجولة الأولى بـ 21 صوتًا لكل منهما، واستمرت الفروق ضئيلة حتى الجولة الأخيرة، التي شهدت فوز المرشحة الجزائرية بـ 33 صوتًا.
ويرى الملاحظون أن القرار، الذي اتخذه الاتحاد الإفريقي بحرمان ست دول من التصويت نتيجة الانقلابات العسكرية التي شهدتها، ساهم في تقليص حظوظ المرشحة المغربية، حيث كانت هذه الدول، مثل بوركينا فاسو ومالي وغينيا، أقرب إلى المغرب. وهو القرار الذي أثار تساؤلات حول تأثيره على سير الانتخابات، ومدى تأثير التحالفات الإقليمية في تشكيل نتيجة التصويت.
من جهة أخرى، تم انتخاب محمود علي يوسف من جيبوتي رئيسًا لمفوضية الاتحاد الإفريقي، وهو ممثل دولة تربطها علاقات وثيقة بالمغرب وتدعمه في موقفه من قضية الصحراء. كما أن المغرب يواصل الحفاظ على حضوره داخل هذه المؤسسة في منصب المدير العام، في شخص فتح الله السجلماسي.
في هذا السياق اعتبر أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول وجدة، خالد شيات، أن الفوز الجزائري بمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي “يعكس حالة استثنائية وجانبا نفسيا دفينا لدى الدبلوماسيين الجزائريين يتمثل في شعورهم بالحاجة إلى تحقيق “انتصار” بعد سلسلة من الهزائم”.
وأوضح شيات، في تصريح لهسبريس، أن الاحتفال الصاخب بهذا الفوز، بما في ذلك إطلاق الزغاريد والهتاف بشعارات ملاعب كرة القدم، يُظهر حالة من الاحتقان الداخلي الذي تعيشه الجزائر فيما يتعلق بما تصفه بـ”إنجازاتها الدبلوماسية”، لافتا إلى أن هذه المشاهد الاحتفالية “لا تمت للجوانب الحضارية بصلة”.
وأضاف أن هذا المنصب “رغم أهميته، هو منصب نيابي، ولا يبرر الاحتفال الكبير الذي أبدته الجزائر”، بالمقارنة خاصة مع فوز رئيس مفوضية الاتحاد ممثل دولة جيبوتي، الذي لم يشهد نفس الحماسة.
وبعد إشارته إلى احتمال أخذ الدول المصوتة لصالح ممثلة الجزائر بالاعتبار حصول المغرب على انتدابين مغربيين سابقاً، وبالتالي “إحقاق شكل من أشكال العدالة المجالية”، أوضح شيات أن التصويت السري “ساهم في إحداث تباين بين تصويت ممثلي الدول ومواقف حكوماتهم الرسمية”، مما يجعل من الصعب تحديد الدوافع الحقيقية للتصويت. وأضاف أن الجزائر اعتمدت على تحركات دبلوماسية ظرفية لاقتناص هذا الفوز، بينما يظل المغرب متفوقًا دبلوماسيًا في إفريقيا بفضل استراتيجياته العميقة وطويلة المدى.
وخلص الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن المغرب “يجب أن يستمر في الضغط الدبلوماسي على الجزائر، خاصة في المنتدى الإفريقي، الذي يحتضن بشكل استثنائي ما يسمى بالجمهورية الصحراوية، والعمل على تفكيك التحالفات الإقليمية التي تدعم الجزائر”.
من جانبه، أشار الباحث في الدراسات السياسية والدولية، بوسلهام عيسات، إلى أن حصول المغرب على مقعد في مجلس الأمن والسلم الإفريقي في السنوات الأخيرة “مكّنه من إحداث تغييرات جذرية في مقاربات العمل داخل المجلس، مما ساهم في ترسيخ مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”، مبرزا أن هذا النهج “قلّص قدرة الجزائر على تمرير بعض أجنداتها داخل المجلس والاتحاد الإفريقي بشكل عام”.
وأضاف عيسات، في حديث لهسبريس، أن إدراك الجزائر أن استمرار المغرب في الظفر بهذه المناصب “سيشكل بما لا يدع مجالا للشك حصارا على مستوى الأجهزة التقريرية لأطروحة الانفصال، بل حتى السعي لاستكمال النصاب القانوني لطرد الجمهورية الوهمية، دفعها إلى القيام بتعبئة شاملة لتعزيز حضورها في المؤسسات الإفريقية”. وأشار إلى أن هذا الجهد تجلى في التحركات الأخيرة للدبلوماسية الجزائرية، بما في ذلك إعادة هيكلة وزارة الخارجية وتعيين مسؤولين جدد لشؤون إفريقيا والمقيمين بالخارج.
ولفت الباحث ذاته إلى أن الجزائر “استخدمت الإعلام الرسمي بشكل مكثف للترويج لهذه المعركة”، في محاولة لإعادة توجيه الرأي العام الداخلي، وتجاوز الانتكاسات التي شهدتها في تدبير ملف الصحراء، خصوصاً مع تنامي الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء. وخلص إلى أن فوز الجزائر بهذا المنصب “سيُستخدم بشكل غير مباشر لمعاداة المصالح العليا للمغرب، من خلال التأثير على صنع القرار داخل مفوضية الاتحاد الإفريقي”.