آخر الأخبار

قدم على “ظهر المفاوضات”.. من يكون خليفة ميارة على رأس مجلس المستشارين؟ (بورتريه)

شارك الخبر
مصدر الصورة

رغم أنه كان يضع نُصب عينيه رئاسة الغرفة الثانية للبرلمان، حتى قبل ولاية الحكومة الحالية التي منحته أغلبيتها تأشيرة الإطاحة بزميله في الحزب النعم ميارة، لكن لا أحد كان يصدق أن سيدي محمد ولد حمدي ولد الرشيد، الذي كبر ونشأ في كنف أبيه، والذي لم يكن يستيقظ حتى الرابعة عصرا، سيتربع يوما على كرسي رئاسة المجلس الذي تعاقبت عليه شخصيات سياسية وازنة، من حجم جلال السعيد ومصطفى عكاشة والمعطي بنقدور.

لقد ظل نجل ولد الرشيد، الذي وصل إلى قبة البرلمان في عام 2009، “مستشارا شبحا” في مجلس المستشارين باسم حزب الاستقلال، حيث كان يكتفي بالحضور مرة واحدة في السنة، خلال جلسة افتتاح الملك للدورة الخريفية للبرلمان، وفق وثّق ذلك عدد من موظفي إدارة مجلس المستشارين، ويشهد به حتى زملاؤه في فريق “الميزان”، الذي يبدو أن كفته قد رجحت لصالح آل ولد الرشيد في صراع عائلي لم يقبل القسمة على اثنين، حتى لو تعلق الأمر بصهر مقرب أوشك على تسلم مفاتيح قيادة الاستقلال.

القوة السياسية الأولى في الصحراء

المطلعون على خبايا الحرب الخفية التي تجري رحاها في الصحراء، بعيدا عن كليشيهات الرباط أو ما يعرف بـ”المركز” عند أهالينا في الأقاليم الجنوبية للمملكة، يعتبرون أن وصول نجل ولد الرشيد إلى دفّة كرسي رئاسة الغرفة الثانية للبرلمان، هو إعلان صريح بأن “آل الرشيد” هي القوة السياسية “رقم واحد” في الصحراء المغربية، وهو تثبيت لنفوذ وسلطة هذه العائلة التي تبسط سيطرتها على منظومة المال والأعمال والسياسة بجهة العيون الساقية الحمراء.

وإذا كان البعض من خصوم ولد الرشيد يعتبرون أنه كان إلى عهد قريب شخصية غير معروفة حتى في أقاليم الصحراء، وينكرون عليه أي امتداد سياسي أو حزبي، بحجة أنه لا يعدو أن يكون مجرد صنيعة لوالده الحاج حمدي، العقل المدبر للخرائط الانتخابية بالصحراء، فإن مقربين من الرئيس الجديد لمجلس المستشارين يرون أنه لم يقفز بالمنطاد في بحر السياسة، بل له باع طويل في رسم كثير من التوازنات السياسية، خاصة ما يتعلق بالقضايا التنظيمية التي هزت في مناسبات عدة سفينة حزب الاستقلال.

ويصف عدد من الاستقلاليين في أحاديث متفرقة مع جريدة “العمق” نجل ولد الرشيد بالقوة الهادئة ورجل الظل الذي يشتغل بعيدا عن الأضواء، وبكونه مهندس الانتخابات في جهة العيون الساقية الحمراء، ورجل التوافقات و”دينامو” المفاوضات وضابط التوازنات، بينما يرى البعض الآخر أن وصول نجل ولد الرشيد إلى رئاسة مجلس المستشارين هو تكريس مفضوح لمنطق الاستفادة من “الوزيعة” وتحكم القرابة العائلية في تولي المسؤوليات بعيدا عن مبادئ الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص.

إنسانيا، يقول مقربون من ولد الرشيد الذي يملك أول “مصحة خاصة” تم إحداثها بجهة العيون الساقية الحمراء، إنه يعطف على المعوزين وينفق أمواله بالليل والنهار، سرا وعلانية على المحتاجين، ولا يتردد في التكفل بعلاج المعسرين من أبناء الصحراء، حتى لو كان ذلك خارج الأقاليم الجنوبية وخارج أرض الوطن، وأنه يبذل ما بوسعه لإخفاء إحسانه “حتى لا تعلم شماله ما تنفقه يمينه”، وأنه لا يغادر مدينة العيون إلا لماما وأنه عندما يقضي أوقاته بينها وبين الرباط أو الدار البيضاء، فإن ذلك يكون ذلك لقضاء حوائج الناس.

ازداد “سيدي محمد ولد الرشيد” في 29 من أكتوبر سنة 1978 بالعيون، وتابع “ولد الرشيد” الذي يعرف القاصي والداني، أنه ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، دراسته العليا بجامعة محمد الخامس التي حصل بها على الإجازة في القانون العام. ويقول أحد زملاء دراسته لجريدة “العمق” إنه كان مواظبا ومهذبا ولطيفا إلى حد الدعابة، وأنه درس في مدارس التعليم العمومي، لكنه بدأ التدخين مبكرا في سلك البكالوريا ما فتح الباب أمام سقوطه في الإدمان.

ويضيف زميل دراسة ولد الرشيد، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، لأسباب شخصية تربطه بالرئيس الجديد لمجلس المستشارين، أنه لا يحب السفر كثيرا، وأنه يقيم بين العيون والدار البيضاء، ويغادر أرض الوطن بين الفينة والأخرى صوب الجارة الإسبانية لقضاء بعض الأغراض الشخصية. بينما قالت مصادر عاشرت ولد الرشيد عن قرب في تصريحات للجريدة، إنه “شخصية متعجرفة ومغرورة، وأنه رجل متهور ومتعالٍ ولا يأبه لمن حوله، وأنه يمعن في الاستخفاف واحتقار من يشتغلون معه”.

سيدي محمد ولد الرشيد الذي يقول عنه والده “اللي ما يبغي محمد ما يبغيني”، هو الولد البكر للحاج حمدي ولد الرشيد وله شقيقتان من زوجة أبيه الثانية، وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء، وعمه هو حمدي الصغير رئيس مجلس جهة العيون الساقية الحمراء، وصهر الرئيس السابق لمجلس المستشارين النعم ميارة، وهو ابن أخ خليهن ولد الرشيد، الذي يشغل حاليا منصب رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية المعروف اختصارا بـ”الكوركاس”.

مهندس الانتخابات والتوازنات

سياسيا، يؤكد كثير من الاستقلاليين وغيرهم ممن تحدثت إليهم جريدة “العمق”، أنه رجل التوافقات بدون منازع، وأنه أتى الحكمة التي تسعفه لرأب الصدع ونزع فتيل التوترات، على غرار “المصالحة التاريخية” التي قادها نجل القيادي البارز في حزب الاستقلال حمدي ولد الرشيد، والتي أمنت تزكية بركة لولاية ثانية وتسمية رئيسي اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني التي آلت إلى عبد الجباري الراشدي.

انتخب في المؤتمر العام الوطني 16 لحزب الاستقلال سنة 2012، عضوا باللجنة التنفيذية للحزب لثلاث ولايات متتالية بالمؤتمرات العامة الثلاث، والتي تحمل من خلالها مهمة المسؤول الوطني عن تنظيمات وهيئات وروابط حزب الاستقلال إلى غاية اليوم. وانخرط في العمل السياسي ضمن صفوف حزب الاستقلال في سن مبكرة حيث تم انتخابه سنة 2008 عضوا باللجنة المركزية للحزب.وفي سنة 2015 جرى انتخابه نائبا أولا لرئيس مجلس جماعة العيون وهي المهمة التي لازال يشغلها حاليا.

كما حصل “سيدي محمد ولد الرشيد” على ثقة منتخبي جهة العيون الساقية الحمراء بانتخابه مستشارا برلمانيا لثلاث ولايات برلمانية متتالية منذ العام 2009، وتولى كذلك في الفترة ذاتها رئاسة لجنة التنمية الاقتصادية بمجلس جهة العيون الساقية الحمراء. وانتخب عضوا بغرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة العيون الساقية الحمراء لولايتين انتدابيتين ما بين 2009 و2021 عن صنف الصناعة.

يقول مقربون من ولد الرشيد إنه الرئيس الفعلي لجماعة العيون والعقل المدبر لشؤونها، لاسيما مع تقدم أبيه في السن وجنوحه نحو الراحة على عادة أهل الصحراء. لكن بالمقابل، ينزع عدد من متتبعي الشأن المحلي بمدينة العيون، عن نجل ولد الرشيد أي مسؤولية في التدبير السياسي والحزبي، وحتى الانتخابي.

ويؤكد بعض ممن تحدثت إليهم جريدة “العمق”، في هذا الصدد، أن رجل الميدان بامتياز وقائد المفاوضات ومهندس الخرائط الانتخابية في الأقاليم الجنوبية، والمتحكم في إدارة التنظيم الحزبي للاستقلال، هو الأب الحاج حمدي ولد الرشيد، وأنه يعمد إلى نسب منجزات كثيرة لنجله في محاولة منه لتهيئة خلف له على رأس المنظومة السياسية بالصحراء، خاصة في ظل صراع الزعامة والنفوذ القائم بين الأخير وشقيقه إبراهيم ولد الرشيد المعروف بمهندس التوازنات القبلية بالصحراء.

نفوذ المال والسياسة

بينما يسود تخوف من داخل ديوان رئاسة مجلس المستشارين، من أن يقدم ولد الرشيد على تجريف جيش كبير من الموظفين الذي أغرق بهم سلفه النعم ميارة الغرفة الثانية للبرلمان، سارع محمد ولد الرشيد في أول خطوة إلى تعيين رجل الأعمال الشاب وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، منصور المباركي، الذي يشغل حاليا رئيس مجموعة الجماعات بإقليم العيون.

وعلى ضوء الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان، يتساءل كثير من أطر البرلمان عن مدى قدرة الرئيس الجديد لمجلس المستشارين، على تمثل التوجيهات الملكية في الرفع من منسوب الترافع البرلماني عن مغربية الصحراء، خاصة أنه خالي الوفاض في هذا الباب، وأنه لا يجر وراءه أي مسار سياسي أو أي تجربة في الدفاع عن القضية الوطنية الأولى سواء داخل المؤسسة البرلمانية التي لم يسبق له حضور جلساتها العمومية واجتماعات لجانها الدائمة، وخارجها من خلال المشاركة في الوفود البرلمانية التي تقوم بزيارات إلى عدد من البلدان الأوروبية في سياق ترافع الدبلوماسية الموازية عن مغربية الصحراء.

اقتصاديا، يتقلد محمد ولد الرشيد حاليا منصب الرئيس المدير العام لهولدينغ اقتصادي متخصص في قطاع الصناعة والخدمات، ويشرف على إدارة عدد من مشاريع والده حمدي ومنها محطات وقود بالأقاليم الجنوبية ومؤسسات فندقية. كما يشغل عضوية المجلس الإداري لمجموعة العمران الجنوب، فهو كذلك عضو مؤسس ومسير لعدد من المقاولات المواطنة. وتولى كذلك سنة 2019 رئاسة مؤسسة تعنى بالشؤون الاجتماعية والخيرية والتنمية المستدامة بإقليم العيون.

أسئلة كثيرة وربما ليست لها أجوبة، تدور داخل أروقة البرلمان بعد وصول نجل ولد الرشيد إلى كرسي الرئاسة، حول ما إذا كان الرئيس الجديد لمجلس المستشارين، الذي كبر وترعرع في كنف والده، سيخرج من جلباب الحاج حمدي ويتخلص من وصايته، وهل سينجح في أن يقول ها أنذا بدل أن يقول كان أبي، وهل يطوي صفحة ميارة بما لها من نجاحات وإخفاقات، وهل يتجنب الأخطاء الدبلوماسية التي وقع فيها سلفه، أم أنه سيطلق رصاصة الرحمة على تجربة الثنائية المجلسية، في وقت لا تزال هناك أصوات تطالب بتعديل دستوري يلغي مجلس المستشارين.

العمق المصدر: العمق
شارك الخبر

إقرأ أيضا