على الرغم من أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب تعد حدثا دبلوماسيا مهما لإعادة إحياء العلاقات الثنائية، إلا أن تغطية القنوات الوطنية، برئاسة “الخالد” فيصل لعرايشي، لهذا الحدث الهام كانت دون المستوى المطلوب، بل إنها كانت مخيبة لآمال المشاهدين والمراقبين على حد سواء، حيث افتقرت إلى الحرفية اللازمة والابتكار الذي يتوقعه الجمهور في مثل هذه المناسبات.
وتُعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب محطة هامة في العلاقات الثنائية التي تجمع بين البلدين، خاصة في ظل التوترات التي شهدتها السنوات الأخيرة بين الرباط وباريس، حيث تم إعداد هذه الزيارة لتكون فرصة لطيّ صفحة التوتر وتعزيز الشراكة الاقتصادية والدبلوماسية بين الجانبين، بعد فترة من الفتور أثرت على تبادل التأشيرات والتعاون الأمني.
ورغم هذه الأهمية البالغة التي تكتسيها الزيارة، جاءت تغطية القنوات التلفزيونية المغربية غارقة في التخلف، حيث واجه المشاهد المغربي برامج تقليدية ومحتوى مكرر، ما يعكس افتقار هذه القنوات للابتكار والإبداع في تقديم مثل هذه الفعاليات، على الرغم من الميزانيات الضخمة المخصصة للقطب العمومي، حيث بدت القنوات غير قادرة على مواكبة أهمية الحدث، ولم تبرز بما يكفي دور المغرب في الشراكة مع فرنسا، التي تُعتبر من أهم شركاء المغرب التجاريين والاستثماريين.
وشهدت التغطية الخاصة التي وفرتها قنوات القطب العمومي لوصول الرئيس الفرنسي والوفد المرافق له إلى مطار الرباط، وكذا مرافقة الملك له إلى قصره بالرباط في موكب كبير، (شهدت) أخطاء تقنية واضحة على رأسها تأخر البث المباشر لأكثر من دقيقة ونصف، في دلالة على وجود مشاكل تقنية واضحة. بالإضافة إلى أن صوت المخرج وهو يعطي التوجيهات كان مسموعاً للمشاهدين، ما يعكس افتقار البث للاحترافية.
ومن بين الأخطاء التقنية أيضا، أن التغطية تضمنت لقطات غير مبررة، مثل تصوير حافلات مخصصة لنقل الجماهير وكانت مركونة أسفل قنطرة والتركيز عليها بشكل غير مفهوم، بينما لم يتم استغلال الكاميرات المسخرة على طول مسار الموكب الملكي، حيث كانت سيارات المصورين حاضرة، ولكن دون الحصول على أي لقطة منها، بينما لم يتم الاستعانة بشكل كبير بالطائرات دون طيار الصغيرة (الدرون) بشكل يسمح بإظهار جمال ونظام مدينة الرباط.
وعلى الرغم من الانتقادات اللاذعة التي طالت تغطية القناة الأولى لوصول المنتخب الوطني بعد مشاركته في مونديال قطر، بدا أن تلك الأخطاء لم تؤدِّ إلى أي تحسن في الأداء الإعلامي، بل تكررت بنفس النمط وبشكل واضح خلال تغطية زيارة الرئيس الفرنسي. فبدلاً من استثمار التجارب السابقة في تطوير آليات العمل والارتقاء بجودة البث، عادت القناة لتقع في نفس الأخطاء التقنية والتنظيمية، ما يعكس غياب الرؤية المهنية والالتزام بتحقيق تطلعات المشاهدين في تقديم محتوى متقن يلائم الأحداث الكبرى.
ويضع هذا الأداء الضعيف القطب العمومي، تحت إدارة فيصل العرايشي، أمام تساؤلات حول كفاءة التسيير وأسباب الاستمرار في نفس النهج التقليدي الذي لا يواكب توقعات المشاهد المغربي الذي يؤدي من جيبه أموالا طائلة مقابل استمرار هذا المرفق العمومي، الذي يعاني منذ سنوات من مشاكل تتعلق بعدم التجديد والانغلاق في نمطية البرامج، مما يثير استياء المواطنين والمتابعين.
ورغم الانقتادت المتكررة التي توجه إلى أداء القطب العمومي، خصوصا تجاه فيصل العرايشي، المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، حيث يتحمل المسؤولية الأولى والمباشرة عن ضعف الأداء الإعلامي، إلا أنه لم يُظهر بعد أي إشارات توحي برغبته في تبني استراتيجية جديدة تتناسب مع تطلعات الجمهور وأهمية القضايا السياسية والاجتماعية التي تطرح على الساحة الوطنية والدولية.
ولم تشهد القنوات العمومية، منذ تولي العرايشي المسؤولية، تغييرات تُذكر ترفع من مستوى المحتوى المقدم للمشاهد المغربي، بل استمر في تقديم محتوى تقليدي قديم وغير جذاب، مما دفع بالعديد من المشاهدين إلى التحول نحو القنوات الأجنبية أو الرقمية التي تقدم تغطيات أكثر مهنية وتنوعاً.
وبالإضافة إلى ذلك، يعاني الإعلام العمومي المغربي أيضا من تأخر غير مفهوم فيما يتعلق باستغلال التكنولوجيا الحديثة والمحتوى الرقمي، حيث يفتقر إلى القدرة على تقديم تغطيات متطورة وفورية للأحداث، حيث تعتبر قنوات القطب العمومي غير قادرة على منافسة القنوات الإخبارية العالمية أو حتى بعض المواقع الالكترونية المحلية الخاصة التي باتت تقدم محتوىً أكثر جذباً وجودة.
وفي ظل التحديات التي يواجهها الإعلام العالمي من تطور التكنولوجيا وتنوع مصادر الأخبار، يظهر الإعلام المغربي وكأنه لا يزال متمسكاً بأساليب قديمة تعتمد على البث التقليدي، ما يجعل الجمهور يفقد ثقته تدريجياً في قدرة هذا الإعلام على مواكبة الأحداث الكبرى والتواصل مع الجمهور بأسلوب عصري يلبي احتياجاته المعلوماتية.
وكان لافتا أيضا خلال التغطية التي قامت بها قنوات القطب العمومي لخطاب إيمانويل ماكرون في البرلمان، عدم اللجوء إلى الترجمة إلى اللغة العربية رغم توفر مترجم في البرلمان، في مقابل ذلك تكلفت قناة “سكاي نيوز عربية” بتأمين الترجمة الفورية للمشاهد المغربي والعربي، وكأنها هي المعني الأول والأخير بخطاب ماكرون، كما انتقد متابعون غياب الترجمة إلى اللغة العربية أثناء توقيع الاتفاقيات الثنائية بين الوفدين الحكوميين الفرنسي والمغربي، ما صعّب على كثير من المغاربة متابعة الحدث.
وفي سياق متصل، انتقدت الناشطة الإعلامية شامة درشول عدم استغلال فيصل العرايشي المناسبة لإطلاق قناة متخصصة في الأرشيف التلفزيوني، والتي كان يمكن أن تحمل اسم “زمان” أو أي اسم آخر يعكس أهمية استعراض الأرشيف الغني للمغرب في مجالات الدبلوماسية والعلاقات الدولية، مشددة أن ذلك ضيّع فرصة إعلامية لإبراز الإرث الدبلوماسي بين المغرب وفرنسا.