آخر الأخبار

بين الانفصال وتقرير المصير .. وهبي يقارب الحكم الذاتي في الصحراء المغربية

شارك الخبر
مصدر الصورة

قال عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، إن فكرة الحكم الذاتي كحل للنزاع حول الصحراء المغربية، بين المملكة وما تسمى جبهة البوليساريو، انبثقت من مجهودات كبيرة بذلت في ظل حوار داخلي وخارجي يقضي تاريخيا وواقعيا وشرعيا باستمرار الصحراء المغربية تحت سيادة الدولة المغربية.

وأضاف وهبي، ضمن مقال توصلت به هسبريس، معنون بـ”الحكم الذاتي بين الانفصال وتقرير المصير”، أن الحكم الذاتي يعد إطارا قانونيا فعالا، ووسيلة مفيدة لتدبير وتسوية النزاع الذي يمكن أن ينشأ عن المشاركة السياسية، موردا أنه يمنح كل مكونات المجتمع حق السيطرة على المجال، من دون اللجوء إلى الانفصال الداخلي، وتنظيم اقتسام السلطة في ما بينهما، ضمن إطار العيش المشترك والحفاظ على وحدة الدولة.

نص المقال:

استعمل مفهوم “الحكم الذاتي” منذ القدم، في الفلسفة والأخلاق ونظريات التربية، وفي العصر الحديث استعمل في مجالات عديدة كالإدارة والقانون والسياسة، وعرف ازدهارا في حقول علم النفس الحديث؛ وتباينت الأغراض من استعماله بين علاج موضوع “الفرد” وبخاصة ما يرتبط بعلاقته بالمجتمع والدولة، وبين علاج مواضيع السياسة، خاصة مع نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ ارتبط أكثر بعلاقة الدول المستعمرة بالمستعمرات، وحقبة إنهاء الاستعمار. وقادت هذه الاستعمالات المتعددة لمفهوم “الحكم الذاتي” إلى نقاشات حادة خلال العقود الماضية، وبروز وجهات نظر متعددة ومختلفة همت بعده النظري كما بعده التطبيقي، سواء على المستوى الأكاديمي أو على المستوى السياسي، وانصبت على أصل هذا المفهوم، وتعاريفه وعلاقته بالعديد من المفاهيم، مثل مفهوم تقرير المصير والحقوق الفردية والجماعية ومدى تأثير السياسات والإيديولوجيات على قيمته الإجرائية في حل النزاعات، وتحقيق وحدة الدول.

وإذا كان مفهوم “الحكم الذاتي” انحصر الاهتمام به إبان حصول معظم المستعمرات على استقلالها وتحقيقها مكتسبات تاريخية في شأن مستقبلها السياسي فإن الواقع التاريخي الذي خلفته ظروف تفكك الكتلة الشرقية وانهيار الاتحاد السوفياتي مع مطلع تسعينيات القرن الماضي، وسرعة انتشار تأثيرات العولمة المحملة بقيم الحرية الفردية والليبرالية الفكرية والديمقراطية السياسية، أعاد هذا المفهوم للواجهة السياسية، وعاد الاهتمام به على افتراض أنه الآلية التنظيمية الناجحة للحفاظ على التطلعات الديمقراطية للأفراد والاستمرار في الآن نفسه في الحفاظ على وحدة الدول.

وتنامى الاهتمام بمفهوم “الحكم الذاتي ” أمام المعضلة التي باتت تواجهها الدول، والمتمثلة في الكيفية التي يمكن الحفاظ فيها على وحدتها وسيادتها، دون عنف أو إكراه من جهة، والاستجابة للتطلعات الديمقراطية داخلها، التي تصب في مشاركة النخب في تدبير شؤونها المحلية والجهوية، من جهة أخرى.

إن السعي إلى إيجاد تسوية لهذه المعضلة اصطدم بمجموعة من الأسئلة المهمة التي أثارت نقاشات سياسية وعلمية عند الدول وبين المختصين وصلت إلى البحث عن أجوبة لها في ثنايا القانون الدولي. ويمكن أن نختصر هذه المعضلة في السؤال التالي: هل حقوق الديمقراطية تتمثل في تمتع الأفراد بحقوق الإنسان ومنحهم حقوقهم السياسية؟ أم إن الديمقراطية تعني حقوقا جماعية؟.

لم يثمر البحث في القانون الدولي عن إيجاد جواب قاطع عن هذا السؤال، إذ لا يوجد في هذا القانون تعريف واضح ومحدد للحقوق الجماعية، أو للحكم الذاتي، أو تعريف للحق في تقرير المصير. ما يوجد في القانون الدولي هو تطور مجموعة من القرارات التي تتعلق بهذه المسائل، لكن دون حسم، ما يترك الباب مفتوحا للاستنباطات والتأويلات ضمن علاقات القوة السائدة بين الدول العظمى.

جاءت أولى إشارة إلى تقرير المصير في ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، لكن ليس بالوضوح الذي يجعل منه قاعدة من قواعد القانون الدولي. لقد كانت هذه الإشارة موجهة للشعوب بأن يكون لها حق تقرير المصير، خاصة في سياق تاريخي مطبوع بتنامي حركات الاستقلال الوطني؛ إذ ركز الميثاق على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء. كما تضمن ميثاق الأمم المتحدة إشارة إلى الحكم الذاتي، إذ دعا الدول الأعضاء المسؤولة عن إدارة أقاليم لم تتمتع بالحكم الذاتي وفقا للظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه ومراحل تقدمه المختلفة. كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 لم يتضمن هو الآخر أي إشارة لمبدأ تقرير المصير، بل ركز أساسا على الحقوق المدنية.

لقد ارتبط مفهوم تقرير المصير ومعه مفهوم الحكم الذاتي كشكل من أشكاله بمرحلة إنهاء الاستعمار، فمع (إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة) الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة (القرار رقم 1514) عام 1960، أصبح صريحا وواضحا التأكيد على مبدأ تقرير المصير، وتحويله إلى حق عام، وبالتالي أصبح هذا الحق ملتصقا بإنهاء الاستعمار، ويعبر عن حق المستعمرات في الانفصال عن الدول المستعمرة، أي حق الشعوب المستعمرة في الاستقلال الوطني. إن ارتباط مفهوم تقرير المصير بنضالات حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار جعل الدول تحصره في ما يسمى حق تقرير المصير الخارجي المتمثل في حق المستعمرات في الاستقلال الوطني، وحق الدول في التصرف في شؤونها الداخلية دون تدخل خارجي.

بيد أنه عام 1966 صدر عن الجمعية العمومية “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي يمكن أن يشكل المدخل للحقوق الديمقراطية في القانون الدولي، إلا أنه لم يتطرق لهذه الحقوق كحقوق جماعية، وإنما كحقوق فردية للأشخاص المنتمين لهذا الشعب أو ذاك، ولم يتطرق للبعد السياسي لهذه الحقوق، بل حصرها في البعد المدني فقط. إلا أنه رغم ذلك كان العهد المشار إليه سابقا بداية اهتمام وتحول في نظرة المجتمع الدولي لمسألة الديمقراطية داخل الدول.

ورغم أن التيار العام على الصعيد العالمي أصبح أكثر تقبلا لنموذج الحكم الذاتي لحل النزاعات الديمقراطية داخل الدول فإن موضوعه بقي شائكا، يلفه الكثير من الجدل، والسبب في ذلك هو أن القانون الدولي لا يتوفر على أجوبة واضحة. إذ اعتقد بعض فقهاء القانون وعلماء السياسة أن وثيقة كوبنهاغن الصادرة عن مؤتمر البعد الإنساني الذي نظمته منظمة الأمن والتعاون في أوروبا سنة 1990، أنها تضمنت صراحة أن الحكم الذاتي يمكن أن يشكل أحد الوسائل للاعتراف بالحقوق الديمقراطية. ورغم أن الوثيقة غير ملزمة فإن أغلبية المهتمين بالموضوع يتفقون على أنه لأول مرة تم الربط بين الديمقراطية والحكم الذاتي.

هكذا يمكن أن يشكل الحكم الذاتي إطارا قانونيا فعالا، ووسيلة مفيدة لتدبير وتسوية النزاع الذي يمكن أن ينشأ عن المشاركة السياسية، لأنه يمنح كل مكونات المجتمع حق السيطرة على مجاله، من دون اللجوء إلى الانفصال الداخلي، وتنظيم اقتسام السلطة في ما بينهما، ضمن إطار العيش المشترك والحفاظ على وحدة الدولة.

وإذا كان حق تقرير المصير خارجي أقرته المواثيق الدولية، وعلى رأسها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 لسنة 1960، والقرار رقم 2625 لسنة 1970، اللذان أريد بهما تمكين الشعوب المستعمرة أن تشرعن مقاومتها ومطالبها بالاستقلال الوطني، فإنه لصيق قانونيا وتاريخيا بمرحلة تصفية الاستعمار التي تضع الاحتلال الأجنبي لشعب ما خارج قيم العدل والقانون وحقوق الإنسان والديمقراطية.

أما الحكم الذاتي فيعد شكلا متطورا للامركزية داخل الدول الموحدة، إذ إن التعاريف القانونية تقدمه كسلطة مخولة لمجموعات إثنية أو ترابية تمارس بموجبها مهام ووظائف عمومية تشريعية وتنفيذية وقضائية، مع بقائها خاضعة للتنظيم القانوني المنظم للدولة التي تمارس تحت سيادتها هذه الصلاحيات أو الوظائف.

وهنا يتعين التمييز بين شكلين للحكم الذاتي، يشير الأول إلى حكم ذاتي يغيب فيه التناسق أو التماثل بين مختلف الجهات أو المناطق داخل الدولة الواحدة. حيث تخول مجموعة أو جهة معينة وضعية خاصة بالمقارنة مع بقية جهات الدولة. والشكل الثاني يشير إلى الشكل المتناسق للحكم الذاتي الذي يقوم على وضعية نظامية تبحث من خلالها الدولة عن منح حكم ذاتي لكافة المكونات الجهوية دون تمييز بينها.

وبالنسبة للمملكة المغربية وردت فكرة الحكم الذاتي كحل للنزاع حول الصحراء المغربية بين المملكة المغربية وما تسمى جبهة البوليساريو، وهو الحل الذي انبثق من مجهودات كبيرة بذلت في ظل حوار داخلي وخارجي يقضي تاريخيا وواقعيا وشرعيا باستمرار الصحراء المغربية تحت سيادة الدولة المغربية مع تمتعها بحكم ذاتي.

نستطيع أن نفهم مشروع الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية للمملكة على أنه تتويج لسيرورتين في اتجاهين مختلفتين لكنهما متكاملتان: تتويج لسيرورة التوجه الدولي الجديد الذي أصبح يتعاطى مع مفهوم “الحكم الذاتي” تعاطيا بناء في أفق تقوية وحدة الدول على أساس ديمقراطي، والقطع مع إيديولوجيات الانفصال والتشرذم التي روج لها أصحاب “تقرير المصير يساوي الاستقلال”؛ ثم تتويج لسيرورة الإصلاحات الديمقراطية الكبرى التي ينتهجها المغرب منذ عقود، والمتمثلة في تعميق اللاتمركز وبناء جهوية موسعة وترجمة مبادئ الديمقراطية المحلية في قوانين ومؤسسات تعطي النخب المحلية والجهوية الحق في المشاركة في تدبير الشأن الخاص لهما. بهذا الأفق فإن مشروع الحكم الذاتي يخول لسكان الأقاليم الصحراوية جميع الإمكانيات لتدبير ذاتي وديمقراطي لشؤونهم.

إن أهمية الحكم الذاتي كآلية سياسية تنظم سيرورة دمقرطة مشاركة الجهات والأقاليم في التدبير السياسي للدولة المركزية تكمن أساسا في كونه يحمل صفات أساسية تعمق الاختيار الديمقراطي للدولة الموحدة. ويمكن حصر هذه الصفات في العناصر الأساسية التالية:

· الحكم الذاتي يقوي واقعيا الديمقراطية المحلية التي تضمن استجابة السياسات العمومية للحاجيات المتميزة للجماعات المحلية والجهوية.

· الحكم الذاتي يفتح الباب للنخب المحلية لكي تشارك في تدبير شؤونها المحلية.

· الحكم الذاتي يضمن تنمية وتجويد كفاءات المؤسسات المحلية والجهوية.

· الحكم الذاتي يضمن إيجاد حلول فعالة وواقعية لمشاكل محلية خاصة بجهة معينة.

هكذا فإن تنظيم سياسة ديمقراطية على مبدأ الحكم الذاتي تمكن من أن نفكر في التحديات والمشاكل بمعطيات عالمية وكونية، لكن نتدخل واقعيا ووفق خصوصيات محلية وجهوية.

Pensée global et agir local

على عكس هذه المزايا الديمقراطية التي ينطوي عليها مفهوم الحكم الذاتي نجد أن مطلب الانفصال لا يحمل سوى المساوئ المضرة بالديمقراطية والمعيقة بالتنمية، والمخالفة لمبادئ الحرية السياسة وحقوق الإنسان.

فمساوئ مطلب الانفصال على التنمية وقوة الدولة تشمل كافة مناحي الحياة العامة والخاصة، ويمكن حصرها في المستويات التالية:

· المستوى السياسي: يقوض الانفصال الأهداف الرئيسة للنظام السياسي الديمقراطي لأنه يقوي إمكانية التهديد والابتزاز السياسي الذي يمكن أن تتعرض لهما الدولة من قبل بعض عناصر النخب المحلية والجهوية، التي تستعمل مطلب الانفصال كأداة للمساومة؛ وبالتالي يخلق أجواء لا تشجع مكونات المجتمع على الانخراط الكلي في البناء الديمقراطي

· المستوى الأيديولوجي: يشع مطلب الانفصال مغالطة طرح المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية طرحا عرقيا أو طائفيا، ما يخلق بوادر مخاطر الصراعات الإثنية والطائفية التي تهدد وحدة الأمم وتضعف إمكانيات تقدمها وتنميتها.

· المستوى الاقتصادي: يقود الانفصال إلى خلق دويلات صغيرة لا هي قادرة على النماء والازدهار الاقتصاديين وحدها، ولا هي قادرة على إحداث وزن معتبر وفعال داخل تحالفات اقتصادية واسعة. إن الانفصال هو إضعاف للقوة الاقتصادي ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
هسبريس المصدر: هسبريس
شارك الخبر

إقرأ أيضا