تناقش جولة الصحف ليوم الثلاثاء، قضية حجب الثقة عن الحكومة الفرنسية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومدى تشابه الأزمة الفرنسية مع الحالة البريطانية في الوقتين الراهن والمستقبلي.
وفي قضية أخرى، تلقي الجولة الضوء على حضور الحرب في غزة في الأوساط السينمائية، وخصوصاً في هوليوود.
الاثنين، حجب النواب الفرنسيون الثقة عن حكومة فرنسوا بايرو، الذي أعلن أن حكومته تتحمل مسؤولية مشروع ميزانية للعام 2026 ينص على اقتطاعات بقيمة 44 مليار يورو.
يقدّم الكاتب ماثيو لين في صحيفة "التلغراف"، مقاربة بين الأزمة في فرنسا، والوضع الاقتصادي في بريطانيا.
ففي مقاله "فرنسا تقدّم لمحة مرعبة عن مستقبل بريطانيا"، يرى لين أن فرنسا ترفض معالجة الإفراط في الإنفاق وتفترض أنها قادرة على الاقتراض إلى الأبد، مضيفاً: "نحن (بريطانيا) نسير في نفس الاتجاه".
وقال إن "فرنسا تشكّل مثالاً صارخاً على ما يحدث عندما ترفض دولة ما السيطرة على حجمها".
وحاول لين إرسال إشارات تحذيرية لصنّاع القرار في بلاده، بقوله إن "أقرب جار لنا يشكل تحذيراً قاتماً لبريطانيا ـ فنحن نتجه نحو نفس الأزمة تماماً".
ويؤكد لين أن فرنسا متقدمة على بريطانيا ببضع سنوات فقط، ويجب أن تكون أزمة باريس بمثابة تحذير للندن.
وتطرّق لين لبعض تفاصيل المؤشرات الاقتصادية الفرنسية، وأشار إلى أن الحكومة الفرنسية غارقة في الديون، مشيراً إلى أن إجمالي الدين العام يشكل 113 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ولفت إلى أن النسبة تقترب من 120 في المئة عند أخذ حصة فرنسا من ديون الاتحاد الأوروبي في الاعتبار، مضيفاً أن فرنسا تجاوزت إيطاليا كثالث أكبر مدين في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان، وكلاهما اقتصادان أكبر بكثير.
وقال إن فرنسا ستدفع قريباً أكثر من إيطاليا على قروضها، وهي تدفع بالفعل أكثر من اليونان، مضيفاً أن "البلاد مشلولة سياسياً، وترفض أطرافها المتصارعة الموافقة على تخفيضات الإنفاق".
وانتقد لين إجراءات ضريبية فرنسية على بعض الشركات، دفعت مُعظم المصرفيين ومديري الصناديق، الذين كانوا قد انتقلوا إلى باريس بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى مغادرة البلاد، وفق تحليله.
"إذا تفاقمت الأزمة المالية في بريطانيا، فمن الصعب تصوّر أن الوضع سيكون أفضل بكثير هنا"، وفق الكاتب الذي يرى أن البرلمان البريطاني الحالي بصيغته الحالية سيكون منقسماً تماماً مثل الجمعية الوطنية في باريس.
ففي بريطانيا ستصل نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي إلى 100 في المائة في مرحلة ما من هذا العام، بحسب لين.
ويعتقد لين أن محاولة تحذير الحكومة من أن بريطانيا لا تستطيع الاستمرار في الإنفاق الجامح ستُحدث تغييراً إيجابياً.
في صحيفة "لوموند" الفرنسية تحاول الكاتبة فرانسواز فريسو مناقشة سقوط حكومة بايرو في مقال "فصل جديد أكثر إثارة للدهشة في السياسة الفرنسية".
حذرت فريسو من الأزمات الاجتماعية والسياسية والمالية في فرنسا، ورأت أن أزمة بايرو ليست الأولى التي تواجهها البلاد.
فمنذ بداية الولاية الأولى للرئيس إيمانويل ماكرون، شهدت فرنسا سلسلة من الصدمات الاجتماعية والسياسية التي قوضت هيمنة الأغلبية البرلمانية وزعزعت أركان الجمهورية الفرنسية، وفق فريسو.
وتطرقت إلى حركة السترات الصفراء خلال شتاء 2018-2019، وقالت إنها لم تمنع إعادة انتخاب الرئيس، لكنها سلطت الضوء على الفجوة التي تشعر بها شرائح من الطبقة العاملة والمتوسطة التي تواجه ارتفاع تكاليف المعيشة وتقلص الدخل المتاح.
وأشارت إلى أن حركة السترات الصفراء كشفت عن مدى الانقسام الديمقراطي، وأدت إلى مطالبة قوية بالديمقراطية المباشرة، مما يعكس شعوراً متزايداً بأن النظام التمثيلي لم يعد يُمثل الكثير من الفرنسيين.
وتحدثت عن تفاقم في عزلة الرئيس نتيجة الحركة الاجتماعية القوية التي اندلعت في شتاء 2023، الموجهة ضد إصلاح نظام التقاعد.
كما أشارت الكاتبة إلى وجود استياء شعبي عميق تجلّى في صناديق الاقتراع عام 2024، عقب حل الجمعية الوطنية، مخلّفاً عواقب وخيمة، فلم يقتصر الأمر على عدم ظهور أغلبية، بل تفاقم الاستياء لدى العديد من الناخبين الذين شعروا بأن فوزهم سُلب.
وانطبق هذا على الناخبين اليساريين، وكذلك على مؤيدي التجمع الوطني اليميني.
ورأت أن فرنسا عاجزة عن التوصل إلى حلول وسط في بيئة دولية مضطربة وخطيرة للغاية، وبلا آفاق مستقبلية، وشهدت سقوط حكومتين في أقل من عام.
وتحدثت الكاتبة عن إثارة خطة بايرو لخفض الإنفاق في 2026 لاحتجاجات واسعة، لا سيما بشأن اقتراح إلغاء عطلتين رسميتين، وهو الذي يُنظر إليه كإجراء غير منصف للطبقة العاملة.
ورأت أن الاستياء الشعبي ليس موجهاً نحو الرئيس ورئيس الوزراء فقط بل يشمل أيضاً المشرّعين الذين يُنظر إليهم بشكل متزايد على أنهم أفرادٌ ذوو امتيازات فشلوا في حل المشكلة ويحاولون التهرب من المسؤولية.
وتعتقد الكاتبة أن أعضاء الجمعية الوطنية لا يستطيعون تقديم مخرج من هذا المأزق.
وأشارت فريسو إلى وجود تفكير متزايد في إمكانية حلّ الجمعية الوطنية.
في موضوع آخر، تناقش الكاتبة شارون واكسمان في مقال "هوليوود في حرب مع نفسها بسبب غزة" المنشور في نيويورك تايمز، تأثير الحرب في قطاع غزة المستمرة منذ قرابة عامين على السينما العالمية خصوصاً في أهم معاقلها في هوليوود.
قالت واكسمان إن غزة حرّضت هوليوود على نفسها.
وأشارت إلى أن مهرجانَي البندقية وتورنتو السينمائيين الدوليين أعادا تسليط الضوء على الانقسامات التي أحدثتها الحرب في غزة.
ورأت أن "العنف الوحشي" الذي بدأ قبل عامين تسبب في انقسام مجتمع الترفيه بشكل لم تشهده سوى في قضايا قليلة في العقود الأخيرة.
ووفق رأي واكسمان، فإن قضية نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والحرب في أوكرانيا بإمكان صناعة السينما الحديث بشأنهما إلى حد كبير، فيما يبقى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي "عبئاً ثقيلاً".
تطرقت واكسمان إلى فوز فيلم "لا أرض أخرى"، الذي صوّر "القمع" في الضفة الغربية بجائزة أوسكار، لكنه أثار جدلاً واسعاً لدرجة أن الموزعين لم يرغبوا التعامل معه.
وقالت: "يشعر كلٌّ من مؤيدي فلسطين والمدافعين عن إسرائيل بالاضطهاد بسبب آرائهم أو يخشون أن يتعرضوا له"، مشيرة إلى حديث عن أعمال انتقامية ضد من يُعلنون عن آرائهم.
يُمثّل مهرجان البندقية ومهرجان تورنتو السينمائي الدولي، الانطلاقة غير الرسمية لموسم الجوائز السنوي. ويحضره نجوم وشخصيات بارزة في هوليوود، وتُجسّد الاضطرابات العلنية المحيطة بالمهرجانين مأزقاً في عالم السينما، بحسب واكسمان.
وقالت إنه في صناعة يُفترض أنها تُدافع عن حرية التعبير، أصبحت غزة قضيةً لا تُطرح حتى للنقاش.
وكذلك تحدثت عن قلق يهودي من أن القصص التي تعرض وجهة نظر إسرائيل بتعاطف، غير مرحب بها.
وأشارت إلى مجموعة من الفنانين والمديرين التنفيذيين بمن فيهم جيل أصغر من اليهود، يشعرون بالفزع إزاء "مذبحة غزة"، لكنهم يخشون أن يؤثر دعمهم العلني للفلسطينيين سلباً على مسيرتهم المهنية.
وقالت إن سوزان ساراندون تحدثت في تجمع مؤيد للفلسطينيين، وتوقفت وكالة المواهب الخاصة بها عن العمل، كما طُردت ميليسا باريرا من دورها في سلسلة أفلام "الصرخة" بعد أن نشرت انتقادات للرد العسكري الإسرائيلي على هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
وتطرقت إلى نشر نجمة فيلم "سنو وايت"، رايتشل زيغلر، عبارة "تذكروا دائماً، فلسطين حرة" خلال الترويج للفيلم ومواصلتها الدفاع عن آرائها بشأن الفلسطينيين، مضيفة: "لا شك أن مسؤولي ديزني يعتقدون أن هذا لم يُسهم في نجاح الفيلم".
"إذا سألتَ صانعي القرار في هوليوود، فستجد أنها (زيغلر) غير مؤهلة للعمل في مجال السينما لأن حرب غزة ليست قضيةً يرغب أيٌّ من العاملين في هذا المجال في مناقشتها مع أحد نجومهم"، وفق واكسمان.
وقالت إن الدفاع عن إسرائيل ليس بلا عواقب أيضاً.
وأشارت إلى أن مايم بياليك، المؤيدة الصريحة لإسرائيل، فقدت مشاركتها كمقدمة برنامج "جيوباردي"، وردد البعض أن ذلك بسبب نشاطها.
واستشهدت واكسمان بما حصل في مهرجان البندقية السينمائي الشهر الماضي الذي شهد احتجاجاً شعبياً ودعوات من مجموعة من صانعي الأفلام والفنانين الدوليين لاتخاذ "موقف واضح لا لبس فيه" ضد "الإبادة الجماعية المستمرة في غزة والتطهير العرقي في جميع أنحاء فلسطين الذي تنفذه الحكومة والجيش الإسرائيليان".
أما غادوت، التي شاركت زيغلر في بطولة فيلم "سنو وايت"، أجرت مقابلة مع تلفزيون إسرائيلي وقالت بالعبرية ما تجنبته سابقاً: "ما يحدث في مختلف الصناعات، وفي هوليوود أيضاً، هو أن هناك ضغطاً كبيراً على المشاهير لإثارة قضايا ضد إسرائيل".
ومثل زيغلر، يبدو أن مسيرة غادوت المهنية تباطأت، بحسب واكسمان.
ورأت الكاتبة أنه "لا أحد يرغب في إثارة الجدل الآن. لكن هوليوود لطالما عالجت السياسة من خلال سرد قصص إنسانية"، وقالت "لا ينبغي لهوليوود أن تخشى فعل ذلك أبداً".