آخر الأخبار

قصة صمود فلسطينيي "أم الخير" بالضفة في وجه التهجير

شارك

الخليل – بقدر ما شكلت نكبة عام 1948 من مآس للفلسطينيين، فإنها كانت في ذات الوقت درسا تعلموا منه معنى وعواقب اللجوء، وتعاهدوا على عدم تكراره، وهذا كان ماثلا في رفض فلسطينيي غزة كل أشكال الترهيب والترغيب في حرب الإبادة لمغادرة فلسطين .

وهكذا في الضفة الغربية، فإن ضحايا النكبة من اللاجئين يصرون على عدم تكرار المحنة، كما يجري اليوم في خربة أم الخير وهي قرية صغيرة بمسافِر يطّا جنوبي الضفة، حيث يتعرض سكانها لمختلف أشكال الترهيب لكنهم يصرون على البقاء.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 النيجر تعتقل 3 صحفيين بتهمة "المساس بالنظام"
* list 2 of 2 الصحة العالمية: ملايين السوريين يعانون من أجل الوصول إلى العلاج end of list

ينحدر سكان الخربة وهم من عشيرة عرب الهذالين البدوية، من منطقة عراد المحتلة عام 1948، ومع النكبة حطت رحالهم في الصحراء الشرقية للضفة الغربية، قبل أن يستقر بهم المقام بموقعهم الحالي في أرض اشتروها من سكان بلدة يطا، جنوب الخليل .

لكن المعاناة تجددت عام 1982 مع إقامة مستوطنة كرمئيل بمحاذاة مساكن العائلات الفلسطينية، ومنذ ذلك التاريخ يدفعون مختلف الأثمان نظير بقائهم وعدم قبولهم بتكرار سيناريو التهجير، وازدادت الأمور سوءا بإقامة بؤرة استيطانية مؤخرا فوق أراضي الخربة.

مصدر الصورة تلقى ياسر الهذالين الأسبوع الماضي إخطارات هدم تستهدف خياما من الشوادر البلاستيكية يستخدمها للسكن (الجزيرة)

الهدم الثالث

في حديثه للجزيرة نت يقول ياسر الهذالين، أحد المخطَرين بهدم مساكنهم منذ أسبوع، إن الحياة ظلت طبيعية للسكان ويتجولون بحرية بين المراعي ويعودون إلى الخربة، حتى إقامة المستوطنة التي لا يفصلهم عنها سوى أسلاك شائكة، ثم تضاعفت المعاناة مع بدء الإبادة على غزة بإقامة بؤرة أخرى وسط الخربة حرمتهم حتى من الحركة على أطرافها.

عن تجربته الشخصية، يقول الهذالين (55 عاما) إن الاحتلال هدم منزله أول مرة عام 2007، وكان حينها يؤوي عائلته المكونة من 18 فردا بمن فيهم زوجتاه وأطفاله وكان أكبرهم يبلغ من العمر 13 عاما.

إعلان

وفي يونيو/حزيران 2024 خسر الهذالين مرة ثانية كل ما أعاد بناءه بعد هدم 2007، بما في ذلك منزلا زوجتيه المبنيان من الخرسانة وكرفانات (غرف متنقلة) تستخدم كمطابخ وحمامات.

ومنذ ذلك التاريخ يقيم هو وأبناؤه وأحفاده -ويزيد عددهم اليوم عن 27 فردا- في مساكن من الزينكو والشوادر البلاستيكية حتى جاء جيش الاحتلال منذ أيام وسلمه إخطارات بهدم المأوى الجديد ضمن 14 إخطارا استهدفت 12 منها مساكن في الخربة.

مصدر الصورة الاحتلال نفذ أكثر من 20 عملية هدم في خربة أم الخير منذ إقامة المستوطنة (الجزيرة)

هدف مرفوض

ما يجري مع الهذالين وعائلات أم الخير هدفه ترحيلهم، وفق الهذالين، الذي شدد على أنه خيار مرفوض، رغم كل أشكال التضييق التي تضاعفت بالتزامن مع حرب الإبادة على غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأوضح أن السكان اعتادوا على تربية الثروة الحيوانية والزراعة، لكنهم الآن لا يستطيعون مغادرة بيوتهم ولا تغادر أغنامهم حظائرها بسبب التهديد المستمر والاستيلاء على المراعي والأراضي الزراعية.

وذكر أنه كان يملك قبل الحرب 100 رأس من الأغنام باع أغلبها لعدم قدرته على إطعامها وأبقى على 30 رأسا منها فقط، مضيفا "كلنا تحت خط الفقر، حتى الموظفين الحكوميين بلا رواتب بسبب الأزمة المالية للسلطة".

مصدر الصورة الاحتلال وزع في 28 أكتوبر 14 إخطار هدم في قرية أم الخير بينها 12 تستهدف مساكن مأهولة (مجلس قروي أم الخير)

ذرائع مختلفة

يشير الهذالين إلى 20 عملية هدم تعرضت لها الخربة، مع أن المساكن مقامة على أرض خاصة بها كهوف كانت مسكونة على مر العصور ويملك أصحابها وثائق رسمية بملكيتها.

ويوضح أن عمليات الهدم تتم عادة تحت أعذار مختلفة كالبناء دون ترخيص مع أنه إجراء من المستحيل الحصول عليه، أو مصادرة الأراضي بقرارات عسكرية وتحت مسميات أمنية أو تحويلها إلى أملاك دولة.

يكشف الهذالين عن سر البقاء والصمود رغم قساوة الحياة "صحيح أننا نعيش حياة صعبة لكننا نتقبلها، لقد تم تهجير آبائنا وأجدادنا أول مرة في النكبة، وعشنا في الجبال لسنوات واعتدنا على هذه الصعوبة ويمكننا العيش في العراء حتى بدون خيمة على أن نكرر الهجرة".

مصدر الصورة اقتحامات جيش الاحتلال لخربة أم الخير لم تتوقف منذ أكتوبر 2023 (مجلس أم الخير)

حصار مشدد

من جهته، يوضح رئيس المجلس المحلي بخربة أم الخير خليل الهذالين، في حديثه للجزيرة نت أن قرابة 400 نسمة، أكثر من نصفهم من الأطفال، يدفعون ثمن بقائهم في الخربة رغم كل التهديدات والملاحقات والحصار الخانق.

وقال إن إخطارات الهدم الأخيرة لم تقتصر على المساكن، بل طالت مركزا مجتمعيا يقام على نحو 4 آلاف متر مربع، يضم مرافق متعددة بينها مقر المجلس المحلي وروضة للأطفال وغيرهما.

وفق تقديره فإن توزيع إخطارات الهدم، التي شملت منشآت أسهمت في بنائها جهات أوروبية، جاءت انتقاما من سكان الخربة بعد نجاحهم في استصدار أمر قضائي من محاكم الاحتلال بإزالة بؤرة استيطانية استُحدثت بمحاذاة مساكنهم وعلى أراضيهم خلال الحرب.

يشير الهذالين إلى منع الكهرباء والمياه عن الخربة وغياب الخدمات الصحية إلا من عيادة ليوم واحد في الأسبوع.

وكشف عن تراجع تربية الماشية بالخربة من حوالي 4 آلاف رأس قبل الحرب، إلى نحو 1500 رأس اليوم نظرا لانعدام المراعي وعدم قدرة السكان على توفير البدائل في ظل غياب دعم حقيقي يساعدهم على الاستمرار في تربيتها.

إعلان

وشدد على أن الهدف الرئيس لكل تلك الإجراءات ترحيل وتهجير السكان وهو ما يرفضونه بشدة.

مصدر الصورة تراجع عدد رؤوس الأغنام في أم الخير من 4 آلاف قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 1500 اليوم (الجزيرة)

رموز الصمود

لا يمكن الحديث عن خربة أم الخير دون الإشارة إلى وجوه بارزة شكلت رمزا لصمود السكان، منها الشهيد وأيقونة المقاومة الشعبية المسن سليمان الهذالين الذي استشهد في يناير/كانون الثاني 2022 جراء دهسه من قبل مركبة إسرائيلية خلال احتجاج سلمي على اقتحام الخربة.

أما الثاني فهو المعلم والناشط الحقوقي عودة الهذالين ، أحد المساهمين عام 2019 في إنتاج الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى" الذي حاز جائزة أوسكار لأفضل فيلم وثائقي طويل عام 2025، واستشهد في 28 يوليو/تموز 2025 برصاص مستوطن إسرائيلي قرب منزله أثناء تصديه لحفريات تمهد لإقامة بؤرة استيطانية في الخربة.

كما رحل عن القرية في فبراير/شباط 2023 المسن شعيب الهذالين، متأثرا بجلطة دماغية أصيب بها أفقدته النطق والقدرة على الحركة، خلال عملية هدم لمنزله كانت السادسة التي يتعرض لها وذلك عام 2014.

وعرف عن ثلاثتهم مقارعته الزحف الاستيطاني وتعزيز صمود السكان ورفض كل محاولات التهجير، رغم الثمن الذي كانوا يدفعونه بما في ذلك عمليات الملاحقة والاعتداء بالضرب، لكنهم رحلوا دون أن يستسلموا.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا