آخر الأخبار

بنعبد العالي ينادي باعتماد "فلسفة مغايرة" لمواجهة أشكال "البلاهة"

شارك

نادى الفيلسوف عبد السلام بنعبد العالي، في درس تنصيبه عضوا بأكاديمية المملكة المغربية، باعتماد “فلسفة مغايرة” ترصد وتواجه أشكال “البلاهة”، وتتعقّب الفكر الجاهز في زمن “مجتمع الفُرجة”، كما قدّم رؤية أخرى لمسألة “التعددية”، لا تقتصر على فهمها “تعدّدا في اللسان”.

وفي درسه بمقر أكاديمية المملكة بالعاصمة الرباط، الأربعاء، عاد بنعبد العالي إلى دروس “الفلسفة والفكر الإسلامي” قائلا: “النقد والمساءلة كانا سَيِّدَي الموقف، مع النصوص الأمهات لتاريخ الفلسفة، التي بقدر ما تلد وتولد من أسئلة، تعمل على توليد الفكر، وكان التمرد على سلطة النصوص”، لكن عند تدريس “الفكر الإسلامي، كان الجميع يشعر أن عليه دخول متحف التاريخ، ونفض الروح النقدية والفكر التساؤلي، بل أغلب الدارسين لم يكونوا يشعرون أن عليهم طرح قضايا فكرية، بل طرح مسائل لا تعنيهم بالفعل، بنظرة قاتلة للفكر، والاحتماء بمنهج تَأْريخي بارد، يستعرض الملل والنحل، وتشعباتها وأصنافها”.

وعلق على هذا بقول: “يمثل هذا منهجين وعقليتين عن الفكر والتاريخ، بين مادتي الدراسة “الفلسفة والفكر الإسلامي”، وباستثناء “مقدمة ابن خلدون” التي نبه بعض المستشرقين لأهميتها الفكرية والتاريخ، لم يكن دارس الفلسفة يرى أن عليه مساءلة التاريخ في مؤلفات، رغم وجود كتب هامة في المضمار ككتاب “البدء والتاريخ”، ولم يكن مدرسو الفكر الإسلامي يتعاملون مع الحصة كحقل ينبغي استثماره، وأسئلة ثاويةٍ ينبغي إنعاشها، بل مجرد نصوص تستمد قيمتها من قدمها الزمني (…) في محاولة لا تكل لتحويل التراث إلى تقليد”.

ونفى بنعبد العالي أن يكون قصده من هذا المثال “أن مادة تسمح بمنهجٍ وأخرى لا تسمح به، بل إن اتباع المنهجين كان يجعل من الموضوعينِ موضوعينِ مختلفين؛ فلو أن الدارس تحلى بالروح نفسها في الموضوعين معا، لصارت نصوص التراث أمهات مولِّدة، ولأصبح الفكر يعمل عمله في كل منهما؛ فكرا متفحصا مولدا لأسئلة”.

بالتالي: “ينبغي استبدال نظرتنا للتراث من نظرة تكوينية إلى منظور مغاير؛ لنتكلم عن ماضينا انطلاقا من لغة الحاضر، بل انطلاقا من لسان الحال؛ لكن لهذا، علينا تحرير موروثنا، للعودة إلى ما اختزن فيه، دون ما يهيمن على التراث من بداياته، متقدما عليه (…) ووحدها العودة إلى اللامفكر فيه؛ بالفكر القادر على خلق الانفصال، لخلق الوصل وإظهار ما حجبه الماضي، بعيدا عن العلاقة التاريخية الساذجة”.

مصدر الصورة

واستحضر بنعبد العالي الربط الدائم في اللغات بين “التراث” و”الكنز”، ليدافع عن الحاجة إلى سبر أغوار أسراره، وما يغلفه من كثافة؛ “لا بعودة لتزكية الوهم بالخلود، أو الرجوع إلى متحف لنزوره، ووعاء نَغرف منه ما يلائم حاضرنا، أو لإحياء قيم غابرة”، بل “لإعادة إنتاج أصولنا، برصد تكونها، وإعادة حفر ذاكرتنا، لرصد كيف تكونت نماذجها، وأصولها، وكيف شُحنت لغتها”.

التراث الفلسفي الغربي بدوره “أصبح يشكو من مرض، ربما أكثر من منهجي”، وفق عبد السلام بنعبد العالي، لأنه “سرعان ما وقعت الفلسفة في مصائد نصبتها لنفسها، وصارت أسيرة تاريخها”، واستشهد هنا بـ “دولوز” الذي تحدث عن تاريخ الفلسفة وصار “مدرسة جبارة للتخويف” تطرح سؤال كيف تتجرأ على قول “كذا” وأنت لم تقرأ “كذا”، وصارت مدرسة للامتثال لتخصص يسخر منه ما هو خارجه، وبدل أن تعمل الفلسفة “ضد” صارت تعمل “مع”، وصارت “لغة دولة خالصة، تقدس أصنام الفكر”، وجُرّت “نحو الثبات والإطلاق، وسلطات معرفية، وأوثان جديدة، تنسى اعتباطيتها، وتزعم الضرورة والكلية فتقضي على التعدد”.

هذا الواقع “يستلزم نقل فعل التفلسف من منابره التقليدية، ومواضيعه المعتادة، وأسئلته المكرورة”، والانتباه إلى “توتاليتارية الإعلام”، التي “وراءها الإعلام وأمواله”؛ وتُولِّد “أفرادا لم يعودوا قادرين على استشعار العالم الواقعي، وتحديد صحة الخطابات، وصاروا فاقدين لوسائل تمحيصها، وغير مستعدين لتلقي أي خطاب حول العالم، مع فقدان القدرة على إعمال العقل والتمييز والتفكير، وحس الاختلاف؛ وصاروا يوحّدون ويسوّون بين الكل. أي صاروا: كُلِّيَانِيِّين توتاليتاريين”.

وتابع المفكر: “الشاشة اليوم لا عجب أنها صورة للواقع، إذا لم تعد هي الواقع ذاته. والفكر الوثوقِيُّ الدوغمائي واحدي في الاتجاهات جميعها، واتجاه القضايا كلها، بما يعتقده طبيعيا بدهيا مسلَّما به (…) بعنف بنيوي، كما بين رولان بارت بقوله إن البداهة عنف، بأقوال من قبيل: “طبيعيٌّ أن نعتقد هذا الاعتقاد!”.

وشدّد عضو أكاديمية المملكة المغربية على أنه “لا يمكن للفكر التحرر من هذه الوثوقية، إلا بأن تنفتح له الأبواب، بمقاومة كل شكل من أشكال التخشب الفكري، دون ترديد بليد لمفهومات نتشربها، وما تنتشر به يوميا من أشكال اللا فِكر، التي يعمل “مجتمع الفرجة” على تكريسها في أدمغتنا وترسيخها في تصرفاتنا”؛ فهذه هي “البلاهة” بما هي “لا فكرٌ، تنطوي عليه الأفكار الجاهزة”، وقد كانت دعوة نيتشه هي “إزعاج البلاهة”.

وفسّر بنعبد العالي مفهوم “النقد المزدوج” للمفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي بالقول: “كان يقصد من النقد المزدوج؛ لا نقد للميتافيزيقا الغربية ثم نقد نظيرتها الإسلامية، بل نقدا يتخذ طريقه بين هذه وتلك، بمجابهة بينهما؛ فوحدها مغامرة فكر متعددة الثقافات واللغات والبناءات التقنية والعلمية من شأنها أن تضمن لنا عبور هذا القرن”.

وهذا النقدُ مزدوجٌ؛ “لأنه يتم في لغتين، وعلى أرضيتين ثقافيتين ميتافيزيقيَّتين. ووضعيتنا وضعية بَيْنِيَّة، تعددية، بل أذهب إلى الزعم أن الازدواجية والتعدد اللغوي والثقافي واقعنا المعيش، بل حظنا السعيد”.

الازدواجية، إذن، وفق بنعبد العالي، “ليست واقع المتحدثين باللغات الأجنبية، بل حتى المتحدثين والكاتبين بالعربية والأمازيغية أيضا؛ فالأدب كما كتب الخطيبي ينغمس في شجرة أنساب رمزية أسطورية. حتى ولو اقتصرنا على لغةٍ (…) منذ تشتّت بابل في أصوات مختلفة، وحروف هجاء متعددة”، علما أن “في كل كلمة كلمات أخرى، وفي كل لغة لغات أخرى”، و”لا تفكير في المتعدد بدون جسور تقام بين الاختلافات”، وهذا ما تصير معه الترجمة في وضعية ترسي “مفهوما مغايرا للوحدة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا