لم تحمل زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب الاستثمارات والمواقف الفرنسية الواضحة بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة فقط؛ بل كانت هذه الزيارة كذلك مناسبة كشف خلالها الديوان الملكي المغربي أن الرئيس ماكرون وجّه إلى الملك محمد السادس “دعوة رسمية للقيام بزيارة دولة إلى فرنسا، والتي قبلها، وسيتم الاتفاق على تاريخها عبر القنوات الدبلوماسية”.
وستكون هذه الزيارة الأولى من نوعها، كزيارة دولة، للملك محمد السادس إلى الجمهورية الفرنسية منذ تولي إيمانويل ماكرون مقاليد الإيليزيه، ستنضاف إلى زياراته الخاصة إلى هناك بين الفينة والأخرى، على أن تكون حسب مسؤولين فرنسيين “في السنة المقبلة بمناسبة الذكرى السبعين لتوقيع إعلان لاسيل سان كلو، ولغرض بلورة شراكة جديدة”.
واعتبر باحثون في العلاقات الدولية أن “المغرب وفرنسا، من خلال التمهيد لزيارة دولة من العاهل المغربي لفرنسا مستقبلا، فإنهما يصران على أن تقوية الشراكة الثنائية الجديدة بينهما أمر لا رجعة فيه، بعد سنوات الجفاء الدبلوماسي فيما مضى، وبعدما اتضح أن كل طرف منهما يحتاج إلى الآخر”، موردين أن “البلدين أرادا استكمال ما تم الشروع في بنائه بالمغرب هناك بفرنسا”.
وقال فريد حسني، محلل سياسي مهتم بالعلاقات المغربية الفرنسية، إن “الزيارة المرتقبة للملك محمد السادس إلى فرنسا، بناء على الدعوة الفرنسية الصادرة عن إيمانويل ماكرون، مؤشر دال على أن باريس والرباط قررتا كتابة فصل جديد في تاريخ العلاقات الثنائي بينهما واستكمال ما شرعا فيه هنا بالمغرب بمناسبة زيارة ماكرون، التي استمرت لثلاثة أيام”.
وأضاف حسني، في تصريح لهسبريس، أن “هذه الزيارة المعلن عنها بشكل أولي، في انتظار تحديد تاريخها دبلوماسيا، تعد بمثابة سطرٍ ثان سيكتب في تاريخ العلاقات الجديد ما بين البلدين خلال الفترة ما بعد 30 يوليوز الماضي”، لافتا إلى أن “السطر الأول كُتب هنا بالمغرب، وكانت تقوية الشراكة الثنائية وفتح الباب المغربي أمام الاستثمارات الفرنسية ملخصا له؛ فالطرفُ المغربي ونظيره الفرنسي بهذا قرّرا أن يتركا الخلافات جانبا”.
كما أوضح المتحدث أن ” زيارة الدولة المرتقبة هذه سيتم خلالها استكمال بناء معالم الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، حيث ستكون هذه الزيارة أول زيارة دولة للعاهل المغربي إلى الجمهورية الفرنسية في ظل حكم الرئيس ايمانويل ماكرون”.
وتابع نائب عمدة بلدية “بانيوه” بالضاحية الجنوبية لباريس: “أهم شيء فيما عرفته العلاقات بين البلدين مؤخرا هو الموقف الفرنسي الواضح من الوحدة الترابية المغربية وحجم الاستثمارات التي تعهّدت فرنسا باستثمارها بالمغرب”، مشيرا إلى أنه “إذا تعمقنا أكثر في مسألة الزيارة المرتقبة للملك المغربي إلى فرنسا فسنجد أنه تم رسمها بنفس الطريقة مقارنة بزيارة ماكرون إلى المغرب، حيث إن كل طرف منهما اقترح على الثاني القيام بزيارة دولة، حيث تم الاستجابة لكل واحدة منهما”.
واعتبر المحلل السياسي المهتم بالعلاقات المغربية الفرنسية أن “المؤكد هو أن فرنسا لن تدّخر جهدا بهذا الخصوص وفي جعل هذه الزيارة المنتظرة موعدا جديدا للتأكيد على أهمية المرحلة التي وصلت إليها العلاقة بين الرباط وباريس”.
من جهته، أكد محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية بمراكش، أن “هذه الدعوة من طرف الرئيس إيمانويل ماكرون لفائدة الملك محمد السادس جد مهمة، وهي في نهاية المطاف دعوةُ مجاملةٍ ستتوج بزيارة هي الأولى من نوعها للعاهل المغربي إلى فرنسا في عهد ماكرون”.
وأضاف نشطاوي، في تصريح لهسبريس، أنه “تم خلال زيارة ماكرون التأكيد على جعل الشراكة الثنائية بين البلدين استثنائية، بعد سنوات الجفاء التي وصلت تقريبا إلى ست سنوات؛ فهذه الدينامية أراد لها الجانبان المغربي والفرنسي أن تتقوى وتتعزز بمثل هذه الزيارات المتبادلة في ظل كل التحولات التي صارت العلاقات الدولية تعيش على وقعها”.
وزاد: “لقد أثبت السياق أن البلدين يحتاجان إلى بعضهما، فالمغرب يحتاج إلى فرنسا فيما يتعلق بملف الصحراء والملفات الاقتصادية والتشاور في القضايا ذات الاهتمام المشترك. كما أن فرنسا هي الأخرى تحتاج إلى المغرب، لاسيما بعد جفاء علاقتها مع الجزائر وما عرفته علاقتها مع تونس، إلى جانب الطرد الذي شهدته من منطقتي الساحل والصحراء، بما يبرز جليا أن باريس ترى في الرباط حليفا لها بالمنطقة”.
وأبرز المتحدث ذاته أن “الجمهورية الفرنسية صارت مصممة على العودة إلى إفريقيا اقتصاديا”، لافتا في هذا الصدد إلى أن “المشاريع التي من المنتظر أن تفتتحها بالأقاليم الجنوبية المغربية ستفتح لها الطريق قصد التموقُع داخل إفريقيا من جديد، والتي تعتبرها منطقة حيوية اقتصادية خصبة”.